العدد 4438 - الجمعة 31 أكتوبر 2014م الموافق 07 محرم 1436هـ

تونس تقترع للتحول الديمقراطي السلمي

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

حالفني الحظ أن أكون ضمن فريق الشبان العربية لديمقراطية الانتخابات لمراقبة الانتخابات بالتعاون مع مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية، وهي منظمة أهلية تونسية متمرسة في العمل من أجل الديمقراطية لعقدين من الزمن، وهكذا تظافرت الخبرات العربية والتونسية في جهد عربي مجتمعي ما وفر له عوامل النجاح.

تونس التي انطلق منها الربيع العربي ليجتاح بنسائمه الوطن العربي من المحيط إلى الخليج كانت محط الأنظار ليس في العالم العربي فقط والذي يتطلع إلى تونس مع الأمل أن تنجح انتخاباتها على طريق التحول السلمي وتحقيق الحلم العربي، بعد أن عملت عوامل محلية وعربية ودولية في إغراق الحراك السلمي في أكثر من بلد عربي إلى صراع دموي كاد أن يفقدنا الأمل في العودة إلى نهج الربيع العربي الأصلي بإصلاح شامل وتحول ديمقراطي سلمي.

وصلت تونس إلى محطة الانتخابات النيابية، وهي ثاني انتخابات تجريها بعد انتخابات المجلس التأسيسي برئاسة مصطفى بن جعفر في أواخر 2011 والذي شكل السلطة التشريعية وصاغ الدستور 2014، وانتخب رئيساً موقتاً (المنصف المرزوقي) وأعطى الثقة لحكومتين ائتلافيتين (ترويكا) برئاسة حمادي الجبالي ثم علي العريضي (حزب النهضة) وأخيراً حكومة التكنوقراط برئاسة (مهدي جمعة).

لقد مرت الثورة التونسية بتقلبات واضطراب العمل السياسي، وبناء النظام الجديد مترافقاً مع تشكل منظمات إرهابية، مازالت المعارك معها مستمرة في جبل الشعباني وكذلك بروز منظمات تكفيرية حيث مثلت تونس ساحة إمداد للمقاتلين التكفيريين إلى العراق وسورية وليبيا. وكانت المخاطر تحيق بالثورة سواء بانهيار الدولة أو تفجر الصراع فيما بين قوى الثورة أو حتى انقلاب عسكري.

هناك عدة عوامل أسهمت في خروج تونس من النفق وأهمها ثقافة الوسطية المتجذرة في تونس، بما في ذلك الحزب الأقوى «النهضة»، وقوى المجتمع المدني وقطاع الأعمال والتي أسهمت وساطته في وصول المفاوضات إلى بر الأمان والاتفاق فيما بين القوى السياسية إلى خارطة طريق تتضمن تشكيل حكومة تكنوقراط برئاسة المصرفي مهدي جمعة، وتشكيل هيئة وطنية عليا للانتخابات برئاسة توفيق صرصار من 9 شخصيات مستقلة أقرها المجلس التأسيسي وأنيطت بها صلاحيات واسعة بما في ذلك وضع القانون الانتخابي وجميع الإجراءات المتعلقة بالانتخابات واختيار الطاقم الإداري والفني، وتنفيذ خطة إجراء الانتخابات ذاتها بدعم من الجيش والأمن.

حال وصول الوفد إلى المطار، وجدنا أجواء من التفاؤل في أوساط التوانسة، وقد كانت الترتيبات أن يدعم وفد من مركز الكواكبي لوجستياً عملية المراقبة. وحتى يعرف القارئ حيثيات الانتخابات فمن المفيد ذكر ما يلي:

1 - تقوم الانتخابات على مبدأ أن الولاية هي الدائرة الانتخابية وعدد الولايات 24 لكن هناك 3 ولايات هي تونس العاصمة وناجل وصفاقس شكلت ولايتين لكل منها. ويضاف إلى ذلك التونسيون في الخارج حيث أعطوا دوائر، ولكل دائرة عدد من النواب يتناسب مع عدد ناخبيها وترتب على ذلك أن يكون نصيب تونس البلاد 199 نائباً وتونس المهجر والحقيقة أن ذلك إنصاف حيث إن الشعب التونسي شعب مهاجر، ومنحت المهاجر أن يكون له تمثيل في مؤسسات بلاده منها مجلس النواب، وبالفعل فقد أجريت انتخابات للتوانسة في 46 بلداً تمتد من أستراليا حتى أميركا اللاتينية وما بينهما.

ويعتمد النظام التونسي في تسجيل الناخبين على عدة وسائل منها الإنترنت أو الهواتف الذكية أو لدى مقر الهيئة العليا وفروعها الستة في تونس البلاد وتونس المهجر. ويتم تأكيد التسجيل على الخط أو برسالة (sms)، يشترط أن يكون الناخب المؤهل ممن بلغ 18 عاماً يوم الاقتراع وغير محكوم بقضية جناية شرف أو أمانة ما لم يرد إليه الاعتبار، وأن يكون مدنياً إذ لا يحق للمنتسبين للسلك العسكري والأمني والمخابراتي التصويت، وأن يكون مسجلاً في سجل الناخبين ويصوت في الدائرة التي ينتمي إليها وفي مركز الاقتراع الأقرب إلى سكنه.

2 - وعلى هذا الأساس إن كتلة الناخبين لانتخابات 2014 هي بعدد 7 ملايين ناخب، بينما بلغ من سجلوا أنفسهم في سجلات الناخبين 5.3 ملايين منهم 350 ألف مسجلون في الخارج أي بنسبة 76 في المئة من عدد الناخبين. أما من أدلوا بأصواتهم فعلياً ممن سجلوا منهم 60 في المئة، يشكل الشباب المسجلين 63 في المئة والنساء 50.5 في المئة، وهم يشكلون 40 في المئة من الكتلة الانتخابية أما من أدلوا بأصواتهم في حدود 45.6 في المئة من أصوات من يحق لهم الاقتراع.

ويعود ذلك إلى خطأين الأول سببه الهيئة العليا حيث كان يتوجب عليها اعتبار كل من سجل لانتخابات 2011 سجل لعام 2014 وتسقط منهم من انتفت أهليته، والثاني يعود للأحزاب التي لم تبذل جهداً في دفع الناخبين إلى التسجيل إضافة لعيوب فنية في التسجيل.

3 - بالنسبة للترشح، فقد نص القانون الانتخابي على حق أي حزب أو ائتلاف أحزاب أو مجموعة أفراد في تشكيل كتل برلمانية تتنافس فيما بينها ولكن ليس على مستوى الوطن بل على مستوى الدائرة الانتخابية، وهذا ما تسبب في تضخم إجمالي القوائم إلى ما يقارب 1327 قائمة تمثل ما يزيد على 120 حزباً إلى جانب المستقلين، وبمعدل 50 قائمة تقريباً في الدائرة الواحدة وتتوزع على 33 دائرة انتخابية 27 منها في تونس البلاد و6 في المهجر.

وبالطبع فإن ذلك يربك كثيراً الناخب العادي غير المنتمي لحزب معين وغير المسبق الاختيار، وتتوزع القوائم الـ1327 على 744 قائمة حزبية، 152 ائتلافية و344 مستقلة فيما يبلغ مجموع المترشحين 15662 مترشحاً.

4 - يشترط القانون أن يدلي الناخب بصوته في مقر المركز الانتخابي لإقامته كما هو محدد في البطاقة الوطنية، وضمن المركز الانتخابي يدلي بصوته في المكتب الانتخابي، حيث يوجد مركز انتخابي في كل مديرية، وعادة ما يكون في كل مركز انتخابي 4 أو ما يزيد من المكاتب الانتخابية حيث جرى استخدام المدارس وبعض المؤسسات الحكومية لعملية الاقتراع.

5 - أنيط بوزارة الدفاع نقل وحماية وتأمين لوجستي لمتطلبات الانتخاب من كشوف الناخبين وحبر سري، وكشوف المرشحين والإفادات، وحماية المقار الانتخابية إضافة إلى قوات الداخلية والأمن، في حين أنيط بالهيئة العليا للانتخابات تأمين الطاقم البشري من مشرفين ومدققين ومنظمين للعملية الانتخابية، وهم بالآلاف والتي تشمل الاقتراع والفرز وتجميع النتائج الفرعية وإعلانها في تونس البلاد والمهجر.

6 - يحظر القانون أي عملية دعاية للأحزاب والقوائم الانتخابية بإعلانات مدفوعة في جميع وسائط الإعلام وبدلاً من ذلك أمّنت الهيئة العليا أماكن في كل ناحية تلصق بها صور المترشحين، وسمحت بإقامة المهرجانات الانتخابية المرخصة وأتاحت لوسائط الإعلام تغطية الحملات الانتخابية لمرشحي الأحزاب والكتل بشرط أن تكون متوازنة وهو شبه مستحيل لما يزيد على 120 حزباً ومئات التكتلات الانتخابية.

7 - سمحت الهيئة العليا بل وشجعت مراقبة الانتخابات (ملاحظة بحسب التعبير التونسي) من قبل الهيئات الرسمية والمنظمات التونسية والدولية، بل إنه تشكلت في تونس جمعيات وشبكات مراقبة مثل الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات (عتيد) والتي نشرت 5000 مراقب، ومرصد شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية كائتلاف لعدد من الجمعيات إضافة إلى المنظمات الأهلية مثل اتحاد المحامين واتحاد الشغل والمعهد العربي لحقوق الإنسان والجمعيات الحقوقية واتحاد أصحاب الأعمال، وبالنسبة للمراقبين الخارجين منهم أيضاً بالمئات ومن ضمنهم معهد كارتر، والمعهد الوطني الأميركي والوقف الديمقراطي الأميركي، ومن المؤسسات الدولية اتحاد الفرانكفونية ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، والاتحاد الأوروبي، ومن العرب الشبكة العربية لديمقراطية الانتخابات وجامعة الدول العربية، بحيث يمكن القول إنها أكثر انتخابات عربية شفافية تحت أنظار وأبصار العالم.

8 - يقوم نظام التمثيل الانتخابي التشريعي على قاعدة أن تمثيل كل دائرة انتخابية بحسب عدد ناخبيها على أن لا يزيد تمثيل أي دائرة انتخابية على 10 مقاعد باستثناء تلك القليلة السكان بحيث يضاف مقعد إلى عدد ما تستحقه من مقاعد بحسب قاعدتها الانتخابية. كما يقوم على مبدأ التمثيل النسبي للقوائم بنسبة ما تحصل عليه من أصوات وتتمثل بمرشحيها بحسب تسلسلهم على قائمة الترشيح، وتذهب أصوات القوائم غير المتأهلة لتمثيل إلى تلك المتأهلة بحسب نسبة ما حصلت عليه من أصوات، وهو ما قد يضيف إلى بعض القوائم ممثلين عنها.

هذا النظام الانتخابي المعقد ترتبت عليه نتائج مفاجئة ومنها استئثار حزبين أساسيين وهما «نداء تونس» و «حزب النهضة» بغالبية الأصوات ومن ثم بغالبية النواب وبعيداً عنهما حصلت أربعة أحزاب على ما يتراوح بين 6.8 - 3.5 في المئة من أصوات الناخبين وتتشتت 24 في المئة من الأصوات فيما بين باقي الأحزاب والكتل ما لا يؤهل أيٍّ منها للتمثيل في البرلمان القادم. الأحزاب والكتل الخاسرة وإن قبلت بنتائج الانتخابات إلا أنها صبّت جام غضيها على الهيئة العليا، والخروقات والمال السياسي فما هي صورة الخارطة السياسية وتركيبة المجلس النيابي القادم، وما مدى تأثير ذلك على الانتخابات الرئاسية القادمة هذا ما نجيب عليه في الحلقة القادمة.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4438 - الجمعة 31 أكتوبر 2014م الموافق 07 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:32 ص

      تونس تقترع للتحول الديمقراطي السلمي

      المرة السابقة فاز بها أصوليون ، فمرحى بهم لأنه كان "بالتحول الديمقراطي السلمي " ، و هذه المرة فاز بها العلمانيون فمرحى بهم لأنه كان "بالتحول الديمقراطي السلمي ". لا يهم من يبقى أو من يحقق مكاسب لتونس، بل الأهم هو أن يكون القرار للأمة. فهذا هو التحول الديمقراطي السلمي !

اقرأ ايضاً