العدد 4440 - الأحد 02 نوفمبر 2014م الموافق 09 محرم 1436هـ

السلمان: الحسينيات في البحرين مؤسسات اجتماعية تتجاوز حدود الرثاء

احتضنت هيئة الاتحاد الوطني... وتمارس اليوم أدواراً ثقافية متعددة

يعرف عن الحسينيات في البحرين قدرتها وأهليتها لاحتضان المناسبات الاجتماعية بما في ذلك الأفراح والأتراح
يعرف عن الحسينيات في البحرين قدرتها وأهليتها لاحتضان المناسبات الاجتماعية بما في ذلك الأفراح والأتراح

قال الباحث التاريخي محمد السلمان: «علينا في البداية أن نحدد المصطلح أو المسمى الأنسب لهذه المؤسسات، والتي أراها تكمن في مفردة الحسينيات بدلاً من المآتم بما يتناسب مع دورها الواسع»، مبيناً أن معنى المأتم يكاد ينحصر في إقامة العزاء، أما الحسينيات، فإن الغرض منها يتجاوز حدود استدرار الدمعة، ويطال أغراضاً وأدواراً إصلاحية متعددة.

ويضيف «البحرينيون هم من أطلقوا على هذه المؤسسات مصطلح المآتم، والتي هي في الأساس حسينيات، نظراً لما تقوم به من فعاليات اجتماعية ووطنية وأخلاقية، والأساس في كل ذلك هو العزاء على الإمام الحسين (ع)».

وطنياً، يعتقد السلمان أن للحسينيات دورا مميزا طوال تاريخها وخصوصاً في القرن العشرين، «حيث كانت مقراً يحتضن اجتماعات هيئة الاتحاد الوطني التي كانت تنشد الإصلاح في البحرين، ولاختيار المأتم دلالة تعود لقدرته على اجتذاب الحشود الجماهيرية، وتوفير المكان المؤهل لاحتضانها».

في صدارة ذلك، تتجلى أدوار كل من حسينية بن خميس ومأتم مدن، تحديداً في عقد الخمسينيات من القرن العشرين، يوضح السلمان «حسينية بن خميس هي أول من احتضن هذا الحراك الوطني، والتاريخ يشهد على أنها كانت مقراً لاجتماع المئة شخصية التي اجتمعت لتأسيس هيئة الاتحاد الوطني وأقسمت على القرآن الكريم، الذي لاتزال نسخته محفوظة في الحسينية».

ويضيف «أما المأتم الثاني، ممثلاً في مأتم مدن في المنامة، فقد احتضن تبعات هذا الحراك، بما في ذلك الاجتماعات التي كانت تقسم بين السنابس والمنامة». على إثر ذلك، يؤكد السلمان الدور الفاعل للحسينيات في دعم الحراك الوطني في البحرين، والتي قد لا تكون محركاً أو داعياً له، لكنها كانت الحضن الذي منح الحراك عمقاً شعبياً كبيراً، كما ساهمت في تعزيز الوعي الذي لم يفرق بين رجل دين وشخصية أكاديمية بتوجهات علمانية، حيث كانت الاجتماعات تتنقل بين المأتم أو المسجد أو الساحات دون فرق في كل ذلك.

تراجع الدور الوطني

لصالح الأدوار الاجتماعية

يعرف عن الحسينيات في البحرين، قدرتها واهليتها لاحتضان المناسبات الاجتماعية بما في ذلك الأفراح والأتراح، إلى جانب تقديم الدروس القرآنية والمحاضرات.

أما واقعها اليوم، فهو وكما يشخصه السلمان، يتمثل في تراجع الدور الوطني لها، وتقدم الأدوار الدينية والاجتماعية عوضاً عن ذلك، مفسراً ذلك بالإشارة إلى ما أسماه «منافسة المواقع والمؤسسات الأخرى للحسينيات».

ويوضح «بسبب التطورات المتلاحقة، لم تعد المؤسسة الحسينية مكاناً وحيداً لدعم الحراك العام، وذلك في ظل وجود جمعيات وأندية ومؤسسات عديدة يمكن للفرد الانطلاق منها لطرح مطالباته بالإصلاح، ونتيجة لذلك فقد تموضعت الحسينيات وباتت تمارس أدواراً يغلب عليها الطابع الاجتماعي والثقافي».

ويستشهد على ذلك بمأتم بن خلف، الذي أوجد له مكتبة ثقافية، تحتضن المحاضرات المتنوعة، وتعير الكتب لمرتاديها، مطالباً في هذا الإطار بتعميم التجربة وألا تبقى حبيسة الفردية، تماماً كما هو الحال مع المرسم الحسيني، الذي بات كفكرة مطبقة في أكثر من حسينية.

أدوار متعددة الأبعاد

في السياق ذاته، كان لتأكيد عدد من الأطباء على دور الحسينيات في تعزيز الوعي الصحي، تبيان للأدوار المتعددة التي يمكن لهذه المؤسسات ممارستها، لتشمل جوانب الثقافة، التعليم، والصحة.

البداية كانت مع الطبيب محمد العصفور، الذي تحدث عن الدور الكبير للحسينية في تعزيز الوعي الصحي لدى البحرينيين، مرجعاً ذلك لمشاركة الجميع في مجالسها وبصورة مكثفة ومتكررة، ومطالباً في الوقت ذاته بدور أكبر للحسينيات في هذا الشأن.

ورغم تنويهه بمبادرة عدد من الحسينيات للقيام بأنشطة توعوية وتثقيفية عن طريق المحاضرات الصحية، إلا أنه ركز على أهمية اضطلاع هذه المؤسسات بدور يتعدى الدور التقليدي المتعارف عليه، فالمطلوب بحسب العصفور هو «الانتقال إلى ما هو أكبر من ذلك، وصولاً لإرساء المثال الحي والتطبيق العملي للمفاهيم والثقافة الصحية».

بدورها، قالت الطبيبة إيناس آل رحمة: «إن الحسينيات تجتذب الجموع الغفيرة من البحرينيين، ورغم ذلك فإن دورها في تعزيز الوعي الصحي ضئيل ويكاد يكون منعدما»، مبينةً أن الفرصة مؤاتية لتوظيف هذه المؤسسات باتجاه نشر المفاهيم والسلوكيات الصحية التي تصب في تعزيز الصحة للبحرينيين.

كما يمكن للحسينيات، بحسب رحمة، تنظيم حلقات توعية أو حلقات لتغيير سلوكيات عملية من الناحية الصحية، تكون بشكل مستمر، بالاتفاق مع بعض الأطباء أو أخصائي تغذية أو ما شابه لتعزيز الصحة، بما يضمن الوصول لأكبر شريحة من الناس.

مأتم الطويلة...

واحتضان «عاشوراء نرتقي»

من بين 874 مأتماً في البحرين، للرجال والنساء، يبرز دور مأتم الطويلة بقرية بوري مع حملة «عاشوراء نرتقي» والتي احتضن المأتم نسختها الخامسة قبل أيام.

تعليقاً على ذلك، يقول عضو مجلس إدارة المأتم، أحمد سلمان: «بالنسبة لنا فإننا ننظر للحسينية أو المأتم، بوصفه مؤسسة منفتحة على المجالات كافة، ومن خلالها يمكن المساهمة في مجالات العمل الخيري وإقامة فعاليات متعددة مع مراعاة ضوابط الشرع في هذا الجانب»، مشيراً إلى أن احتضان مأتم الطويلة لتدشين حملة «عاشوراء نرتقي5» يأتي في هذا السياق.

وذكر أن موسم عاشوراء، يمثل فرصة لعقد شراكة بين الجانب الأهلي ممثلاً في المآتم والحسينيات، وبين الجانب الرسمي ممثلاً في الوزارات والهيئات الحكومية.

وفيما يتعلق بطبيعة الدور الذي يقوم به المأتم، قال: «تمكنا من تشكيل وبناء كوادر شبابية، تتولى تنفيذ حملات النظافة التي تطال بفوائدها المواطن والوطن وانطلاقاً مما يحث عليه ديننا الحنيف، وقد شاركنا في الحملة لمدة 5 أعوام، واستدعينا من جمعية التوعية الإسلامية لاستعراض تجربتنا أمام حشد من ممثلي المؤسسات».

وبيّن أن للحملة فوائد متعددة، بما في ذلك التوفير والترشيد، إضافة إلى التدوير ونظافة المكان، وكل ذلك يعكس حضارة البلد، والمسئولية الملقاة على المآتم في إطار شراكتها مع بقية الجهات في الدفع بأية مشروعات من هذا النوع. وتابع «ليس هذا فحسب، فإلى جانب ذلك، قمنا بعد الحصول على مباركة العلماء، ببناء صالة كبيرة في المأتم مخصصة لدار القرآن الكريم، وهي تعمل منذ 3 أعوام وخرجت حتى الآن أكثر من 200 طالب، وهي أداة ووسيلة لحفظ أطفالنا من الضياع والفراغ».

يشار إلى أن البحرين تمتلك على الصعيد الأهلي والمدني رصيداً بالغ القيمة والأثر، تعززه المؤسسات الأهلية متعددة الأدوار، والتي تجاوزت أعدادها الـ500 مؤسسة، بما في ذلك الحسينيات التي تمارس أدواراً اجتماعية تتجاوز حدود الصورة النمطية والرثائية.

يتصدر ذلك، ما قام به كل من حسينية الحاج أحمد بن خميس في السنابس، ومأتم مدن في المنامة، خلال خمسينيات القرن المنصرم، متمثلاً في الدور الوطني البارز عبر احتضان اجتماعات هيئة الاتحاد الوطني ودعم الحركة الوطنية آنذاك.

العدد 4440 - الأحد 02 نوفمبر 2014م الموافق 09 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:58 ص

      هذا رأيك

      هذا رأيك و انت حر فيه و لكنه ليس بالضرورة ان يكون الحقيقة

    • زائر 1 | 10:34 م

      غريب الرياض

      الماتم تعطي فكر و تطرح اجيال بناءة و ثورية ضد الظلم. لذلك تتم محاربتها الان

اقرأ ايضاً