العدد 4448 - الإثنين 10 نوفمبر 2014م الموافق 17 محرم 1436هـ

العمّاري: العقل الشعبي نسب طَرَفَة إلى البحرين... ومولده في نجْد

استبعدَ وردَّ الروايات... وحدَّد مَوْطِنين له...

ردّ الباحث والأستاذ الجامعي السعودي، فضل عمّار العمّاري، في بحث نشره في مجلة «الواحة» السعودية التي تصدر في نيقوسيا، في عددها الرابع والخمسين - صيف العام 2009، تحت عنوان «شاعران ليسا من البحرين قديمه وحديثه... طرفة بن العبد والحارث بن حلّزة»، جميع الروايات المتعددة والمتفقة على أن طرفة بن العبد، هو من مواليد البحرين، سواء هجر البحرين، وهي عاصمة المنطقة التاريخية التي كانت تقع في شرق شبه الجزيرة العربية، وامتدت من البصرة شمالاً إلى عُمان جنوباً على طول ساحل الخليج العربي، وشملت الكويت، والأحساء والقطيف وقطر والإمارات وجزءاً من عُمان بالإضافة إلى جزر أوال (مملكة البحرين حالياً)، أو إلى الأخيرة أساساً، وإنما إلى نجد، وتحديده موطنَين له. وفي ثنايا استعراض الورقة سنقف على استشهادات يوردها ويضعّفها، من دون أن يخوض في تفاصيلها، باستثناء اعتماده على مواضع وأمكنة يلتقطها من بعض قصائد طرَفة ويبني عليها مكان مولده، ويرى في قصائد أخرى بأنها «منحولة»، فيما يرفض مواضع ترد في قصائد أخرى، ولا يقيم لها وزناً أو اعتباراً؛ وخصوصاً معلّقته:

لخولة أطلال ببرقة ثهمد

تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد

وقوفاً بها صحبي عليَّ مطيّهم

يقولون لا تهلك أسى وتجلَّدِ

كأن حدوج المالكية غدوة

خلايا سفين بالنواصف من دَدِ

عدَوْلِيَّة أو من سفين ابن يامنٍ

يجور بها الملّاح طوراً ويهتدي

والتي سنقف عندها في ثنايا الاستعراض.

حزْمة إشكالات

ثمة حزمة من الإشكالات بالنسبة إلى المعاصرين ممن يتصدّون لاستقراء الحوادث والشخصيات التاريخية، وخصوصاً التي تفصل بينهم وبينها قرون، هو الاشتغال على المقارنات والاستقراء؛ سواء عبر ما سبق من نصوص ووثائق وتأكيدها والبناء عليها، أو ردّها بما يستجدّ من الوقوف على شواهد ربما لم يلتفت إليها السابقون أثناء المقارنات والاستقراء، اللذين لا يخلوان من مطبّات؛ وخصوصاً إذا تمّت تجزئتهما، أو توظيفهما في سياقات غير بريئة أحياناً، يبدو معها ذلك الاشتغال لا علاقة له بالبحث، ولا علاقة له بالمناهج التي من المفترض أن تكون حاضرة وهي الفيصل في إثبات حقيقة أو نفيها. الأخذ بها أو ردّها.

بعض الذين يتصدّون للمادة التاريخية، من حيث تحقيقها، نفياً أو إثباتاً، يطمئن إلى ورود مواضع في نصوص يجعل منها حسماً وعلى النقيض مما استقر عند من سبقوه، وقد يضرب بالمصادر الأخرى عرض الحائط. بعض يلتزم الانحياز أو الاطمئنان إلى المصادر التي تتوافر من البيئة نفسها؛ أو القريبة منها. ذلك الاطمئنان لا يضمن الوقوف على حقيقة. لا بأس إذا كان الأمر في حدود الترجيح ضمن عملية الاستقراء تلك. قليل من يحقق ذلك.

والعمَّاري من الأسماء التي لها وزن وقيمة واحترام لا يمكن التغاضي عنه، ولا أظن أنه خرج على القرّاء بتلك الورقة بحثاً عن إثارة. الباحث الجاد كثيراً ما يكون بعيداً عن ذلك السلوك، وأحسب العمّاري من بين أولئك؛ لكن ذلك لا يمنع من أن نقف على ما ورد في ورقته من جهة، من حيث مصادرها واستدلالاتها.

المقدمة في مطلعها ترمي إلى إزالة خلْط ولبس يكتنف عملية التصدّي للمادة التاريخية تقليباً وتحقيقاً، إثباتاً ونفياً، ولا تمسّ بالضرورة المنهج الذي اتبعه أستاذنا العمَّاري. فقد تضيء بعض حالات لا يخلو منها هذا الحقل.

العقل الشعبي

يبدأ العمَّاري ورقته بما أسماه «العقل الشعبي»، ذلك الذي ربط بين «الساية»، وتعني الصخرة الكبيرة، وبين زيارة «خاطفة للنبي صلى الله عليه وسلم وإبريقه وعصاه»، ويعرج على «قبر النبي صالح، وحوله مغارة، وهكذا عرفها الشعب، إلا أن العقل (الشعبي) تدخّل ليجعله (النبيه صالح) لأن صالحاً لم يوجد هناك...». من حيث القاعدة لا يمكن رفض ما سبق؛ شريطة أن يتم تعزيزه بالشاهد من دون ترك الكلام مرسلاً اتكاءً على مقولة حقيقة «العقل الشعبي».

لن يكون العقل الشعبي ذاك بمنأى عن استشهادات يوردها العمّاري في ثنايا ورقته، وضمن السياق نفسه (باجتراحات العقل الشعبي وقدرته على التوليد والتخيل، وصولاً إلى القناعة، ليمتد ذلك مروراً مع الوقت إلى تسلله إلى التاريخ المكتوب، التقاطاً من باحثين هنا وهناك) يرى العمّاري بأنه «لا بأس أن ننسب، نحن طرفة بن العبد إلى البحرين، وكذلك الحارث بن حلّزة، أما الشعب (لا أدري ما الذي أدخل الشعب هنا في مسألة درايته إذا تم فصلها عن التأريخ والتوثيق والتدوين، وخصوصاً إذا تعدّدت المصادر وشبه اتفاقها على حقيقة من الحقائق، والكلام الآتي يتناول طرفة بن العبد) فلم يعرف (الشعب) قط أنهما من البحرين (أوال) أبداً، بل ربما عرف صلتهما بالبحرين المنطقة (هجر) بخاصة، ولهذا لم يوجد لأي منهما قبر بها، ونحن الذين ننسب الشاعرين، نعلم، حق العلم، أنهما وفق ما نقرأه في القصص والأخبار أن وجهتهما هي العراق، وبدا لنا أن طرفة شاعر البحرين (أوال)».

يمكن استخلاص أكثر من إرباك أو مفاجأة يضعها العماري أمام القارئ، مما سيأتي فيما بعد.

تعدّد المصادر التي تورد أصل طرفة بن العبد البحريني لا تجد لدى العمَّاري - كما يبدو - ما يكفي لإقرارها، حتى وهو يمر عليها بشكل سريع لا يناقشها، هي تحضر فقط للاستشهاد بها وتبدو في السياق واهنة لا تستحق الوقوف عندها، من بين أولئك المؤرخ محمد أرشيد العقيلي، في كتابه «الخليج العربي في العصور الإسلامية»، وفي الصفحة 38 حين يقول «إننا نجد طرفة بن العبد شاعر (أوال)، البحرين الحديثة بلا منازع».

يقف العمَّاري في النصوص التي يستشهد بها عند المواضع، ويجعل منها مكاناً لطفولة طرفة، بعيداً عن هجر وأوال. هو هنا يعتمد بعضها، ويقصي بعضها الآخر ويقرر أن بعض القصائد «منحولة».

البحرين لم تعرف شاعراً قديماً!

لا يترك العمَّاري القارئ يلتقط أنفاسه، يقوم بعملية ضخ للمفاجآت، ويسبق ذلك بالقول «إن لنا شأناً آخر إذا كنا نتعامل مع الموروث الشعبي، أما إذا كنا نتعامل مع الواقع، فالواقع لا يقبل هذا إطلاقاً، فالبحرين (أوال) لم تعرف شاعراً قديماً، فتاريخها الأدبي يعد حديثاً...».

يرى العمَّاري أن طرفة بن العبد لم يأتِ إلى البحرين (أوال)، فلم يكن للمناذرة سلطة عليها، والرواية تزعم أنه قدم من الحيرة بالعراق يحمل خطاباً لتنفيذ القصاص به في (هجر) الأحساء «وهذا مرفوض من الناحية المنطقية، إذ لماذا لم يعدم في الحيرة نفسها...».

والمحصلة: «تلك حكاية - صحت أم لم تصح - لا قيمة لها في نسبة طرفة حتى إلى هجر أو شرق الجزيرة العربية عامة».

مولده في نجد... وسطه وجنوبه

بعد الرد على محمد العقيلي، يولّي العمَّاري وجهه شطر مؤرخين لهما وزنهما في شبه الجزيرة العربية، وتحديداً المملكة العربية السعودية، وهما محمد عبدالله بليهد، وعلامة الجزيرة حمد الجاسر، اللذين أشارا إلى أن طرفة «ولد في شمال الجزيرة في بلاد ربيعة، وهي من العراق إلى خيبر، وأكثر إقامته فيها، وقد كثر التجوال في بقاع نجد»، الأول في كتابه «صحيح الأخبار»، والثاني «المنطقة الشرقية» في جزئه الثالث، ليقرر العمّاري «أما موطن طرفة الحقيقي، فهو في نجد، وسطه وجنوبه الشرقي وجنوبه الغربي، وتنقلاته في شمال غربي حفر الباطن، بعيداً عن الساحل لا يقربه، حتى أنه لم يذكر قط موضعاً من المواضع في تلك الجهات».

سيأتي العمّاري في ورقته على الاستشهاد بمواضع وردت في بعض قصائد طرفة، ولا يرى غضاضة في أن يستشهد من خلالها على مكان مولده، من دون أن ننسى - كما أشرنا آنفاً - عدم وقوفه على معلّقته التي أوردنا الأبيات الأربعة الأولى منها.

في تقليب الروايات استناداً إلى الشعر، والقبض على ما يعتبرها حقيقة وفصلاً في مكان مولده، يستشهد بأبيات طرفة:

أتعرف رسم الدار قفر منازله

كجفن اليماني زخرف الوشْي ماثله

بتثليث أو نجران أو حيث يلتقي

من النجد قيعان جاشٍ مسايله

«وكل هذه المواضع المذكورة - مواضع طفولة طرفة وصباه - في جنوب شرق نجد».

وبالعودة إلى بيت الشعر الرابع من مطلع قصيدة:

عدَوْلِيَّة أو من سفين ابن يامنٍ

يجور بها الملّاح طوراً ويهتدي

وتحديداً «عدَوْلِيَّة»، نسبة إلى قرية عَدَوْلى، وهي قرية بحرينية. يورد ذلك العالم واللغوي أبوالحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى المعروف بالأعلم الشنْتَمَري، المولود سنة 410 هـ (1020م)، وسمي الشنْتَمَري، نسبة إلى «شنت مرية، «سانتا ماريا»، إحدى مدن الأندلس، وشرحه لديوان طرفة، بحسب المحققَين لطفي الصقال ودرية الخطيب يعتبر «بحق كنزاً من كنوز التراث العربي»، لكن العماري يذهب إلى موطنَين لطرفة! الأول في وسط نجد، استشهاداً بـ:

لخولة أطلال ببرقة ثهمد

«ولا جدال في أن ثهمد هذه في وسط نجد، وقول طرفة: لهند بحزّان الشُّرَيف طلولُ

تلوح، وأدنى عهدهن مُحيل

و «الأشراف»، إما جمع الشُّرَيف و «الشرف» وكلاهما هناك، وإما جمع «الشريف وحده هناك أيضاً».

والموطن الثاني في جنوب غرب نجد لقوله:

لخولة بالأجزاع من إضَم طللْ

وبالسفح من قوٍّ مقام ومحتملْ

و «إضَم»: ينحدر من مهد الذهب، و «قو» في الطرف الغربي من العالية، عالية نجد، ثم يرد الحجّة على العدولية التي سبق ذكرها، في بيته، ويوردها هنا بضم الدال بينما هي في شرح الشنْتَمَري «عدَوْلِيَّة»:

عَدُوليَّةٌ أو من سفين ابن يامن

يجوز بها الملاح طوراً ويغتدي

فهي عنده هنا «صورة شعرية متوارثة ذكرها كثيّر، وهو كذلك ليس من أهل البحرين بقوله:

كأن عَدَوْليّاً زهاء حملها

غدت ترتمي الدهنا بها والدكادك

لم يقل أحد أن كثيّر من أهل البحرين بإيراده عَدَولى أم لم يوردها، ولا اختلاف أنه ليس من أهلها، الأمر الذي لم يختلف فيه باحثون ومؤرخون على أنه من مواليد البحرين ومات بها، سواء البحرين الإقليم بعاصمته هجر، أو «أوال» اسم البحرين في تلك الفترة الزمنية. ويجوز للعمّاري أن يقف على موطنين لطرفة كما ذكر سابقاً، بالتقاطه لأسماء المواضع، ولا يجوّز ذلك الالتقاط فيما يتعلق بعَدَوْلى، إذا تناسينا «المالكية» التي وردت في المعلقة نفسها، وهي مثواه.

مثل هذه الإضاءة، تتيح للباحثين والمؤرخين هنا الوقوف على ما جاء في ورقة الأكاديمي والباحث فضل العمّاري، لمزيد من التحقيق والمراجعة.

يذكر أن فضل عمّار العمّاري، من مواليد الدمام، وهو يحمل رتبة أستاذ في قسم اللغة العربية بكلية الآداب - جامعة الملك سعود.

تحصّل على بكالوريوس اللغة العربية - كلية الآداب - جامعة الملك سعود، 1992م، ودكتوراه - لغة عربية، جامعة أدنبرة بريطانيا.

خريطة قديمة بتاريخ 1745 م ويرى فيها إقليم البحرين
خريطة قديمة بتاريخ 1745 م ويرى فيها إقليم البحرين

العدد 4448 - الإثنين 10 نوفمبر 2014م الموافق 17 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 11:38 م

      توضيح

      في سطر باول بيت قصيد
      يذكر المالكيه و دد
      يعني فيها صدد
      وبالبحرين كجزيرة كانت كبيرة ايضا ولكن بسبب العوامل الجغرافيه غطت المياه على اجزاء كبيرة من الجزيرة وكانت
      الباديه باالبحرين ايضا كبيرة تتوافد فيها قبائل كثيرة سكنتها

    • زائر 4 زائر 3 | 2:51 ص

      أوال الجزير

      أوال الجزيرة كانت أصغر مما عليه اليوم، وتوسعت بسبب الدفان، ربما تقصد أن مسمى البحرين كان يُطلق على منطقةٍ أوسع بكثير من أوال الجزيرة، وهي تلك الممتدة من جنوب البصرة شاملة الكويت والشرقية وقطر والإمارات.

    • زائر 2 | 10:37 م

      عبد علي البصري عميت عين لم تراك ((يالمالجيه ))

      من المبكي المضحك , أن نرى قصيده من افضل قصائد العرب معلقه على استار الكعبه أفضل واقدس مكان للعرب في الجاهليه , تضرب بعرض الحائط ؟؟؟!! وأغرب من ذلك أن نرى اناس يشكون في كون قريه المالكيه في البحرين بسواحلها الجميله وجمال اهلها , وأصاله ساكنيها لكون الكثير منهم من سلاله الهاشميين . هي ليست بتلك التي يعنيها الشاعر ؟؟ ههههه يعني في مالكيه في الدنيا لها سواحل ؟؟ .

    • زائر 1 | 9:54 م

      كلام مردود عليه ولا يتصل بالواقع

      الرجل موهوم .. فمعلقة طرفة توضح بما لا يدعوا للشك أن مسقط في قرية المالكية ..

اقرأ ايضاً