العدد 4449 - الثلثاء 11 نوفمبر 2014م الموافق 18 محرم 1436هـ

العوام... والنظام

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

يسمع الكثير من الناس رواية ما، فيعيد نقل فحواها بالقبول والترديد، دون التيقن من صحتها ودقتها، أو يردد صداها بالإستنكار دون السند، وكلا الطرفين هما شهود نقل بالكراهية للغير أو الجهل بهم، لا شهوداً بالرؤية واليقين. وهكذا تسري خطيئة الكذبة الأولى سريان النار في الهشيم، وقودها الجهل، والأماني الكارهة والحاقدة على الآخر، وخصوصاً عندما تلتقي هذه المعلومة، بأهواء ومشاعر ومرامات مستقبِلِها العميقة، وليس ما يتظاهر به من مجاملات وترضيات اللحظة، لمختلفٍ في الفكر والعقيدة أو الدين، سواء كان ذلك في الاتجاه الإيجابي بالقبول، أو الاتجاه السلبي بالإستنكار.

في الفكر والحق الإنساني المدني الحديث، الجامع ما بين البشر، في مبدأ المواطنة المتساوية، وفي مبدأ الإخوة الإنسانية، الذي لا يجعل لأي فرد أو جماعة، أي تفضيل على فرد آخر أو جماعة أخرى، فالكل يعيش بما يؤمن به، من أفكار ودين أو عقيدة، دون التعدّي على الآخر، في عيشه، وفي فكره ودينه ومعتقده المختلف، فلكلٍّ أن يمارس ما له من فكر وعقيدة، دون النظر بالحسد أو الضغينة أو الكراهية للآخر، بل حين ممارسة فكره ودينه وعقيدته، ينظر إلى ربه، ليجازيه جنته، وينظر لأصحابه فيأنس لهم وبهم في الدنيا والآخرة، وينظر للآخر المختلف، علّه حين يريه القدوة بعمله، أن يراه الآخر بفكره ودينه وعقيدته، صالحاً فينتهجه، أو يستمع قوله فيتبع أحسنه، وإن لم يره كذلك، فكفى بكلٍ أن يمنع عن الآخر أذاه، فالمواطن أو الإنسان العاقل، يعامل الناس بمثل ما يريدهم أن يعاملوه به.

والعجب من متطرفي الإسلاميين في الوطن، أنهم يتصارعون في الدنيا، للفوز بجنة الآخرة، ليس تنافساً للهداية بالنصيحة والعمل الصالح، بل بتحويل الدين من الممارسة المرتبطة بالعبادة وبالحق والأخلاق، التي هي صرح بنائه، إلى المماحكات السياسية على الخلفية المذهبية، التي تشقّ الصف في الوطن الواحد، وتجعل منه فرقاً متحاربة.

وقد رأينا في بعضهم، أنهم على غير ارتباط، أولي أساسي، بالوطن، بل ثانوياً تالياً لانتمائهم المذهبي، وقطعاً هم في قطيعة مع أصحاب المذاهب والفرق الإسلامية الأخرى، وأبعد بالكثير عن باقي أهل الديانات المختلفة، سواء سماوية كما يحاكمونها أو غيرها، ما لم يكونوا إزاءهم مستضعفين، فواضحٌ من أحداث الأزمة السياسية والدستورية في البحرين، أن المتطرفين الإسلاميين حوّلوها إلى قطيعة طائفية، ما بين السنة والشيعة، استجابةً لأول خبر أشاعته الجهات المعنية، وهي محسوبة على الطائفة السنية مذهبياً، وفي ذات الحين، إلا أنها منفصلة عنها وعن الآخرين حقوقياً وسياسياً، فقد أشاعت بأن المطالبين بالحقوق الدستورية والسياسية والإنسانية، وبالمساواة مع الآخرين من المواطنين، دون التعرض لأيٍّ منهم، كما راهنت على ذلك السلطات، بما سعت لاحقاً بعض الأطراف الرسمية والأفراد، لتدبير التعديات الطائفية على المتظاهرين، عل الأمر يخرج إلى مستوى، يبرر التدخلات الإجرائية الرسمية العنيفة، وقد قوبلت تلك المحاولات بضبط النفس من قبل المتظاهرين، فقد أشاعت من خلال قنواتها الإعلامية والصحافية الرسمية وشبه الرسمية، أن المتظاهرين هم من أتباع ولاية الفقيه، والفقيه هو آية الله في إيران، وإيران مجوس رافضة، يسبون الخلفاء الراشدين، وقس على ذلك كيف تتفرع الكذبة إلى آلاف الكذبات، بما في ذلك تصريحات مسئولين عن تخزين السلاح في الدوّار وفي مستشفى السلمانية.

فجميع ما أشيع على المستوى الرسمي، والذي دحضته لجنة تقصي الحقائق البحرينية، أغفل مصلحة الوطن والمواطنين، عبر التشتيت والفرقة، وبالمقابل إبراز الارتباط الوجداني الطائفي المخبوء، الذي هو الأول والأساسي لدى الإسلاميين السياسيين، ليدقوا طبول الحرب الطائفية، في استنهاضٍ لتابعيهم من العامة، المضلّلين بنجاة أهل مذهبهم من النار، ولا غرو في ذلك، مادامت نخبهم دون عامتهم، أصحاب حظوة عند أصحاب السطوة والنفوذ الدنيوي، بما يحفظ لهم التمييز الذين هم في نعيمه، مقابل الفاقة والعوز لعامة المواطنين من الطائفتين.

فأول أفعال الدينيين من زعامات أهل الفاتح، تجاه الآخرين، الذين مدوا لهم أكف المصافحة، للبحث في سبل حل الأزمة الدستورية والسياسية، من أجل التوافق الشعبي بصورة الإجماع، التي تضمن لجميع المواطنين سنةً وشيعة، بناء دولة العدالة والمساواة في المملكة الدستورية الديمقراطية، التي يحكمها دستور متوافق عليه، يشرّع لمؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، التي مصدرها شعب البحرين تساوياً، وهو الذي يراقبها ويحاسبها ويجري عليها ما نص عليه الدستور، إلا أن جماعات الفاتح، أعلنت وبترضية رسمية، في إيثار الحكومة إياهم في المناصب والمكاسب، ما شقّ المجتمع الى طائفتيه مذهبياً، وسياسياً إلى المعارضة والموالاة للحكومة، عبر تخوينهم للآخر، الذي امتد إضافةً للطائفة الأخرى، إلى المختلف السياسي داخل طائفتهم.

وقد وجدنا أن السلطات، لم تؤدِ واجبها تجاه الوطن والمواطنين، بردع المتطاول قولاً وفعلاً، عبر تطبيق القانون دون تمييز ما بين طائفة وأخرى، أو بين موالٍ لها أو معارض، وقد أفلتت كثرة من الجناة من العقاب، وخصوصاً المحسوبين على بعض الجهات، لما وصل الحال إلى التطاول على حقوق المواطنين الإنسانية، بما تكرر في القتل تحت التعذيب، للموقوفين والمسجونين من السياسيين والجنائيين.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 4449 - الثلثاء 11 نوفمبر 2014م الموافق 18 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 11:33 م

      هل تتفق معي

      هل تتفق معي في اننا في البحرين نعيش في مجتمع متعدد الأديان و الخلفيات القبلية و المناطقية؟ الحل الوحيد لمجتمع مثل هذا هو العلمانية و منع و إغلاق جميع الجمعيات السياسية الطائفية و منع رجال الكهنوت من التدخل في الشأن العام

    • زائر 2 | 10:41 م

      كذبة اكتشفوها متأخرا

      آه لو مد القائمون على الفاتح يدهم للمعارضة للأتفاق على مصلحة البحرين لما وصلنا لما وصلنا إليه الآن ، ولكن رغبة الكثير من قيادات الفاتح في الحصول على الغنائم والمناصب وإقصاء الآخر رغبتهم هذه كانت الطريق لشق المجتمع البحريني وانتشار الفكر الطائفي والذي وصل إلى أقصى مراحله ، وما نشاهده من مقاطع فيديو مؤخرا يبين خطأ قيادات الفاتح وعدم وجود بعد نظر لهم في الشأن السياسي. مصالحهم فوق كل اعتبار وادعاء الوطنية وأنهم يمثلون كل شعب البحرين اكتشفوا أنها خرافة وكذبة صدقها الكثير من قياداتهم وقاعدتهم.

    • زائر 1 | 9:55 م

      قلت الحقيقة لتي لايجرأ احد على ذكرها

      بسطت وأوضحت المواقف جميعها وقلت الحقيقة التي يهابها الكثيرين وضحت مواقف المارد وتوابعه وأقول رحم الله والديك ولازلنا نتنفس سنواصل الطريق حتى إحقاق حقوقنا حقوق المواطنة الحقة فلن نتراجع أبدا

اقرأ ايضاً