العدد 4451 - الخميس 13 نوفمبر 2014م الموافق 20 محرم 1436هـ

كشكول مشاركات ورسائل القراء

قلعة الصمود زينب بنت علي (ع)

هي واحدة من النساء البطلات الخالدات اللاتي وضعن بصماتهن على وجه التاريخ ولمع صيتهن، وهي زينب بنت أمير المؤمنين وأمها فاطمة الزهراء بنت الرسول الأعظم (ص)، مهما كتبنا وتطرقنا في هذه العجالة لذكر ديباجة قصيرة لن يتسنى لنا إكمالها وإتمام سيرتها، ويبقى القلم حائراً والأفكار تتشتت ولا نستطيع إحصاء القليل من مناقبها البطولية الشجية، هذه المرأة الخالدة شاهدت انتقال الهرم الأكبر ورافع قواعد الإسلام وهو جدها رسول الله (ص) وهي بنت الخامسة ربيعاً، وعايشت أيضاً انتقال أمها سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع) وما حلّ عليها من أرزاء غليظة، وعايشت أيضاً انتقال الهرم الثاني أسد الله الغالب وحامي حمى الإسلام وحامل لواء رسول الله (ص) أبيها الإمام علي (ع) وافتجعت في رحيله بعد ثلاثة أيام عاشتها معه لشدّ طبرته المميتة ومعاينتها، وبعد ذلك عاينت استشهاد سبط الرسول المصطفى (ص) أخيها الحسن المجتبى وهو يحتضر ويتجرع الموت غصة بغصة بعد تجرعه السم القاتل، والرزء الأعظم والمصيبة الكبرى وهي حضورها مجزرة كربلاء ومشاهدة تلك الثلة المؤمنة من أهل بيتها المتمسكة بنهج سيدهم أخيها الإمام الحسين (ع)، والمصيبة الكبرى التي هدّت أركانها وهي مشاهدة قطع رأس أخيها ورفعه على رأس الرمح.

وتحملها مشقة الأسر على نياق عجاف وعيناها تدور حول الأطفال واليتامى والنسوة اللاتي يحطنها، وتارة أخرى تعين وتساعد ابن أخيها الإمام زين العابدين وهو عليل ومكبل بالجامعة والأصفاد، والأعظم من ذلك دخولها قصر يزيد ومثولها أمامه وتحملت المهانة والسباب لها ولأبيها وأخيها. أي امرأة هذه لولا أن ربط الله على قلبها وألهمها الجلد والصبر لتحمل كل هذه المصائب التي لا يتحملها أي مخلوق عادي على وجه الأرض ولكن علم الله بأن هذه المرأة العظيمة بطلة كربلاء هي أهل لتحمل هذه الأرزاء السالفة الذكر، لذلك أودعها الله الصبر والصمود والثبات على الحق ونصرته بقيادة أخيها سيد الشهداء الحسين بن علي (ع) ولن تحيد عنه إلى آخر لحظات حياته الطاهرة لله درك يا زينب يا قلعة الصمود والثبات سلام الله عليك وعلى أخيك وأهل بيتك جميعاً.

مصطفى الخوخي


عليلٌ على هودجِ الأحزان

من هنا... انسلخت ساعة رهيبة... ساعة من رحم زمانٍ تهافت على حطامه...

وأي ساعةٍ تلك التي أتى هجيرُ كربلاء كي يحتضن فيها آلامَ أجسادٍ مزقتها بواتر المجون، في سبيلِ حطام دنيا فانية - لا يبقى إلا أنينها يتصدعُ بين القبور، وخيول مزّقت سحنات من سلالة الشرفِ الرفيع، بُغية إخماد أنوار السماء المتلألئة في جموعِ الناس. بيد أن الدماءَ طفقت تنضخُ في ظلام الدهر، لتضيء دنيا ملئت بالذلِ حتى النخاع، ثأرت فكانت وثبة لتحريكِ جمودٍ باتَ لا يقوى على النهوضِ بذاته.

ومن هنا يبدأُ مشوارٌ منَ الدربِ عصيب، الرياحُ تهب، تثيرُ التراب، فيغطي الأجساد المثخنةَ بالجراح، ليسترها عن خفايا الدهر...

وأصواتُ الذئاب تملأ الفضاء عواء... تتمرغ الأحزانُ في ذاته، يتأوهُ شجواً على خضابِ الدّمِ المسفوكِ ظلماً...

طقطقاتِ حوافرِ الخيول، لازالت ترنُ في سمعهِ المرهف، وصليلُ السيوفِ مافتئ يطرقُ الذاكرة، وأشلاءُ الضحايا مِزَقٌ يتمثلها كلّ لحظة، يتوجسُ فيها بلاء الأنبياءِ في كلِّ العصور، فيجثو على إثرِ جراحاته، فهاجس الأحلام بات غريباً... يعشقُ السجودَ أيّما عشق، وفي غربةِ هذهِ الساعةِ الرهيبة، «عليلٌ على هودجِ الأحزان»، يتجرعُ الآلامَ غصةً بعد غصة، يرزحُ تحتَ وطأةِ الظليمة، يتجلدُ في جراحهِ صبرا.

ركبٌ يسيرُ في جموحِ ليلٍ بهيم، يحث الرمالَ الناعمة، لتسفيها الرياح، فتجثو على رقعةٍ من خافقه، لتعيد له ذكريات سلسلةِ أحداثٍ دامية، تحملُ في حناياها شذى الدماءِ الطاهرة، فتثيرُ جنونَ الألم...

حينها لاينفكُّ عن توجسِ الآهاتِ تجتاحُ قلبه...

وأنينُ اليتامى يدوّي، فيحفرُ في أمدِ الدهرِ صروحاً، لتكونَ شاهدةً على رزايا زمانها...

لقد غادرَ المكان... وأما الزمان أخذَ يتلوّى على صفحاتِ عمرهِ الشريف، والغربةُ تطوي بهِ من أرضٍ إلى أرض.

وأنة ثكلى تتسللُ منهُ في غربةِ الركب، تحملُ في انسيابها معاناةَ الألمِ، إلى هودجها...

تجتاحُ هذا الوجوم الهالك، فتسري رعشة في قلبها، فقد كانت أنيسة دربهِ في وحشةِ دربها،

تسامرُ آلامهُ آلامها، إثر ذلك الصوت الآتى من الغربة...

نياحٌ يشقُّ عبابَ الريح، شجيّ النبرة، تخنقهُ العبرة، وآلامَ السفر...

وذهولُ اليتامى يملأُ الأرجاءَ أنينا... «عمّه زينب، عمّه زينب»...

أتى صوتهُ يسامرها في حلكةِ الليلِ الكئيب، مقيدٌ حتى بلوغِ القدر...

ترتعدُ فرائصها، لا تدري كيف تُداري الأمور، لقد أمسى كلّ شيء على كاهلها، إمرأةٌ تتحدى صمودَ الجبالِ الرواسي، تغتالها الحيرةُ ألفَ مرة، لكنها صابرة على رزاياها، فقد أشربت العزّةَ والصمودَ منذُ نعومةِ أظافرها، في بيتٍ حفَّهُ اللهُ بالكرامات...

أنةٌ هجينةٌ بدموعِ الفراق، تحملُ أمشاجاً منَ الأنسِ والوجوم، أخذت تجتازُ آلامها لتداري آلامه، وهو يردد في خنقةٍ منَ الصوتِ ويقول «عمه زينب، عمه زينب، إنني عليل».

حسين عبدالله العفو


لا زمان ولا مكان للحب

من يبعد نور المحبة عن قلبه تقصيه الحياة عن قلبها، لأنه أقرب الناس إلى القلب هم المحبون الذين ولدوا وفي أرواحهم نغمة من الملاء، وفي جباههم بهاء من لمعان النجوم. إنهم حقاً أولى الناس بالشفقة هم الذين يعيشون أمام الشمس وآذانهم وصدورهم موصودة دون الألحان والأنغام. إنه الحب اللغة الروحية العالمية رغم ما في مظاهرها من السطحية من مخالفة متباينة، إلا أن الأعين التى ترى النور تستوعب وتفهم ما يقوله.

لا تتوه وسلم نفسك إليه، إن كنت تبحث عن الطريق فانظر في داخلك، وإن كنت تبحث عن المعنى فانظر إلى السماء، بعيداً، حيث هناك الشمس تطوف عليها الكواكب، تزعم كلاً منا أنه البداية بقدر ما هي النهاية، غير آبهة بالمعنى الذي لا وجود لها دونه. إن الفكرة لتذهب إلى حد إسقاط المعنى، من هنا كانت الأفكار هي زمان ومكان صاحب الفكرة.

فالزمان والمكان هما نمطان من أنماط الإلهام الذي لا ينفصل عن الإدراك، الزمان والمكان هما زمان ومكان الآخر، فلا زمان ولا مكان للراصد.

إننا نخطئ، إذ نشتق المعنى من الأبجدية التي نتناقل الأفكار بموجبها والصمت هو لغتنا، لأنه تنطق كلمات الحب على خلفية غير أبجدية، لكنها تتجاوز إمكانية لاستجرار المعنى من الجمل المخطوطة. إنها تحث كلاً منا على خلق معنى خاص به يستحيل استشفافه من قبل الآخر، بهذا المعنى وهذا المعنى فقط، المحبة أوسع من كل الأطروحات الأخرى التي تأخذ بالفكر البشري الجمعي.

علي العرادي

العدد 4451 - الخميس 13 نوفمبر 2014م الموافق 20 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً