العدد 4462 - الإثنين 24 نوفمبر 2014م الموافق 01 صفر 1436هـ

تونس تؤجل انتخاب رئيسها

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

على غرار الدول الديمقراطية ذات التقاليد العريقة في الانتخابات الحرة والنزيهة، لم يتمكّن أحد المرشحين للرئاسيات التونسية من حسم التصويت لفائدته منذ الجولة الأولى الأحد الماضي (23 نوفمبر/ تشرين الثاني)؛ ذلك أنّ أحداً من المرشحين لم يستطع أن يقنع التونسيين، شباباً وكهولاً وشيوخاً، نساءً ورجالاً، بخطابه أو ببرنامجه الانتخابي. لكنّ الأكيد أنّ فائزاً ثابتاً في هذه التجربة الجديدة ألا وهو الانتقال الديمقراطي السلس والسلمي بعد ثورة عصفت بحكم الرئيس ابن علي بعد عقود من الاستبداد والتزييف لإرادة الناخبين.

بعد انتخابات تشريعية في 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أشادت بها الأسرة الدولية، دخلت تونس غمار الانتخابات الرئاسية يوم الأحد الماضي في محطةٍ جديدةٍ هي المنعرج الأخير في استكمال المسار الانتقالي لإرساء مؤسسات حكم دائمة. وتمثل هذه الانتخابات الرئاسية الحدث الأبرز والأهمّ، لا لِتعدُّد أصناف المرشحين، وإنّما للصلاحيات الجديدة التي يمنحها دستور تونس الجديد لرئيس الدولة في نظام برلماني معدّل كالذي اختارته تونس لنفسها عن طريق نواب الشعب في مجلسها التأسيسي.

لكن يرى آخرون أنّ أهمية هذه الانتخابات الرئاسية قد تعاظمت خصوصاً بعد النتائج الحاصلة في الانتخابات التشريعية؛ حيث فازت حركة نداء تونس بأغلبية نسبية في مجلس نواب الشعب القادم، ما يجعل السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية بين يديها، ولمّا كان مرشح حزب نداء تونس السياسي المخضرم الباجي قائد السبسي يحظى بشعبية قد تمكنه من الفوز في الرئاسية، فقد صار الصراع على أشده، لا سيما مع خصمه السياسي الرئيس الحالي المنصف المرزوقي.

وقد أبانت النتائج الجزئية والأولية وبعض نتائج مؤسسات سبر آراء الناخبين بعد الانتخابات، وإلى حد كتابة هذه الأسطر، عن تقدّم مؤسس حزب حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي المدعوم من حزبه وبعض القوى السياسية على الرئيس الحالي المدعوم من قواعد حركة النهضة وشتات أحزاب المؤتمر من أجل الجمهورية والقوى السياسية القريبة منه، دون أن يحظى أحدهما بأغلبية مطلقة تؤهله لحسم الأمر لصالحه منذ الجولة الأولى. لذا، فإنّ جولة ثانية بدأت تلوح في الأفق وكانت متوقعة جدّا بين هذين المرشحين يُنتَظر تأكيدها في الساعات القليلة القادمة.

لكنّ اللافت، من خلال قراءة أوليّة لهذه النتائج، أنّ الناخب التونسيّ حسم الأمر في كثيرٍ من الأمور، لعلّ من بينها أنّ قصر قرطاج مؤسسة سياسية بامتياز، ولا يمكن البتة تسليمها إلى رجال الأعمال أو لأسماء ربما لم يكتشفها التونسيون إلا حينما قدّمت ترشحها للرئاسيات. لذلك تكاد نسبة التصويت الأولية لرجال الأعمال المرشحين لهذا المنصب مجتمعين لا تتجاوز 8% من نسبة أصوات الناخبين.

كما أبانت النتائج الأولية غير الرسمية تشتت ما يمكن تسميتها بالعائلة الديمقراطية المناضلة المناهضة لحكم الاستبداد في عهد الرئيس المخلوع، حيث تشتتت نسبة غير قليلة من أصوات الناخبين بين مرشح الحزب الجمهوري المناضل نجيب الشابي، ومرشح التكتل من أجل العمل والحريات مصطفى بن جعفر، ومرشح تيار المحبة الإعلاميّ الهاشمي الحامدي وغيرهم... ولم يحصدوا مجتمعين على أكثر من 10% من أصوات الناخبين. وهذا التشتت خدم بشكل أو بآخر قطبَيْ الصراع في هذه الانتخابات، وكأنّ التونسيين يقولون لهؤلاء: «لا يكفي نضالكم السياسيّ في سنوات الجمر دفاعاً عن الحريات لتنالوا ثقتنا، نحن نحترم تاريخكم وماضيكم، لكننا نفكّر في المستقبل الذي تشابكت أوراقه».

من جهةٍ أخرى، لا نكاد نرى أو نسمع نسب أصوات المرشحين المحسوبين على العهد السابق؛ فشخصيات مثل كمال مرجان أو المنذر الزنايدي قدّما نفسيهما على أنهما أصحاب الخبرة في إدارة شئون الدولة بما أشرفا عليه سابقاً من وزارات، وأنهما غير ضالعين في قضايا الفساد مع ابن عليّ. غير أن النتائج الهزيلة والمهينة التي أبانت عنها الأرقام الأولية ترجح إحدى احتمالين: فإمّا أن الناخب التونسي قد حسم أمره في رموز النظام السابق وأقصاهم مرةً أولى بالثورة، ومرةً ثانيةً بصناديق الاقتراع، وإمّا أن يكون ترشح هؤلاء صورياً وأصوات ناخبيهم محسومة لفائدة مرشح رئاسيّ آخر في إطار تفاهمات قبْلية تضمن لهؤلاء حقائب وزارية في تشكيلة الحكومة الجديدة.

وأمّا المرشحة النسائية الوحيدة القاضية كلثوم كنو، فإنّ نسبة التصويت لها ضئيلة جداً، وكأنّ الناخب التونسي لايزال في شكٍ من قدرة المرأة على تقلد منصب الرئاسة، رغم أن الفرصة كانت سانحةً لتونس لتضرب موعداً جديداً مع التاريخ، كأول دولة عربية، بتأنيث كرسيّ الرئاسة.

أخيراً من المفاجآت التي استحسنها عموم الشارع السياسي التونسي، عودة اليسار بعد أن تلملم ورأب صدعه وانتظم في هيكل جامع هو جبهة الإنقاذ التي استطاعت أن تحتل المرتبة الثالثة في التشريعية، وها هو مرشحها للرئاسية المناضل حمة الهمامي أيضاً يحتل المرتبة الثالثة في النتائج الأولية للرئاسية، وإن كان بفارق كبير عن الأول والثاني، وهو في حد ذاته إنجازٌ مقارنةً بانتخابات 2011، وعليه ستكون القاعدة الانتخابية للجبهة مؤثرة في الجولة الثانية. وهنا يطرح السؤال نفسه: إلى من ستميل أصوات ناخبي جبهة الإنقاذ؟ هل ستكون لفائدة الباجي قائد السبسي مع ما يحمله من تاريخ سياسي طويل لم يكن بالوردي مع قوى اليسار التونسي؟ أو ستمنح الجبهة أصواتها إلى رفيق الدرب والمناضل الحقوقي المنصف المرزوقي؟ أو ربما ستعاقبه لأنه تحالف يوماً ما مع حركة النهضة العدوّ التاريخي سياسياً وإيديولوجياً؟

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4462 - الإثنين 24 نوفمبر 2014م الموافق 01 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 11:34 م

      غريب

      اللافت للنظر هنا أنّ حركة «النهضة» وعلى الرغم من عدم دفعها لمرشح رئاسي إلا أنّها تتفاوض على كرسي قرطاج وتستثمر جيّدا في «موقفها» السياسي من الاستحقاق الرئاسي،

    • زائر 3 | 5:52 ص

      لك أن تفتخر بتونس

      على غرار الدول الديمقراطية ذات التقاليد العريقة في الانتخابات الحرة والنزيهة، لم يتمكّن أحد المرشحين للرئاسيات التونسية من حسم التصويت لفائدته منذ الجولة الأولى الأحد الماضي

    • زائر 2 | 4:15 ص

      انتخابات تشريعية في 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أشادت بها الأسرة الدولية،

      وكذلك الرئاسية

    • زائر 1 | 11:34 م

      مقال رائع

      شكرا أستاذ تحليل واضح ومبسط للوضع في تونس
      نرجو لإرادة الشعب التوفيق

اقرأ ايضاً