العدد 4469 - الإثنين 01 ديسمبر 2014م الموافق 08 صفر 1436هـ

أحمد كانو ونجاح في تجاوز الشركة العائلية فترة الكساد العالمي

«سيرة حياة وإنجازات» لخالد البسَّام...

أحمد كانو عندما كان طالباً في الجامعة الأميركية في بيروت
أحمد كانو عندما كان طالباً في الجامعة الأميركية في بيروت

الشاب الذي أوصى عميد العائلة، يوسف بن أحمد كانو، أن يتولى في مرحلة حساسة، إدارة الشركة التي تفرّعت أنشطتها وتعدّدت، فترة الكساد العالمي الذي اجتاح العالم في ثلاثينيات القرن الماضي، ليكون العالم على موعد مع حرب كونية ثانية في العام 1945، نجح باقتدار وكفاءة لافتين. تلك خلاصة سيرة صاحب الأعمال الوجيه المغفور له أحمد بن علي كانو.

يتم الاقتراب من الكتب التي تتناول سيَر رجال أسهموا إسهاماً كبيراً في تغيير واقع أوطانهم، من حيث الأثر والدور الذي لعبوه في مختلف أوجه الحياة، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتعليمية وغيرها، إما على استحياء؛ أو الالتصاق بتلك الشخصيات في صور وأساليب تبدو نوعاً من تحصيل الحاصل.

ضمن ذلك، نحن إزاء نوعين من كتّاب السيرة؛ إما متمكّن من معالجة مادتها بأسلوب لا يتورط فقط في الانشغال وتسجيل اليوميات بكل ما لها وعليها؛ ما يجعل مادة السيرة جامدة و «ناقلة... تسجيلية» فقط، ولا إبداع يمكن تلمّسه في ذلك، أو فرادة جهد، وإما متمكّن يذهب إلى ما بعد السيرة؛ بمعنى ألاَّ يكون محكوماً بالمادة الخام فحسب، انفتاحاً على الأشخاص والمكان والزمن، ما قبل وما بعد، مما هو على التصاق بشخصية السيرة، في تناول يكون للغة فيه حضور جاذب، وتناول يتوخّى الوصول إلى المركز فيها دون الانشداد إلى ما يوحي به عبر مبالغات المادة حيناً، أو إهمال جانب منها حيناً آخر.

«العم أحمد علي كانو... سيرة حياة وإنجازات»، للباحث التاريخي والكاتب خالد البسّام، تكاد تجد فيه شيئاً من هذا وذاك. لم يُكتب بالإمكانات والأدوات التي تتوافر لدى البسّام، بما عرف عنه من جِدَّة ومثابرة وطول نفَس. كأنه انشغل باليوميات؛ وإن بدت على هامشها انعطافة إلى تاريخ يسير، في ما يشبه الشذرات من هنا وهناك، مرّتْ على الحِرف، وأحوال الناس ومعائشهم في فترة ربما سبقت أو عاصرت الشخصية التي تناولها الكتاب؛ لكنه عمل لا يشبه البسام في ما أنجز، وفي ما هو قادر على أن ينجزه في صورة أجمل وأبهى وأعمق؛ إلا أن ذلك لا يُسقط جهداً بُذِل، ربما يكون تأسيساً لجهود مقبلة تتناول رجالَ ووجهاءَ وأعيانَ البلد، ممن كانت لهم إسهاماتهم في الحياة العامة، وتركوا بصمات واضحة على شكل الحياة ومضامينها.

الكتاب المذكور ساهم في أبحاثه، عبدالحميد المحادين، وسعيد محمد، وتولى إخراجه فنياً أنس الشيخ. وعلى رغم صدوره قبل عقد من الزمن، إلا أنه لم يحظَ باستعراض يفي الشخصية حقها، والكاتب جهده الذي يمتد إلى أكثر من 3 عقود من تنوع الكتابة، وإن انحازت أو عرفت بالتصاقها بتاريخ المنطقة خصوصاً، إضافة إلى اهتمامات أخرى.

في العام 1922، جاء إلى الدنيا الوجيه أحمد على كانو؛ أحد الذين وضعوا لبنات التأسيس الحديث لواحدة من أعرق المجموعات التجارية في منطقة الخليج، امتداداً إلى المنطقة العربية؛ وصولاً إلى عدد من العواصم الكبرى. لم تكن الفترة تلك مثالية. اكتنفتها النقائض والتحولات والتغيرات؛ لكن بيتاً عريقاً سيضمه، ويكون أحد أفراده، في يسْر حياة وهنيء عيش.

قبل ميلاده بعام (1921) وبعده (1923)، ستبدأ إصلاحات مهمة فرضها الإنجليز على تجارة اللؤلؤ وما يرتبط بها. وبحسب الأنثروبولوجي اللبناني إسحاق خوري، في كتابه «القبيلة والدولة في البحرين»؛ تركزت الإصلاحات والتغيرات بالفصل بين عملية إنتاج اللؤلؤ وبين التجارة الناتجة عنه «الأمر الذي حدَّ من احتكار التجّار لهذا الإنتاج. فكان أن منع التجّار الذين لا يملكون سفناً للصيد من تقديم ديون للربابنة؛ وحصرت بذلك عقود الديون بين الربابنة والغوّاصين».

كان من بين الشروط، تسجيل حسابات كل غواص في سجلٍّ خاص يظل في حوزته، وتسجيل الحسابات الجديدة والمصادقة على الحسابات في المحكمة الشرعية كل سنة، وتحديد قيمة القرض بـ 200 روبية للحيلولة دون إغراق الغوّاص بالديون، ومنع إعطاء الغواصين التسليفات العينية كالرز والسكّر والتبغ والقهوة بأسعار غير معلنة، والملفت في الإصلاحات والتغيرات تلك، إلغاء العرْف الذي يحمّل الولد مسئولية ديون والده بعد موته.

كان رد الفعل على الإصلاحات متوقعاً، من قبل الأطراف جميعاً؛ بمن فيهم الذين تضرروا من الأوضاع القائمة وخصوصاً الغواصين؛ احتجاجاً، ووصول الأمر إلى المحاكم.

كان اللؤلؤ الاصطناعي؛ في الطريق؛ هو الآخر سيعمل عمله في تردي أوضاع كثيرين؛ من البسطاء إلى طبقة الأثرياء وما دونهم.

كان المغفور له أحمد علي كانو من المحظوظين الذين جاءوا إلى الدنيا بعد 3 سنوات من افتتاح أول مدرسة نظامية في البلاد، والتي افتتحت في العام 1919، بقيام مدرسة الهداية الخليفية، قبلها كانت مدرسة الإرسالية الأميركية، وبقع ضوء متناثرة تولتها بعض المدارس الأهلية؛ دون أن ننسى بقع ضوء أولى ومؤسِّسة تمثلت في بعض الكتاتيب التي اقتصرت على تحفيظ القرآن الكريم.

القانون... كانون... كانو

يشير الكتاب بحسب استناده إلى مصادر مختلفة إلى جد عائلة كانو الذي تمتد جذوره إلى نجد، وتحديداً من «سبيع»، في حائل، شمال الرياض، واسمه هلال، طُلب بثأر من أبناء عمومته؛ ما دفعه إلى التطواف بالقبائل العربية التي لم تكن تأوي المطلوب بالثأر، إلا أنها كانت تزوّده بما يعينه على حركته، إلى أن وصل به المطاف، بحسب كتاب خالد محمد كانو، إلى المحمّرة وعبادان، وجلّ سكّانها من العرب الخلّص، حيث تزوّج هلال إلى أن أنجب ابنه مبارك بعد موت كثير من أبنائه قبل الولادة أو بعدها، وبعد قراره العودة إلى نجد، كانت الطريق إليها تمر عبر البحرين، وقد تزوّد ببعض البضائع للاتجار بها في الجزيرة، اتخذ من موقع «القلعة» اليوم التي كان يحيطها البحر مكاناً لعرض تجارته، وكان دائماً يكرر بأنه يبيع وفق القانون، وكان ذلك يعني: السعر المعقول، ولكثرة الأعاجم في البلد صار يعرف بالتاجر «قانون»، ولتحريف «القاف» عندهم إلى «كاف» صار يعرف بـ «كانون» إلى أن سقطت النون، فعرف بـ «كانو»، وصارت اسماً له وللعائلة فيما بعد.

المؤسس يوسف بن أحمد كانو

تُجمع السيَر على أنه ولد في العام 1868؛ أي أنه من «الجيل الخامس بعد هلال، وبين أحمد وبينه 100 عام»، بحسب البسام. عرف المؤسس بتوقد الذهن والبكاء والبراعة في التجارة وحسن الخلق والأمانة وطيب المعشر، وذلك ما جعل صيته يتجاوز الجزيرة إلى المنطقة كلها وصولاً إلى الهند وغيرها من البلدان. بعد تسلّم التجارة من والده أحمد بن محمد كانو، وفي في الثانية والعشرين من عمره؛ أي في العام 1890، توسعت وتعدّدت أنشطته بالاستيراد من كيرلا ومالابار في الهند وزنجبار في شرق إفريقيا، وامتداد تجارته إلى منطقة الخليج، وانفتاحه على الوكالات التجارية من خلال اتصالاته الواسعة وسمعته المشرّفة، ودخوله في منافسة كبيرة مع الشركات البريطانية، وتلك التابعة لها؛ سواء في البحرين كـ «جراي مكنتزي»، أو غيرها من شركات الشحن فيما بعد.

كانت قدرته على الحصول على عدد من وكالات شركات الملاحة، بعد الحرب العالمية الأولى، بداية طريق ستمهِّد لامتداد الشركة، وتمثيل شركات أخرى في رقع جغرافية واسعة من العالم.

ضمن ذلك البيت، وتلك القدرة على الخوض في غمار العمل التجاري بكل حنكة وحرفية والتزام بشرف المعاملات، ولد الطفل أحمد علي كانو، لتقوده السنوات إلى الدخول في مرحلة التعليم بمدرسة الهداية الخليفية، والتخرج منها بتفوق ملحوظ، ومن ثم سفره إلى العاصمة اللبنانية (بيروت) للالتحاق بالجامعة الأميركية، التي كانت تمثل وقتها منارة الإشعاع والتنوير في الشرق، وليس في العالم العربي وحده، والظروف التي دفعته إلى الانقطاع عن الدراسة، وبحسب خالد البسام، فإنه «في خريف العام 1939، دفع الزعيم الألماني هتلر بجيوشه الضخمة لاحتلال بولندا في الأيام الأولى من خريف ذلك العام، ليعلن بداية أكبر حرب عرفها العالم، وهي الحرب العالمية الثانية. ومع اندلاع الحرب تغيّر كل شيء في الدنيا، وبالطبع تغيّرت الأشياء والأولويات لدى الشاب أحمد». «قرر أحمد وابن عمه محمد قطع الدراسة والعودة إلى البحرين ليكونا وسط العائلة».

محطة البنزين الأولى

يورد البسام في الكتاب الذي أعدّه، أنه «في بدايات الأربعينيات بدأت العائلة في تشغيل أول محطة بنزين في البحرين، وتم تركيب وتشغيل المحطة وأجهزتها في الموقع نفسه الذي يشغله المبنى التابع إلى المؤسسة اليوم».

بعد عودته من بيروت كان على الشاب أحمد كانو أن ينخرط في العمل بأنشطته الجديدة؛ إذ ومنذ اليوم الأول لافتتاح المحطة، تسلّم مسئولية العمل فيها؛ وتم تحديد راتب شهري له وقتها وصل إلى سبعين روبية.

أخذت تلك المرحلة من العمل ونوعيته أحمد وابن عمه محمد إلى تولّي تزويد الطائرات بالوقود مع دخول البحرين عصر الطائرات في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي.

وقبل وفاة عميد العائلة ومؤسس أعمالها وشركاتها التجارية، يوسف بن أحمد كانو؛ أوصى بأن يكون أحمد الرئيس المقبل للجيل الذي ستتفرع بجهوده أنشطة الشركة. كان ذلك تلمّساً من عميد العائلة الذي رحل عن الدنيا يوم الحادي والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول من العام 1945، لمستقبل الشركة الذي سيمر بظروف مختلفة؛ علاوة على الآثار التي خلّفتها مرحلة الكساد التي اجتاحت العالم في ثلاثينيات القرن الماضي؛ وضرورة أن يتصدى لأعمال الشركة في ظل الظروف تلك من رأى فيه الكفاءة والقدرة على الخروج بها إلى آفاق ومجالات تثبّت مكانتها وتعزّز امتدادها وتوسّعها؛ وذلك ما سيحدث بعد سنوات.

شكّل الاثنان، أحمد ومحمد ثنائياً بقدراتهما القيادية، وسهرهما الدائم على شئون الشركة وما يرتبط بها من تفاصيل صغيرة وكبيرة. وفي استرجاع لحديث صحافي مع المرحوم أحمد كانو، أشار فيه إلى بدايات العمل في مجال البواخر، وتموين الطائرات، والعمل للحصول على مزيد من التوكيلات التجارية، التي كان السعي لها يبدو مبكّراً في تلك الفترة الزمنية. وقصة التمدّد إلى المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج، مثل الإمارات وعمان وبقية دول المجلس.

ومع ترؤس أحمد علي كانو مجلس إدارة الشركة في العام 1952، بمساعدة ابن عمه محمد، بدأ التوسع في الأنشطة يأخذ منحى ومجالات أخرى، ومنها إدخال أول نوع من التأمين على الشحن البحري من داخل البحرين، وليس من خارجها.

في تلك الفترة كانت شركة جراي مكنزي تراقب عن كثب ذلك التوسع في أنشطة شركة كانو، بعدم الرضا؛ إذ كانت تشكّل منافسة كبيرة لها، على رغم احتكار الأولى للأنشطة في الخليج لمدة طويلة، ولذا لم تتردد في استخدام الأساليب التي من شأنها إبعاد منافسيها. وبحكم الإدارة الحكيمة، والتأني وطبيعة العلاقات القائمة على الأمانة والنزاهة والدقة في إنجاز الأعمال استطاعت الشركة أن تتجاوز الكثير من الصعوبات تلك.

إدخال أول حاسوب العام 1965

عرفت شركة العائلة بأنها من أوائل الشركات التي تبنّت أتمتَة مراحل عملياتها منتصف الستينيات من القرن الماضي، وتحديداً في العام 1965، حين قرر مجلس إدارة الشركة «إدخال أول حاسوب إلى المؤسسة، ولم يكن يستخدم قبل ذلك في البحرين أي حاسوب إلا في شركة بابكو، وهو الأول من نوعه في الخليج العربي، كان حاسوب بابكو (آي بي إم)، وحاسوب كانو (إن سي آر).

قادت نجاحات أحمد بن علي كانو، ليس فقط إلى تنوع وتعدّد الأنشطة التي شملت الشركات مع المصارف والفنادق وقطاع المعدات والسيارات وخدمات التموين والفنادق، والسفر والسياحة، الذي احتلت فيه المجموعة مركزاً متقدماً ومرموقاً على المستوى العربي، وقطاع النفط وما يرتبط به، وإنما إلى حرص كبريات الشركات في العالم إلى الدخول في شراكات استراتيجية معها؛ سواء من خلال الوكالات الحصرية، أو الدخول في مشروعات مشتركة تخطّت حدود المقر إلى أماكن عديدة من العالم.

كل ذلك من ورائه، وكما تكشف السيرة التي من الصعب الوقوف على جميع تفاصيلها، طاقة وكفاءة وحنكة في الإدارة وتخطيط تمتع وعُرف بها الراحل أحمد كانو، وصولاً إلى الجيل التي تسلّم المهمة ضمن استراتيجيات ظلت على مواكبة مع التغيّرات والمستجدّات في عالم المال والأعمال.

المسئولية الاجتماعية

بتتبّع تاريخ المجموعة، لا يمكن إغفال الدور الذي قامت به تجاه المجتمعات التي عملت فيها، ولا يقتصر ذلك على بلد المقر الرئيس، بل يمتد إلى الدول التي تتواجد فيها، من تبني المشاريع الصحية كالمراكز، أو التنموية أو الخيرية أو التعليمية وغيرها، إيماناً منها بالشراكة، وبالدور الذي لعبته المجتمعات التي تواجدت فيها، في تمدد وتوسع ونجاح مشاريعها طوال عشرات العقود.

وبعد حياة مديدة من الإسهام في نهضة البحرين خصوصاً، عبر الشركات التي قادها مع أعضاء مجلس الإدارة من العائلة، والخليج عموماً، كان أحمد كانو على موعد مع تلبية نداء ربه، يوم الخامس عشر من يوليو/ تموز 1997، بعد أن أجرى عملية جراحية في القلب بالمملكة المتحدة، إثر إصابته بنزيف في شريان القلب، خلّف إرثاً من الأعمال التجارية التي مازالت تحتل مكانة مرموقة بين مثيلاتها في منطقة الخليج والمنطقة العربية، إضافة إلى إرث من السمعة الحسنة الراسخة في قلوب من عرفه، وحتى أولئك الذين لم يلتقوا به لكن سيرته سبقته إليهم.

أحمد كانو  وهو في أوائل الستينيات
أحمد كانو وهو في أوائل الستينيات
أحمد كانو  وهو في المستشفى بعد العملية التي أجريت له
أحمد كانو وهو في المستشفى بعد العملية التي أجريت له

العدد 4469 - الإثنين 01 ديسمبر 2014م الموافق 08 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً