العدد 4470 - الثلثاء 02 ديسمبر 2014م الموافق 09 صفر 1436هـ

اختلاف الفكر في اختلاف الحقائق وليس باختلاق الأكاذيب

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

من الطبيعي في الأوطان، أن تتعدّد الجماعات بتعدد اختلاف الأفكار، التي تتلاقى جميعها في الصالح الوطني العام، ليتوزع خير الوطن، على جميع المواطنين، كلاً بمقدارٍ لا يُظلم فيه الآخر. ومن الضروري أن تكون هذه الأفكار، مُستَمَدَّة من العقل والحقيقة أولاً، والوعود الأمينة والعزم الصادق ثانياً، وثالثاً لابد لها من عقدٍ اجتماعي، يُفَصِّل أساسات الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ويحفظ الحقوق المدنية والسياسية، بما يسدّ العوز والحاجة، ويحفظ الكرامة الإنسانية للجميع على قدم المساواة، إجراءً ونفعاً، ويؤسِّس المبادئ الإنسانية في العدالة والمساواة، والحقوق والواجبات، بما يجمع بين الأفكار المختلفة، عبر آلية لممارسة الحرية الفردية، المحكومة بعدم التعدي على الآخرين، وعدم ترويج الأكاذيب.

هذه الآلية، يحدّدها العقد الاجتماعي، المتعارف على تسميته، في أنظمة الدولة المدنية الحديثة، بالدستور، في باب خاص، بنظام الحكم وتسمية السلطات، ورسم حدود مهامها وطريقة تشكيلها، والعلاقة فيما بينها، دون تداخل المهمات، التي يحكمها الفصل بين هذه السلطات، في إنشائها ورئاساتها ومواردها، لتهتم كلٌّ منها بجانب من جوانب إدارة الدولة، الرئاسي والتشريعي والتنفيذي (الحكومي) والقضائي؛ ولتتناسق كلٌّ من هذه السلطات، في مؤسساتها وأجهزتها وإداراتها، بما يجعل السلطة التشريعية، تُشرِّع وتراقب وتحاسب السلطة التنفيذية (الحكومة)، التي تُنَفِّذ القرارات والتشريعات التي تصدرها السلطة التشريعية، في حدود القوانين والترتيبات واعتماد التخصيصات المالية، التي تقترحها الحكومة في شكل رغبات، ثم ترفعها إلى السلطة التشريعية، لاعتمادها أو اعتماد ما ترتئيه غيرها، وهي في كل الحالات مُساءَلَةٌ أمام السلطة التشريعية، بخصوص أي خطا أو شطط.

أما السلطة القضائية، فدورها الحكم بين الأفراد والمؤسسات المجتمعية وهياكلها، وبين سلطات الحكم وبعضها، والحكم بين هيئاتها وأفرادها كسلطة قضائية أيضاً، كل ذلك بحسب النص، سواءً الدستوري أو القانوني، الخاص بالقضايا الخلافية، دون الميل إلى أي جهةٍ كانت، فالسلطة القضائية قائمةٌ بذاتها، ولا تُسقطها إلا ثورة شعبية، في حين أن السلطة الرئاسية، يتمحور دورها في رقابة السلطات الأخرى، لتمنع تداخلها، تثبيتاً وتأكيداً وحفظاً وصيانة، لمبدأ الفصل بين السلطات، ولتقوم بدورها في المصادقة (التوثيق)، وإصدار قرارات وتشريعات، السلطة التشريعية في شكل مراسيم. وباسم الرئاسة، تصدر أحكام القضاء، ولها من الأدوار والمهام، ما يخصها بذلك الدستور (العقد الاجتماعي)، وبما لا يتداخل ومهام السلطات الأخرى، من مثل إعلان التعبئة العسكرية والحرب الدفاعية... الخ.

ومن الطبيعي، في أنظمة الحكم الديمقراطي، سواء كانت رئاسية جمهورية أو ملكية، أن لبعضٍ من الأفراد والفِرَق، أن تلتقي أفكارها وأهدافها ووسائلها، في حدود ما يقرّره الدستور، بما ترتئيه لصالحها وصالح جميع المواطنين، فتجتمع في حزب معين.

ومن الطبيعي أن تتعدّد هذه الأحزاب، وتتآلف وتتحالف فيما بينها، وأيضاً من الطبيعي، أن يجتمع كثير من المواطنين على فكرة وموقف الحياد ما بين هذه الأحزاب، تموضعاً على مسافة، تُمَكِّنهم من الرقابة والتقييم، ليقتربوا من هذا الحزب أو يبتعدوا عن ذاك، حسب أدائه الوطني، سواءً في السلطة أو خارجها أياً كانت، التشريعية أو التنفيذية أو الرئاسية، ليتمكنوا بذلك من منح أصواتهم الانتخابية، لمن يرتئون صلاحه لخدمتهم كمواطنين وخدمة الوطن.

والصوت الانتخابي، ليس بالضرورة استخدامه، في حال لم يتوافر من يستحقه، أو في حال كان النظام الانتخابي، غير جدير بثقة الناخب، أو في حال أن السلطة المراد انتخابها، كانت مخلوعة الأطراف، ومسلوبة الأداء، لذلك تتفاخر الأحزاب والحكومات بنسب الانتخاب والمشاركات العالية، التي تُحتسب بالأصوات الصحيحة، قياساً بالكتلة الانتخابية، بعد إسقاط تلك غير الصحيحة، التي من الممكن أن تكون أوراقاً مُعَلَّمَةً بعلامة، أو طال معلوماتها التغيير، فللمواطن وهو صاحب الحق الوحيد، دون إكراه أو ترغيب، أن يدلي بصوته لمن يريد أو يمنعه عمّن لا يريده. ومثلما لا تحتسب الورقة المعلمة، فلا يجوز الشطب على ورقة الانتخاب بتقاطع الخطين ما بين زواياها المتقابلة، فإن في ذلك إساءةً لوسيلة شعبية للتعبير عن الإرادة والاختيار، كما لا يجوز وضع الورقة دون ملئها (بيضاء)، لئلا يُساء استخدامها من قِبَل مرضى النفوس المحتمل.

ولا تسقط هذه المعايير في نظام الحكم الديمقراطي، كون سلطة الرئاسة، منتخبة كما في الجمهوريات، أو متوارثة كما في الملكيات، فليس هذا التوارث أن يطال أي منصب كان إلا منصب الملك، وليس لأي شخص ديمومة المنصب دوام حياته، إلا شخص الملك. وفي الدولة المدنية الديمقراطية، الدين مفصولٌ عن السياسة، فمن يختار القوامة الدينية، فليتفرغ للإمامة والخطابة في المسجد، والتوجيه والنصح الديني، لأتباع المذهب، ونشر المذهب بصلاحه، فلرجل الدين في الجانب الديني وقاره، وليس بالمسّ بالمذاهب الأخرى، فإن من شأن ذلك أن يطال وحدة الأمة، وهي من محظورات السياسة التي يعاقب عليها القانون. فالوطن يُدار من خلال سلطاته المدنية المنتخبة وليست الدينية، ومن خلال الإرادة الانتخابية الشعبية، التي تدار من المنابر السياسية، دون الدينية، فالسياسة والدين للمجتمعات الشرقية، ركيزتان لا تلغي واحدتهما الأخرى، ولكن لكلٍّ منهما مساحته الخاصة، فلا تقف بالشط لتسأل السابح بالعلم، ما الدين أو ما المذهب؟

وخير السمات الديمقراطية، هي العقد الاجتماعي، والعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات، فمن أخلّ بأيهم فقد خان المواطن والوطن.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 4470 - الثلثاء 02 ديسمبر 2014م الموافق 09 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 3:21 ص

      كلام جميل و كلام معقول ؛ و لكن الكاتب لايزال يعيش في أحلام الستينيات

      لقد ُاتخذ القرار؛ و ألغت أمريكا و حلفائها الدولة المدنية من المنطقة! فلا وجود للدولة المدنية الديمقراطية من بعد سنة 1980 كيف يمكن عزل الدين و المذهب عن السياسة؟ و كيف يمكن للدولة المدنية الديمقراطية أن تأخذ مسارها ، و الكهنوت المسيحي والسني و الشيعي آخذ بخناقها؟ ألم يسأل أحد :ما دور المرجعية في العراق مثلاً في الدولة ليتوجب على كل رئيس وزارة أن يزورها؟ ما دور مجلس المطارنة في لبنان ليوافق أو لا يوافق على قرارات الدولة؟ ما دخل مفتي الجمهورية السني في سياسة الدولة؟
      إما الاستبداد ؛ أو الكهنوت.

    • زائر 8 زائر 7 | 5:08 ص

      مشكلة اليسار العربي

      مشكلة اليسار العربي هو انه تخلى عن كل مبادئ اليسارية و تحالف مع الكهنوت الإيراني او الاخوان

    • زائر 6 | 12:34 ص

      محب الوطن الدولة المدنية الديمقراطية 0825

      صباح الخير أستاذنا العزيز دائما تنورنا بمقالاتك المفيدة جداً مقتبس الدين مفصول عن السياسة لأن هذا يطال وحدة الأمة فالوطن يدار من خلال سلطاته المدنية وليست الدينية ومن خلال الإرادة الشعبية التي تدار من المنابر السياسية وليست الدينية انتهى هذا الفهم غائب عن جمعياتنا الدينية وعلى حاضناتها فهل نوجه الكلام اليها بالاسم واحده واحده بشجاعة لنزيل الاحتقان الطائفي ووءد الفتنة ونستطيع بكل اطيافنا تكوين جمعيات مدنية تكون نواة الدمقراطية المدنية كالدول العريقة

    • زائر 4 | 12:23 ص

      سؤالي هل هناك بلد في العالم يجبر العسكريين على التصويت؟

      سؤالي سؤال مستفسر وهو هل يوجد بلد في العالم يجبر العسكريين على التصويت ثم يصوّر جوازاتهم للتأكد من مشاركتهم؟ حسب علمي المتواضع انني لم اسمع بذلك فمن قرأ وعرف ولديه اطلاع يخبرنا

    • زائر 9 زائر 4 | 8:10 ص

      نعم

      وهناك دول ديمقراطيه تجبر المواطنين علي التصويت كالبرازيل مثلا

    • زائر 3 | 12:19 ص

      عزف الشعب عن إعلامهم بسبب الكذب المتواصل

      كل العالم يتابع الاعلام المحلّي لبلده ويحظى بالأولوية الا في البحرين يحظى الاعلام المحلّي بالعزوف وعدم الاكتراث بسبب عدم وجود اي مصداقية فلا ولم ولن يتعلموا

    • زائر 2 | 12:10 ص

      هذه المعايير لا وجود لها في البحرين =بل اجبر العسكريون على التصويت

      اجبر العسكريون وغيرهم ممن للدولة سلطة عليهم بالتصويت نكاية بمقاطعة الشعب وهذا خرق لمعظم الدول ذات الديمقراطية العريقة والتي يكون العسكريون فيها بعيدون عن التصويت او في احسن الاحوال الامر متروك لهم والخيار لهم يشاركوا او لا يشاركوا يصوتوا لهذا او ذاك.

    • زائر 1 | 11:31 م

      من صميم الدولة المدنية

      اذا كيف تقبلون بالتحالف مع من لا يؤمن بهذا الشيء و يقحم الفتوى الدينية في كل شيء سياسي؟ كيف تقبلون التحالف مع جماعة يقودها مرجعية دينية يتم تعينها من خارج حدود البلد بل يعينها رجل هو زعيم بلد آخر ؟

    • زائر 5 زائر 1 | 12:32 ص

      زائر 1

      يالحبيب خلك دوغري المرجعية تقصد ولي الفقية انزين عطني الفرق بين ولاية الفقية و السمع و الطاعة ياللة ياشاطر!!!
      **

اقرأ ايضاً