العدد 4474 - السبت 06 ديسمبر 2014م الموافق 13 صفر 1436هـ

قضايا العرب في مؤتمر أميركي

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

شاركتُ في مؤتمر رابطة دارسي الشرق الأوسط (MESA) في دورته الثالثة والثلاثين في واشنطن خلال الفترة 22 – 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، وهي أكبر رابطة للأكاديميين الدوليين المتخصصين في الشرق الأوسط، حيث ضم المؤتمر ما يقرب من 1500 باحث من أنحاء العالم.

المؤتمر عبارة عن ماراثون من ندوات الحوار التخصصية والاجتماعات لمجموعات متخصصة وطاولات حوار مستديرة، ومحاضرات، إلى جانب مهرجان سينمائي، ومعرض للكتاب. وبالمعدل فقد كانت هناك 22 ندوة لكل فترة وتشمل النهار بأربع فترات، أي ما معدله 88 ندوة يوميا، إضافة إلى الاجتماعات التخصصية وغيرها. لذلك يحتار المشارك أيها يختار من الندوات فكان لابد من الخيارات الصعبة. يصعب عليّ تحديد مواضيع المؤتمر فهو يشمل كل شيء تقريباً ومن ذلك التاريخ بكل مراحله، والحضارة بكل تجلياتها، ودراسات الديانات، والعلاقات ما بين الحضارات في المنطقة والحضارات الأخرى، وحتى دول الخلافة الإسلامية والدول الوطنية، والاستعمارات التي سيطرت على المنطقة، ونضالات الشعوب، والعلوم والآداب والفنون، وبالطبع الصراعات الدائرة حاليا وأهمها الصراع العربي الإسرائيلي والصراع ضد التكفيريين وفي مقدمتهم داعش، والربيع العربي وتجلياته وإشكالاته.

ومن الجدير بالذكر أن المتحدثين في كل ندوة لا يقلون عن أربعة، ويراعى إلى جانب التخصص في موضوع البحث التنوع من حيث الانتماء الحضاري (أوروبي، أميركي، عربي... إلخ)، والجندر، وغير ذلك، علما بأن جميع أعمال المؤتمر باللغة الإنجليزية.

كان اهتمامي بحضور الندوات والاجتماعات التي تهتم بالقضية العربية وخصوصاً الصراع العربي الصهيوني وقضية الخليج العربي، والربيع العربي، والنضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومواقف مختلف القوى تجاه ذلك وكذلك رؤية الأكاديميين الغربيين بمختلف مدارسهم الفكرية وتحليلاتهم لما يجري.

لقد سيطرت قضية ظاهرة الأصولية والتفكيرية الإسلاموية على اهتمام الكثير من الباحثين، وخصوصاً الصعود السريع لداعش (الدولة الإسلامية) والتي اجتاحت مساحات واسعة من كل من العراق وسورية وأعلنت الخلافة بشخص أبوبكر البغدادي، وأعلنت عدة مناطق في ليبيا ومصر وتونس ومنظمات تكفيرية ولاءها لهذه الدولة التي تجاوزت بعنفها وهمجيتها ما سبقها من حركات تكفيرية مثل طالبان والقاعدة، بل إنها لم تتورع عن تصفية منافسيها مثل القاعدة والنصرة والمنظمات التكفيرية الأخرى. ولقد طرحت أسئلة وتحليلات مشروعة من قبل الأكاديميين بشأن خلفيات وعوامل انبعاث داعش والحركات التكفيرية الأخرى، والحاضنة لهذه الحركات، والداعمين لها، والفكر الذي سوغ لها، والفتاوى التي بشرت وبررت لها.

وقد طرح عدد من الباحثين أن البيئة المحافظة والمتزمتة والطائفية والأحادية في عدد من البلدان العربية، والتي تشكلت من خلال عقيدة وسياسة بعيدة المدى لأنظمة تسلطية، تستخدم الدين لتبرير شرعيتها، والطائفية والمذهبية لتمزيق شعوبها، ومناهج دراسية وإعلاما موجها، تخلق قناعات وسط المواطنين العاديين، وتحيل بعض الشباب إلى قنابل متفجرة تكفر الآخرين، أمام صدمتهم لتحلل هذه الأنظمة وشيطنة الآخر.

من هنا قناعة كثير من الباحثين بأنه إذا لم تعالج أسباب هذه الظاهرة وذلك بفتح آفاق أمام تحول ديمقراطي لإعادة بناء الدولة والتجمع على قاعدة التسامح والتعددية واحترام حقوق الإنسان والمواطنة المتساوية، فإنه وإن هزمت داعش والمنظمات التكفيرية عسكرياً مؤقتاً، فإنها ستنبعث بأشكال أخرى كما جرى للقاعدة.

القضية الثانية التي انشغلت بها وانشغل بها العديد من الأكاديميين هي مسارات ومآلات الربيع العربي، وبالطبع فالمفارقة هي الآمال الكبار التي طرحها الربيع العربي والبراءة التي ميزت الثائرين من الشباب والنساء والمواطنين العاديين والحلم بالديمقراطية والعدالة والكرامة، ودولة المواطنة المتساوية من ناحية، وما آلت إليه الثورات من انتكاسات وانحرافات، بل واستيلاء التكفيريين على السلطة في أكثر من بلد والردة الكبيرة التي جعلت الكثيرين يترحمون على الأنظمة البائدة، بل والحروب الأهلية الدموية التي أكلت الأخضر واليابس ومزقت الشعب، وأسالت أنهارا من الدماء وتسببت في خراب هائل كما في سورية والعراق وليبيا، ومشروع حرب أهلية في اليمن ومصر.

وهجمة على الشعب وقواه ومنظماته وحرياته المحدودة في أكثر من بلد، وعدوه التحالف ما بين أنظمة النفط وأنظمة الاستبداد، لإجهاض أي حركة جماهيرية إلى الأمام. بالمقابل فقد طرح عدد من الباحثين رؤية تحليلية واعية، من أن أنه كان تصدي الدول والقوى بالعنف الشديد لظاهرة لا سابق لها، تجلت في حراك شعبي لتغيير الأنظمة برمّتها، وتغيير للمجتمع بعد عقود من الركود. بالطبع فالاستثناء الوحيد هي تونس التي تسير بالاتجاه الصحيح لبناء نظام تعددي ديمقراطي جديد.

لكن ذلك لا يلغي الوعي الجديد الذي وصل إليه غالبية الشعب العربي، وأنه لا عودة للاستكانة والاستسلام.

القضية الثالثة التي استأثرت بالمناقشات هو الموقف العربي المخاتل من الربيع العربي. والحراك الشعبي السلمي الواسع، حيث لم تترد الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين عن دعم الأنظمة المهتزة ووقفت معها حتى لحظة انهيارها، ثم راهنت على القوى الإسلاموية المحافظة كبديل للقوى الديمقراطية العلمانية أن مهلة تدخل القوى العسكرية، وانفراد القوى الإسلامية المحافظة بالسلطة واستبعاد باقي القوى كما جرى في مصر وتونس إلى حد ما، والدعم الغربي للقوى المحافظة، قد أسهم في تعثر التحولات الديمقراطية في بلدان واعدة كمصر، بل إن التحالف الخليجي الغربي الذي أسهم في تدخل عسكري كما في ليبيا وسورية، قد أدي إلى حرب أهلية وكوارث لا سابق لها، لقد عززت هذه الفوضى من تشبث إسرائيل بمواقفها العدوانية وشن حرب عدوانية جديدة ضد غزة فلسطين ومضيها في سياسة الاستيطان ورفضها حلاً تفاوضياً عادلاً بموجب قررات الشرعية الدولية.

أسهب الأكاديميون في تحليل الكثير من الظواهر السلبية في النظام العربي والمجتمع العربي وفي الوقت ذاته أشاروا إلى النقاط المضيئة وبعض بوادر الأمل كما في تجربة تونس والوعي المكتسب لدي الجماهير بحقوقها، وتأكل شرعية الأنظمة الاسبتدادية، والتضامن فيما بين الحركات الجماهيرية في الدول العربية، مقابل دور جامعة الدول العربية المسوغ للاستبداد، والتي أضحت أقرب إلى بيت للدردشة.

كثيرة هي المواضيع التي طرحت بجرأة وموضوعية وسأعود إلى ذلك في مقالة أخرى.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4474 - السبت 06 ديسمبر 2014م الموافق 13 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً