العدد 4481 - السبت 13 ديسمبر 2014م الموافق 20 صفر 1436هـ

العام 1924 وأول موازنة للبحرين... 48 ألف روبية للمعارف و 120 ألفاً للشرطة

«أحداث طواها الزمن... رحلة مع الماضي» لخليل المريخي...

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

لم تكن دول الجوار قد عرفت التنظيم الإداري أساساً، وإن عرفته ففي حدود بدائياته. كان للبحرين السبق في كل ذلك. اتسق نظامها الإداري التدريجي مع توجّه كانت حريصة عليه في فترات مبكّرة، وتحقق لها ذلك. وليس مستغرباً أن تعرف البحرين أول موازنة لحكومتها، تتضمن إيراداتها ومصروفاتها، وبالتفصيل، وضمن القطاعات التي كانت وقتها الرافد للدخْل. التعليم بين العام 1919 و العام 1924 قد قطع شوطاً عمره خمس سنوات، فكانت موازنة «المعارف»، والتي هي وزارة التربية والتعليم بمسمّى اليوم، وخُصِّص لها 48 ألف روبية، فيما كان نصيب الشرطة 120 ألفاً في الموازنة.

السنوات تُطوى سريعاً. كلما تطورت المجتمعات يظل نصيب الذاكرة شحيحاً؛ إلا قليلاً. التكنولوجيا والمعطيات الأخرى لا تترك للذاكرة لدى الأفراد الذين سيأتون بعد ذلك فرصة أن يكونوا على التصاق بذاكرتهم. يأخذ بهم كل ذلك إلى المستقبل. الماضي صفحة وطويت؛ أو يراد لها أن تكون كذلك.

كثير من أحداث التأسيس في بلادنا تظل مركونة هناك فيما تم رصده وتوثيقه في عدد من الإصدارات. وسائل التواصل الاجتماعي اليوم قلّصت من مساحة الإقبال على الكتاب، وحتى قبلها لم يكن الكتاب يحظى بالمكانة اللائقة؛ أو لم يكن يعرف اندفاع الناس نحوه بحيث يصبح توافره عسيراً.

الباحث والمؤرخ محمد خليل المريخي، وضمن نشاطه الذي كان دؤوباً، لا يترك تلك التفاصيل تتسلل من دون أن يسجّلها ويوثقها. يترك للذين سيأتون بعد سنوات فرصة أن يتعرفوا على زمن آبائهم وأحداثه، ذلك الذي صنعهم بطريقة أو أخرى، وشكّل وعيهم، وأصبح الأبناء والأحفاد بعد ذلك على ما هم عليه اليوم.

«أحداث طواها الزمن... رحلة مع الماضي»، فيه الكثير من تفاصيل ذلك الماضي، وتلك الأحداث التي صنعت الزمن البحريني في بدايات التأسيس، وتشكّل مؤسسات الدولة قبل أن تنال استقلالها بعقود طويلة، يوم أن كانت تحت الحماية أو ما يسمى «الانتداب البريطاني».

سيقتصر الاستعراض في الكتاب على تناول تفاصيل في الموازنة، والإيرادات، والجهات التي تشكّل مصدراً من مصادر رفد الموازنة والمصروفات الأخرى، في تلك الفترة الزمنية المبكرة من تاريخ البحرين، وبداية قيام المؤسسات فيها.

أقدم موازنة في تاريخ البحرين

تناول الفصل الأول من الكتاب موضوع الموازنة الأقدم في تاريخ البلاد بحسب ما توافر من بيانات لها، لكن يُفهم من خلال بعض المراسلات والردود عليها، وجود موازنات سابقة عليها.

كان ذلك في عشرينيات القرن الماضي، وتحديداً في 11 يوليو/ تموز 1924، وتكشف عن مستوى التنظيم الإداري المبكّر الذي عرفته البلاد وكانت سبّاقة فيه على دول المنطقة ربما بعقود طويلة.

تشير مذكّرة تحمل التاريخ آنف الذكر، مرفوعة إلى المعتمد البريطاني، الميجور ديلي، إلى المقيم السياسي في الخليج، تتصل بالموازنة التقديرية للعام 1924؛ بعد أن تم التصديق عليها من قبل نائب الحاكم سمو الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة.

وبحسب كتاب المريخي الذي صدر قبل 19 عاماً، ولا غنى عن استرجاع شيء من الذاكرة التي حوته، فبالنسبة إلى الإيرادات، تقول المذكرة: «إنها تتألف بصورة رئيسية من رسوم الجمارك بمختلف أنواعها وأشكالها بما فيها ضريبة الفرْضة، وضريبة البلدية... إلخ، وقدرها 10.20.000 ملايين روبية (عشرة ملايين وخمسة وعشرين ألف روبية). وفي تفصيل أبواب الموازنة نقف على الآتي:

10.20.000 ملايين روبية، الرسوم والضرائب.

75 ألف روبية، رسوم المحاكم.

1000 روبية، رسوم السيارات.

70 ألف روبية، رسوم الغوص.

2500 روبية رسوم تسجيل السفن.

36 ألف روبية، مساهمات البلدية لمصروفات شرطة حكومة البحرين.

10 آلاف روبية، تأجير الأراضي الحكومية.

370 ألف روبية، الفائض من موازنة العام 1923م - 1342هـ.

1000 روبية، إيراد الكرنتيلة (الحَجْر الصحي).

ويورد المريخي في الكتاب تفاصيل أكثر بالإيرادات نفسها، وهنا تتعلق بالإيرادات العامة، والمصروفات التقديرية المتوقعة للعام 1924 «منها مشروع المياه لمدينتي المحرق والمنامة بما يعادل 300 ألف روبية، ومشروع تكملة الواجهة البحرية، 5 آلاف روبية، ومشروعات الطرق وشراء الأراضي لغرض فتح طرق جديدة».

ومن بين التفاصيل تلك، مصروفات سفينة الطبيب، وهو «البوم» الذي كان يتنقل فيه الطبيب للمرور على بحارة سفن الغوص لعلاجهم، و48 ألف روبية للمعارف (التربية والتعليم)، فيما كان نصيب الأمن 120 ألف روبية (لا يحتاج أحد إلى ملاحظة أن مصروفات الأمن كانت لها الأولوية ومنذ وقت مبكّر، على التعليم والخدمات الصحية وغيرها!).

ولتفاصيل أكثر يورد الباحث محمد خليل المريخي الآتي: بنيت الإيرادات التقديرية على أساس 10 إلى 15 في المئة؛ أقل من إيرادات العام 1923، وبأقل أيضاً من معدل الثلاث سنوات الأخيرة؛ وذلك يرجّح وجود موازنة منذ العام 1919، ولم تتوافر بيانات أو وثائق عنها.

يمكن الوقوف من خلال الوثائق على أنه من ضمن الإيرادات لبعض الدوائر وقتها، يذهب جزء منها وخصوصاً من البلديات، لمصروفات موازنة الشرطة (أجور ورواتب... إلخ).

كانت مصاريف الشرطة المتواجدين في المنامة تدفع من قبل البلدية ووصلت وقتها إلى 2000 روبية سنوياً.

وتحت باب المصاريف، تدفع الحكومة منحة مالية شهرية تقدّر بنحو 1000 روبية لمدرسة الهداية الخليفية.

أول مشروع محطة كهرباء

في العام 1925، لم يتم إعداد الموازنة؛ بسبب غياب الميجور ديلي لقضاء إجازته السنوية! الموازنة كانت تمر بمرحلتين أو جزئين، جزء تتولاه مكاتب الحكومة في البحرين، والجزء الثاني يتم لدى دار الاعتماد البريطاني. ما حدث هو تحويل مبالغ من حسابات الموازنة وإيداعها في حسابات الودائع لحكومة البحرين لدى بنك لويد المتحد في بومبي.

تضمنت المصروفات للعام 1925، ضمن التقديرات، كلفة بناء قصر القضيبية، الطرق المواجهة للبحر، مكاتب الحكومة، حفر بعض الآبار الارتوازية، وتخصيص 100 ألف روبية كجزء أول لمشروع محطة الكهرباء.

ويشير المريخي في كتابه إلى أن مشروع محطة الكهرباء، تقدمت له شركة كلدرز كيبل للإنشاء التي رست عليها المناقصة، على أن يبدأ تنفيذ المشروع في سبتمبر/ أيلول 1928، بكلفة قُدِّرت بـ 20607 جنيه إسترليني «وقد اختير الموقع لتشييد المحطة في زاوية حديقة البلدية في المنامة، أما قوتها فستكون من ماكينتين كهربائيتين في بداية التشغيل، على أن تكون مُعدَّة لتزويد مدينة المحرق بالتيار الكهربائي».

وبالنسبة إلى «المعارف»، تم تخصيص 36 ألف روبية لها، فيما المصروفات الفعلية كانت في حدود12000 ألفاً؛ ليتم رصد المتبقي من المبلغ (24000 روبية) للتوسعات والمشروعات المستقبلية.

وورد في موازنة العام 1926، إضافة مبالغ خصصت لتعويضات أصحاب الأراضي التي تقتطع منها أجزاء لغرض فتح شوارع أو طرق جديدة.

في ذلك العام (1926)، وبحسب ما تشير إليه مذكرة مستشار الحكومة، تم تخطّي التوقعات في الإيرادات، بسبب استكمال بعض المشروعات للعام 1925.

الإيرادات (1929 - 1930)

قبل اكتشاف النفط كانت مصادر الدخل الرئيسة تأتي من رسوم الجمارك، من خلال حركة الواردات، وكذلك الرسوم التي يتم تحصيلها من الغوص، وهي متعددة، يضاف إلى كل ذلك «حسابات الودائع للحكومة في أحد بنوك بومبي (لويد بنك والبنك الشرقي)»، ومن بعد ذلك الإيرادات التي سُجِّلت بعد اكتشاف النفط، بحسب المريخي، إلا أن ذلك لا يدخل ضمنه احتياطي الحكومة الذي كان يُقدّر وقتها بـ 300 ألف روبية، في حين بلغت مصروفات الحكومة 16.32.576 مليون روبية في العام 1930، ومن ضمنها مبلغ 100 ألف روبية نقلت من حساب الاحتياطي المودع لدى البنك لحساب الحكومة.

المقيم السياسي في الخليج، سبق وأن تقدم باقتراح يدعو فيه إلى إعداد الموازنة لثلاث سنوات مقدّماً، وحالت دون ذلك، الصعوبة في كيفية ضبط المصروفات، إذا كانت بالكاد يتم ضبطها بحسب ما هو محدّد لها، وبالتالي يصعب الذهاب بعيداً في ذلك الاقتراح الذي سيخلق إرباكاً، وربما فوضى في التعاطي مع المصروفات.

الرسوم على الجوازات والمحاكم

يورد محمد خليل المريخي في كتابه، أن الحكومة بدأت في العام 1930 «تحصيل رسوم على الجوازات، ومن ناحية أخرى؛ فإن رسوم المحاكم هي الأخرى قد ازدادت عمّا كانت عليه من قبل؛ فقد بلغ مجموعها 24.600 ألف روبية» وكانت المحاكم وقتها تتألف من: محكمة البحرين، المحكمة الصغرى، المحكمة السنيّة، المحكمة الجعفرية، مجلس التجارة، محكمة أو مجلس الغوص، وكانت تتشكّل من عضوية كبار تجّار اللؤلؤ وهم، عبدالرحمن الزياني، عبدعلي بن رجب، وعلي بن صقر، إضافة إلى خليفة بوكيس، وكان يتقاضى راتباً عن عضويته، إضافة إلى المحكمة المشتركة.

وبالعودة إلى موازنة «المعارف»، فإنها، بحسب ملاحظة عابرة للمقيم السياسي البريطاني في الخليج، كانت قليلة ولا تتفق مع إيرادات الحكومة؛ فيما مصروفاتها بدأت في الازدياد والتوسع ارتباطاً بازدياد أعداد الطلبة، يضاف إلى ذلك، وصول المصروفات الخاصة ببعثة الحكومة إلى الجامعة الأميركية في بيروت إلى نحو 13 ألف روبية، بما فيها نفقات السفر.

إيرادات الكهرباء

بعد أن تم مدُّ الكهرباء إلى المحرق، بعد تنفيذ المشروع في 13 سبتمبر 1931، صار ذلك القطاع واحداً من الإيرادات التي ترفد الموازنة، وبلغت إيراداتها في ذلك الوقت 20.749 ألف روبية، بينما بلغت المصروفات 25.917 ألف روبية.

كلفة تشييد حجْر صحي

تضمنت مصروفات الصحة للفترة ما بين أبريل/ نيسان وديسمبر/ كانون الأول 1931، حتى الفترة المقابلة لها من العام 1931، مبلغاً تقديرياً وصل إلى 9000 روبية، لكلفة إنشاء «كرنتيلة» (حجر صحي) في منطقة حالة بوماهر (المنطقة الحالية لخفر السواحل)، وذلك لإيواء مرضى الجدري، وكان الموقع نفسه عبارة عن مكان إقامة لمجموعة من العائلات البلوشية، التي تم تعويضها بعد اختيار الحكومة للمكان.

عائدات النفط العام 1936

بدأت البحرين بدءاً من منتصف العشرينات في إصدار تقرير سنوي يتضمن إنجازات وأنشطة مختلف الدوائر الحكومية وقتها.

يشير التقرير السنوي للعام 1936، إلى عائدات النفط التي بلغت 31.650.000 مليون روبية، من مجموع إيرادات الحكومة والتي كانت في حدود التوقع ببلوغها 43.036.000 مليون روبية. كما يشير التقرير إلى زيادة في الإيرادات تلك، مقارنة بالعام السابق له، بوصولها إلى 24.089.000 مليون روبية، وذلك ما دفع بالاحتياطي العام إلى الزيادة بوصوله إلى 200 مليون روبية، مع الإشارة إلى أن فائض الموازنة للعام 1936 بلغ 600 ألف روبية.

كتاب يعيدك إلى الزمن الجميل. زمن التأسيس وزمن الريادة في كثير من قيام القطاعات وتنظيمها.

احتوى الكتاب في موضوعاته على عدد من التناولات من بينها: المرور قديماً، المشروعات البلدية، الهاتف ومصانع الثلج، الزراعة والتطوير، مكافحة الأوبئة، آثار الحرب العالمية الثانية، بداية الشرطة، افتتاح مستشفى النعيم، تواجد القوات البريطانية والهندية في البحرين أثناء الحرب العالمية الثانية، عهد الخمسينيات، وتناول فيه إحصاء النفوس، عام المشروعات والتطورات، وأهم الإنجازات بإصدار الدينار البحريني بدلاً من الروبية الهندية في ستينيات القرن الماضي، وغيرها من الموضوعات.

سوق الطواويش بالمنامة في الثلاثينات
سوق الطواويش بالمنامة في الثلاثينات
العيادة الطبية المتنقلة فترة العشرينات من القرن الماضي
العيادة الطبية المتنقلة فترة العشرينات من القرن الماضي
مولِّدات الديزل لمحطة الكهرباء في رأس رمان أواخر الثلاثينات
مولِّدات الديزل لمحطة الكهرباء في رأس رمان أواخر الثلاثينات

العدد 4481 - السبت 13 ديسمبر 2014م الموافق 20 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً