العدد 4486 - الخميس 18 ديسمبر 2014م الموافق 25 صفر 1436هـ

توافق استراتيجي... السواحل في موقع الحدث

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

السواحل في حوض الخليج العربي معلم بيئي واجتماعي ومعيشي واقتصادي وسياحي وصحي أيضاً، وتشكل الأحداث التاريخية التي شهدتها مياهه الدافئة مؤشراً حضارياً لتطور المجتمع الخليجي، وتختزل كثبانها محطات تاريخية مهمة لمسيرة النشاطات البشرية والأنشطة ذات الطابع المعيشي والإنساني للمجتمعات المحلية، وعرفت مياهها حراكاً مجتمعياً نشطاً وكانت مصدراً استراتيجياً، اقتصادياً ومعيشياً للمجتمعات القاطنة على ضفافه. وهي بذلك تشكل مقوماً رئيساً واستراتيجياً في منظومة الأمن الاجتماعي.

والسواحل في الخليج العربي تتوافق في خصوصيتها التاريخية والتراثية والاجتماعية، وتمثل ثروة حضارية ووطنية، وعند زيارة السواحل في بلدان دول مجلس التعاون يمكن تبين حقائق ذلك التوافق. ومن خلال جولاتنا الميدانية والاستطلاعية ضمن نشاطنا المهني، التطوعي والوظيفي في سواحل كلباء وخورفكان والخان بإمارة الشارقة، وجدنا العلائم التي تحمل الخصوصية التاريخية والإجتماعية ذاتها للسواحل في بلادنا البحرين، وتتمثل تلك الخصوصية في مشاهد نشاط البحارة على شاطئ خورفكان وكلباء، ومقرات جمعية الصيادين في كلباء ومنطقة الخان في مدينة الشارقة الذين التقيناهم وتحدّثنا إليهم عن قرب في نادي الصيادين الذي شيد بتوجيهات حاكم الشارقة. وتلك المشاهد عادت بذاكرتنا إلى أيام الزمن الجميل عندما كان البحارة في قريتنا باربار، في حركة متواترة على الساحل، وتذكرنا بالعريش بجانب النخيل الأربع التي لاتزال باقية على الرغم من قسوة الزمن، وذلك العريش التراثي الذي على الرغم من بساطته كان بمثابة النادي الذي يجمع الصيادين حيث يلتقي فيه البحارة ويتسامرون ويبحثون قضاياهم المهنية ويتبادلون الأفكار حول عملهم البحري.

التوافق التاريخي والاجتماعي والاستراتيجي أكدت حضوره التوجيهات والقرارات التي تبنتها قيادتا الإمارات والبحرين في فترة متقاربة لتطوير السواحل وصون نظامها البيئي والارتقاء بقيمتها الجمالية والاجتماعية والسياحية، وبمستوى مواصفاتها الخدمية والحضرية، ويتمثل ذلك في المشروع الذي اعتمدته «لجنة متابعة تنفيذ مبادرات رئيس الدولة» في الإمارات، بشأن حماية وتطوير شاطئ كلباء الذي يمتد طوله 7.7 كيلومترات ابتداء من حدود مدينة كلباء مع مدينة الفجيرة وحتى خور كلباء بتكلفة 200 مليون درهم. المشروع من المشاريع الاستراتيجية المهمة ويعد تجسيداً للاستراتيجية الوطنية للبيئة وأهداف التنمية المستدامة، وتتضمن أعماله إنشاء كواسر صخرية على شكل أصابع تمتد 50 متراً داخل البحر، وتكون محميةً بأحجام مختلفة من الصخور بجانب جرف، وتصدير 2.5 مليون متر مكعب من الرمال الشاطئية بمواصفات عالية خالية من المواد العضوية والحصى لوضعها بين الكواسر. وروعي في التصميم حركة الموج وارتفاعه خلال الأعاصير، وحركة الرياح بجانب مراعاة عدم التعرض لمرفأ الصيادين ومدخل الخور جنوب المدينة.

البعد البيئي والاجتماعي يشكل ركيزة محورية في منهجيات المشروع حيث ترتكز أهدافه في حماية الشاطئ من الفيضانات خلال العواصف والأعاصير البحرية الموسمية، إضافةً إلى حماية رمال الشاطئ من الانجراف بسبب التيارات البحرية المارة قرب الشاطئ، وتأمين أماكن ترفيهية لسكان المنطقة كالمساحات الخضراء والحدائق.

توجيه ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة بتفعيل توجيهات صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بتطوير السواحل العامة وتوفير المزيد من الأماكن والخدمات للمنفعة العامة التي تكون متنفساً للمواطنين والمقيمين، واتخاذ الخطوات التنفيذية اللازمة بدراسة إنشاء مشروع كورنيش عام وفق أحدث التصاميم التخطيطية والمعمارية يجسد أيضاً البعد الاستراتيجي لتنمية السواحل وصون معالمها البيئية وتعزيز فوائدها الاجتماعية. التوجيه ترك صدى إيجابياً على الجمعيات المهتمة بالشأن البيئي، ودفع جمعية البحرين للبيئة إلى الإشادة بمبادرة ولي العهد في تحفيز جهود العمل المؤسس لصون بيئات المناطق الساحلية، وجرى الإشارة في التصريح الذي نشرته عدد من الصحف المحلية إلى أن «ذلك يعزز مسار النهج الموجه لإنجاز أهداف الاستراتيجية الوطنية للبيئة في شأن صون البيئات الساحلية وتفعيل جهود العمل البيئي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وأن تشمل إجراءات تنفيذ التوجيهات جميع السواحل»، ويجري التأكيد على «أن التوجيهات تمثل خطوة مهمة لتعزيز مقومات نهج التطوير الحضري والبيئي للسواحل وترسم اتجاهات فعلية لوضع خارطة الطريق لبناء استراتيجية وطنية ترتكز على أهداف موجهة ومؤسسة في بعدها التنموي والبيئي ينبغي أن تؤسس لمنهج قويم في تبني السياسات الموجهة لحماية السواحل».

المجتمع المحلي والبحارة والمجتمع المدني محور اهتمام جمعية البحرين للبيئة، ويجري التأكيد على ضرورة الاستفادة من هذه القطاعات في تنفيذ دراسة ميدانية لتنمية السواحل «تراعي الخصوصية الاجتماعية والبيئية للسواحل والتي يمكن بموجبها وبناء على مخرجاتها العلمية، وضع خطة تنفيذية للتطوير الحضري والتأهيل البيئي للسواحل، وتضع في اعتباراتها المظهر الجمالي والحضاري وتشييد المرافق الرئيسة التي توفر الظروف الملائمة لنشاطات الترفيه الاجتماعي والأنشطة البحرية، وتسهم في تحفيز مساهمات البحارة في الأنشطة التنموية وجهود صون البيئات الساحلية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة».

ينبغي التأكيد على أنه لضمان استدامة بيئات السواحل، العمل على إصدار تشريع خاص يضع الضمانات القانونية في تحويل السواحل إلى إرث وطني ووقف للأجيال، ويحرّم التدخل في نظامها البيئي وتغيير معالمها البيئية ويحضر امتلاكها للأغراض الخاصة.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4486 - الخميس 18 ديسمبر 2014م الموافق 25 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 7:53 ص

      مقال رائع

      فلو يسمح لك المجال بالكتابة بالأعمده بيومين بالإسبوع أستاذ فسأكون لك من الشاكرين ... لكوننا نعيش في مملكة البحرين وثقافتنا عن موضوع البيئة قليل بالنسبة للدول الأخرى

    • زائر 1 | 3:33 ص

      يا اخي قد اسمعت لو ناديت حيا

      نريد اماكم للحداق و صيد السمك محترمه مو كل مكان ممنوع و وادا مسموح تراك ما تقدر تقعد من الصخور و خطرها ليش ما يسوون منصات مخصصه للحداق و هوايته ليش ما يفتحون السواحل و جسر الحد مثال عليها

اقرأ ايضاً