العدد 4490 - الإثنين 22 ديسمبر 2014م الموافق 30 صفر 1436هـ

الحاجة إلى علم النفس الإيجابي

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

كان أسلافنا في الماضي يعيشون نمط حياة متسقة، حياة واحدة من البداية إلى النهاية، لا ارتفاع فيها ولا انخفاض، لا اضطراب ولا خطر، حياة الهموم الصغيرة، والتحولات التي لا تكاد تُلحظ. لقد حمل الماضي الرتيب حياة الناس من المهد إلى اللحد في إيقاع منتظم هاديء وبطيء، عاش فيه الناس في البلاد ذاتها، وفي القرية أو المدينة ذاتها، وفي المنزل ذاته في أغلب الأحيان.

أما في عالمنا اليوم، فلا شيء يدوم طويلاً، عالم غير آمن، هش وسريع بصورة مرعبة، الأشياء فيه تنتهي صلاحيتها، ومشاهد الحياة سريعاً ما تنقضي وتذهب وتأتي غيرها في إيقاع سريع متبدل ومخيف ومشحون بالمفاجآت.

عالم شديد الاضطراب، غارق في حروبه ونزاعاته، متقارب متجاور متراص، تنتقل فيه الأحقاد والكراهيات والدعوات الهدّامة في سلاسة ويسر وبسرعة وصول السلع الرخيصة وانتقالها بين الحدود والأوطان.

فكيف يجد المرء اطمئنانه النفسي في عالمٍ مشحونٍ بالتوتر وضغوط الحياة؟ وصفة جديدة يقترحها الأكاديمي اللبناني مصطفى حجازي، الباحث المشغول بتحليل سيكولوجيا المواطن العربي في كتابه الجديد «إطلاق طاقات الحياة» (دار التنوير)، وتتمثل في اقتراح «علم النفس الإيجابي» يفنّد فيه أثر القمع والاستبداد في تذويب إمكانات الفرد، مقترحاً الوعي والسعادة والإيجابيّة كحلول ممكنة.

الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية يتصدّى في كتابه لمفهوم «العجز المتعلَّم»، إذ يتعلّم الناس في مجتمعاتنا وسط مناخ من السلبية، والمزاج المكتئب، ومشاعر انعدام القيمة، وفقدان تقدير الذات، ما يؤدّي إلى بروز ردود فعل عدوانيّة، ومشاكل إنتاجيّة في الدراسة والحياة، أو مواقف هروبيّة وتجنبيّة. يتجاوز هذا الشعور بالعجز الأفراد، ليتفشّى في المجتمعات، مشيعاً مظاهر فقدان السيطرة والاستسلام.

ولمواجهة هذه المشاعر، يتعيّن على الذات المُدمَّرة – بحسب حجازي - الغوص في عملية استقصاء كياني للإمكانات ونقاط القوة الكافية للمجابهة، وصولاً إلى امتلاك حريّة ذاتية جوّانية ترفض المرجعية الخارجية القامعة ليعيش الفرد إرادة حياته، ويتحمّل مسئولية صناعتها.

الإنسان بحسب حجازي «يحتاج إلى الإيمان بالقدرة على الفعل التغييري الذي يخرجه من فخ العجز المتعلم، واجترار مشاعر الرضوخ لقدر مفروض. الفاعلية الذاتية ليست سمة شخصية موروثةً، وإنما هي تبنى تدريجياً منذ الطفولة مع تكرار التجارب الناجحة طوال الحياة، وما تولدّ من تعزيز ذاتي، واكتساب الثقة بالقدرة على الفعل ومواجهة التحديات والمستجدات».

لا يكتفي حجازي برفع شعار التفكير الإيجابي والتفاؤل الدائم انطلاقاً من إيمانه بقدرات الناس على العطاء، بل يقدّم وبشكل معمق الإيجابيات الكامنة في الروح الإنسانية وكيفية إطلاقها والتأسيس عليها. إذ يرى بأن السلبيات هي معوقات لا يجوز التركيز عليها، لأنها من طبيعة العمل، كما أن القصور من طبيعة البشر، وبإتاحة المجال للمبادرات الفردية المعطاءة وتحمل المسئولية نتجاوز المعوقات البشرية والمادية.

يقول الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي (ت 1934):

والناسُ شخصانِ: ذا يسعى به قدم من القنوطِ، وذا يسعى به الأملُ

الأطروحة الرئيسة لعلم النفس الإيجابي كما يعرض لها صاحب الكتاب، تتمثل في «مجابهة هيمنة أطروحات علم النفس المرضي التقليدية، من خلال التركيز على الإيجابيات وتنمية جوانب القدرة والفاعلية الذاتية والجماعية في الحياة. ذلك أن علاج المرض، على أهميته، لا يؤدي بالضرورة إلى التغلّب عليه، بل إن المطلوب هو كشف الإمكانات الإيجابية والطاقات الحية واستثمارها في بناء نوعية حياة جديرة بالعيش».

يعرض المؤلف علم النفس الإيجابي بوصفه «فرعاً جديداً من فروع علم النفس لازال في بدايته التي لم تتعد عشرين سنة (ظهر في سنة 1998 على يد رئيس الرابطة الأميركية لعلم النفس الإنساني مارتن سليغمان)، ويسعى هذا العلم إلى اكتشاف الإيجابيات وأوجه الاقتدار وتنمية الإمكانات لدى الفرد والجماعة، وقد نشأ كردٍّ على المبالغة في التركيز على أوجه الاضطرابات النفسية والعقلية، خصوصاً في علم النفس المرضي الذي حوّل علم النفس عموماً في أذهان الناس، إلى مرادفٍ لما هو غير طبيعي وغير سوي، مع تجاهل أوجه القوة والعافية وطاقات النماء والانطلاق».

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4490 - الإثنين 22 ديسمبر 2014م الموافق 30 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 7:57 ص

      علم النفس الإيجابي المفقود

      فعلاً أستاذ وسام موضوع مقالك يبث الجانب الايجابي والتفاؤل والتحكم في العمليات العقلية,حب التعلم والتفتح المعرفي,الشعور بالرضا,التقبل الايجابي للاختلاف عن الآخرين,السماحة والأريحية ,الذكاء الوجداني,التقبل الغير مشروط بالذات,وتقبل المسؤولية الشخصية.

اقرأ ايضاً