العدد 4497 - الإثنين 29 ديسمبر 2014م الموافق 07 ربيع الاول 1436هـ

الإرهاب وثقافة قطع الرؤوس... الجذور!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

الحديث عن الإرهاب قديم ولكنه ازداد كثيراً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة. والحديث عن قطع الرؤوس وما تلاه من تعليقات على تلك الأفعال وبشاعتها بدأ مع «داعش» (الدولة الاسلامية)، التي قامت بعدة عمليات قطع كان بعضها مصوراً وتم عرضه في بعض القنوات التلفزيونية ولقي استهجاناً كبيراً من الجميع نظراً لبشاعته، وأيضاً لمخالفته قواعد الشرع وضوابط الأعمال الإنسانية المعروفة.

حاول الأميركان وبعض مؤيديهم من الغربيين ومن العرب أيضاً، ربط هذه الثقافة المتوحشة (ثقافة قطع الرؤوس) بالمسلمين، وادّعوا أن المسلمين وحدهم هم من يمارس هذه الأعمال الوحشية، وقد استغلوا ما قامت به «الدولة الاسلامية» عندما قطعت بعض الرؤوس علناً أسوأ استغلال، حيث ربطوا الإرهاب بكل مساوئه بالمسلمين. وأعتقد أن قطع تلك الرؤوس هو الذي ساعد أميركا كثيراً على حشد عدد كبير من الدول لحرب «داعش» كما قالوا!

لكن التاريخ ووقائعه وأحداثه تؤكد أن الأوروبيين والأميركان هم من بدأ ومارس تلك العادات السيئة، وهم أيضاً من مارس الإرهاب بكل تفاصيله وأنواعه؛ وقد أشار نعوم تشومسكي، وهو واحد من أكبر علماء أميركا وفلاسفتهم، بل هو ظاهرة عالمية بحسب وصف «نيويورك تايمز»، وهو أميركي يهودي ولكنه يميل إلى الانصاف والواقعية ولهذا فهو غير محبوب في بلده وأيضاً في «إسرائيل»، يقول تشومسكي إن أميركا بلد إرهابي بحسب تعريفها للإرهاب، فهو «التهديد أو استخدام العنف لتحقيق غايات سياسية أو دينية أو غير ذلك من خلال تخويف الناس ونشر الخوف في صفوف المدنيين وما إلى ذلك». ويضيف: «عندما نقارن بين ما تفعله أميركا عسكرياً في العراق وأفغانستان واستخدامها فلسفة (الصدمة والرعب) وبين ما تفعله حليفتها «إسرائيل» سنجد أنهما يمارسان الإرهاب بطاقته القصوى ضد المجتمعات والشعوب في العالم».

والمعروف أن أميركا مارست حرباً شرسة ضد الفيتناميين وقتلت منهم عشرات الآلاف. وفعلت الشيء نفسه في العراق وفي أفغانستان، كما أنها ساهمت مع «إسرائيل» في قتل آلاف الفلسطينيين، ومازالت تدعمها لقتل الشعب الفلسطيني وقلعه من أرضه! وأميركا فعلت كل ذلك بحجة محاربة الإرهاب والعنف في العالم. والكل يدرك أن ما تقوله أميركا لا صحة له على الإطلاق؛ وإلا لماذا صمتت عن جرائم بشار الأسد وكذلك جرائم الصهاينة في غزة وغيرها من الجرائم التي يتعرض لها المسلمون في أماكن كثيرة؟

ويروي جون سمث، وهو واحد ممن ترجم ما كتب عن أفاعيل الأميركان بالهنود الحمر (سكان أميركا الأصليين) وذلك خلال معركة «ساند كريك»، فقد ارتكب الجنود الأميركان أفظع مجزرة في الهنود الحمر حيث هشموا جماجمهم وسلخوا جلودهم وقلعوا أدمغتهم، كما بقروا بطون الحوامل وعذّبوا الأطفال وفصلوا الرؤوس عن الأجساد! ومع هذه الوحشية فقد احتفل الأميركان بهذه المجزرة وأشاد بها الرئيس الأميركي تيودور روزفلت وأثنى على شجاعة جنوده، واعتبر أن القضاء عليهم ضرورة ملحة!

وكما تحدث التاريخ عن فظائع الأميركان فقد تحدّث أيضاً عن فظائع الفرنسيين زمن احتلالهم للمغرب العربي، فعندما دخلوا قرية اكواري في إقليم مكناس قطعوا رؤوس الأهالي وكانوا يضعونها على شاكلة رؤوس الحيوانات التي يصطادونها، وقد عملت فرنسا من صور هذه الرؤوس طابعاً بريدياً، وكان ذلك في العام 1949، وفي العام 1957 كرّر الفرنسيون فعلتهم الشنعاء ولكن هذه المرة كانت في الجزائر حيث كانوا يقطعون رؤوس الجزائريين ويلتقطون صوراً لهم وهم يحملون بعض تلك الرؤوس! وقد شارك الأسبان في حفلات قطع الرؤوس وكان ذلك مع المغاربة وكانوا يحملونها بأيديهم بعد قطعها!

إذاً ثقافة قطع الرؤوس بدأها الأميركان والغربيون وعلى نطاق واسع وبتشجيع من حكوماتهم، وأما الدواعش فقد كانوا تلامذة صغاراً على موائد الأميركان والغرب، كما أن أفعالهم وجدت استنكاراً كبيراً من المسلمين بعكس ما كان موجوداً عند دعاة حرب الإرهاب قديماً وحديثاً؛ فقد توغل أولئك في الإجرام وبكل صنوفه؛ قتلوا وقطعوا الرؤوس وبقروا بطون الحوامل واغتصبوا النساء وفعلوا أكثر من ذلك؛ ولم يتوقفوا عن ارتكاب فظاعاتهم حتى الآن. إن حصار العراق زمن صدام تسبّب في موت حوالي مليون طفل، كما أن حصار غزة حالياً تسبب وسيتسبب في موت الآلاف، فوق أن الأمراض والفقر والبطالة ستصبح هي الأصل في غزة، يحدث كل ذلك برضا ومساعدة الأميركان وبعض دول الغرب! ألبس هذا إرهاباً بكل معنى الكلمة؟ أليس قتلاً للأبرياء؟ هو كذلك كما قال نعوم تشومسكي: «إن القتل الغاشم للمدنيين الأبرياء هو إرهاب وليس حرباً على الإرهاب».

الأميركان وحلفاؤهم بيدهم مكاييل عدة، وهم يكيلون بحسب أهوائهم؛ فالذي لا يوافق أهواءهم فهو إرهاب يجب محاربته وحشد الآخرين ضده، أما الذي ينسجم مع مخططاتهم وأهوائهم فهو عمل جليل يستحق الإشادة والتبجيل، وذلك على غرار دفاعهم عن جرائم الصهاينة في غزة، وصمتهم عن جرائم بشار الأسد وما شابه ذلك من الجرائم التي يغضون الطرف عنها أو يقفون مع فاعليها. أما الحجج والتبريرات فهي جاهزة، وما على الآخرين إلا القبول والسير في ركاب الأميركان!

لا نعذر «الدواعش» على ارتكاب المجازر بأي صورة، ولكننا لا نقبل القول بأن الإسلام دين الإرهاب، ولا بأن المسلمين أرهابيون، لأننا لو أجرينا مقارنة سريعة بين ما فعله الغرب والأميركان وبين ما فعلته «داعش»، لوجدنا أن الفارق هائل بين الاثنين؛ ستكون «داعش» مجرد تلميذ صغير مبتدئ أمام الإرهاب الغربي والأميركي! ومع هذا كله لم يقل المسلمون إن الديانة النصرانية ديانة إرهابية، ولم يقولوا أيضاً إن كل الغربيين وكل الأميركان إرهابيون، وهذا يؤكد أن المسلمين أكثر إنصافاً واعتدالاً من غيرهم.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 4497 - الإثنين 29 ديسمبر 2014م الموافق 07 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 8:35 ص

      الاجتهاد قبال النص

      ربما الكاتب يجد ضرورة للاجتهاد قبال النص ، لأن لدينا في النص بأن رسول الله (ص) عندما استسلم له بنو قريظة قام بربط رجالهم بالحبال و امر المسلمين بقطع رؤوسهم و تم إلقاءهم في خندق و دفنوا فيه ، و ذكر التاريخ بأن عددهم بين الـ 800 و الـ 600 رجل بينهم من كانت اعمارهم لا تتجاور الاربعة عشر ربيعاً ، و هذه المسألة بإجماع السنة و الشيعة ، تفسير القمي و تفسير الميزان للشيعة يذكر هذه القضية في تفسير سورة الاحزاب و كذلك كل التفاسير السنية تقريباً.

    • زائر 15 | 5:17 ص

      انهم

      انهم سلالة الشمر الذى قطع راس سيدنا الحسين عليه السلام وهم من كم يوم اعلنو الدواعش الكفار لن يهدا لهم بال حتى تقطيع جميع الشيعة الموجودين فى الكون لاكن نحن الشيعة نقول لهم نحن ابناء علي لانخاف من الموت مهما فعلتون فنحن تعودنا من خلقنا على الظلم اشرى مو عليكم الشرى على الي يعطيكم ا.... ويحاربون داعش وهم كذابين المشتكى لله

    • زائر 14 | 3:49 ص

      دعوة القراءة التاريخ

      اقرأ تاريخ الكشوف الجغرافية واعرف من بدأ بقطع الرؤوس

    • زائر 13 | 2:06 ص

      اذا

      اذا كما ادعيت بان الغرب هو من بدأ بقطع الرؤس وهم كفره بنظر المسلمين فهل عندما يلقون انفسهم في النار نلقي انفسنا بالنار. الخطأ خطأ ولاتقول هم من بدؤا وثم نحن بدئنا ..فالحرام حرام ولايبيح حرام الا عند الخوارج والكفره

    • زائر 12 | 1:21 ص

      مرة اخرى في خلط الأوراق والهروب الى الأمام

      بشار الأسد ... فهو الممانع الوحيد مع كل هؤلاء ...الذين حاولوا إسقاطه عبر مساندتهم لكل الافاقين،لكنهم فشلوا...هم أساس الإرهاب يا رجل !.....الفكر .... أمد هؤلاء الفسقة بممارسة كل ما حرمه الله من جرائم ومنها قطع الرؤوس ونكاح الجهاد وسبي واغتصاب النساء والتعدي على المسيحيين وهدر دمهم وقتلهم وتشريدهم...مارسوا الزنى مع كل من يختلف معهم كما فعلوا مع الايزيديين...قتلوا علماء الدين من السنة...اما امريكا فهي أكثرهم إرهابا ،فهي من سلحت الدواعش بطريقة او اخرى.

    • زائر 10 | 12:51 ص

      لا داعي لالقاء اخطائنا على الاخرين

      ان ثقافة قطع الرؤوس هي إسلامية وأوروبية وامريكية بامتياز وكتب التاريخ زاخرة بالقصص الرهيبة وهذه ربما سمات الفترات الزمنية التي سادت فيها هذه الأفعال الشنيعة ولكن لا مبرر لهذة الوحشية في هذا الزمن المتطور وعصر العلم والتكنلوجيا والآداب المتطوره للتبرير لعصر الكهوف او التغطية على الاعمال الهمجية لهذة المجموعات المتوحشة التي تعيش خارج زمنها وواقعها

    • زائر 11 زائر 10 | 1:07 ص

      حكمة

      لو نظر الناس الي عيبهم ما عاب انسان علي الناس.
      تاريخ الشرق اقدم من الغرب و يزخر بقطع الرؤوس.

    • زائر 9 | 12:43 ص

      الإرهاب وثقافة قطع الرؤوس... الجذور!

      تعرف يا استاذ وين الجذور ؟؟؟ انا اعلمك ( الجذور هي عند الشمر بن ذي الجوشن ) من قطع رأس اشرف واطهر من انجبت البشرية ابن بنت رسول الله ( الأمام الحسين ) عليه السلام ، هناك الجذور .

    • زائر 8 | 12:22 ص

      البشر و تاريخهم المأساوي

      الحيوان الوحيد الذي يقتل بني جنسه كممارسة مقبولة و دائمة هو هذا الانسان. اخترع لجريمته اسماء مختلفة. كان قديما يبذل جهدا جسديا لذبح بني جنسه. حيث كان يجب ان يصرعه ثم يذبحه. اليوم بطلقة واحدة عن بعد ينفذ جريمته. لم تتغير الفكرة و لم يتغير الانسان. حصل في كل مكان.

    • زائر 7 | 12:13 ص

      مثقفينا والارث التاريخ

      هناك الكثير من الكتاب والمثقيفن العرب من حملة الدكتوراه وما فوق ومن جميع الاطياف مطوقين انفسهم بجدار الماضي والإرث التاريخي والمقدس الديني لدى مجتمعاتهم ولايستطيعون كسر هذا الطوق سواءً خوفا من المجتمع اورجال الدين او حتى السلطات فتراهم يلفون ويدورون حول انفسهم ويبحثون ويؤلفون ويقدمون رسائل دكتوراه ولكنهم وللأسف لايستطيعون كسر هذا الطوق الموروث فارجلهم ربطت بالموروث ولهذا يجب علي اهل الفكر ان يتجردو من التعصب الديني والقبلي وان يقدمو فكرا نضيفا اذا ارادو تغييرا حقيقيا

    • زائر 6 | 11:45 م

      لا تقلل ابدا

      لا تقلل ابدا مما فعله اولئك القتلة المجرمون وباسم الدين فلا يوجد اي فارق. القاتل قاتل في جميع الاديان وعند رب السموات

    • زائر 3 | 10:22 م

      وين عايش يا الهرفي

      نسيت قبل 1400سنة تقريبا مافعلته دولة بني أمية بسيد شباب الجنة الإمام الحسين من قطع رأسه مع 72وسبعين من أصحابه ترى الدواعش أتوا بمثل هذه الأعمال من الأجداد ياحجي .

    • زائر 2 | 9:54 م

      فلنكن واقعيين

      علاقة الامريكان بالهنود الحمر و الفرنسيين بالمغاربة جاءت بعد الاسلام و ليست قبله و لكن ممارسة قطع الرؤوس كانت كذلك قبل الاسلام، و المشكلة عندما نعتبر هذه النصوص الدينية مقدسة سارية المفعول إلى يومنا هذا، فنطبق ما قام به المسلمون مع اسرى بني قريظة مع الاسرى في هذا العصر و هي مسألة خطيرة جداً ، و لذلك يرى بعض الباحثين أن المطلوب اعتبار هذه النصوص تاريخية و ليست سنة مطلوب منا عملها ، و المفكر الاسلامي محمد شحرور اعتبر آيات القتل و القتال تعليمات خاصة بالنبي و لا تلزمنا.

    • زائر 1 | 9:48 م

      بشار

      بشار الاسد سم ضروسك

اقرأ ايضاً