العدد 4498 - الثلثاء 30 ديسمبر 2014م الموافق 08 ربيع الاول 1436هـ

قضايا خليجية ساخنة... من الملف الإيراني إلى المدفع الأميركي المفكّك

إحدى جلسات المؤتمر بمشاركة خليجية واسعة
إحدى جلسات المؤتمر بمشاركة خليجية واسعة

تضمنت جلسات المؤتمر السنوي الثالث لمراكز الأبحاث العربية الذي نظمه «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» في الدوحة، الكثير من النقاشات الساخنة حول أوضاع الخليج والعمالة الأجنبية والعلاقات مع إيران وتراجع النفوذ الأميركي، انتهاءً بالحرب المعلنة على تنظيم «داعش» الذي بات يطلق تهديداته في مختلف الاتجاهات.

المؤتمر الذي عقد تحت عنوان: «دول مجلس التعاون الخليجي: السياسة والاقتصاد في ظلّ المتغيرات الإقليمية والدولية»، (6 - 8 ديسمبر/ كانون الأول 2014)، حضره أكثر من 200 باحث ومفكر وإعلامي. وفي جلسة أدارها شملان العيسى (الكويت)، أثار مصطفى أبو الخير (مصر) الوضع القانوني للجزر الثلاث المتنازع عليها بين دولة الإمارات وجمهورية إيران في ضوء أحكام القانون الدولي العام، وأهميتها الاستراتيجية، فمن يتحكم فيها يتحكم في الملاحة في الخليج. وطالب إيران بعدم تغيير ديموغرافية الجزر، وعدم اعتبار مواطني الجزر «الأصليين» مواطنين درجة ثانية، معتبراً الإجراءات الإيرانية مخالفةً للقانون الدولي ومبادئ المؤتمر الإسلامي وميثاق الجامعة العربية.

تراجع أميركي مقلق

الباحث الكويتي عبدالله الشايجي طرح الحاجة إلى إعادة مقاربة للعلاقة الخليجية الأميركية، مع عدم تقدير إدارة أوباما للدور الخليجي، ويخشى أن يستمر ذلك لدى الإدارات الأميركية المقبلة. وبما ان إدارة أوباما تبدو متراجعة في كثير من القضايا الدولية، فإن أعداءها يستغلون نقطة ضعفها هذه، كما فعلت روسيا في قضمها لأوكرانيا.

ويضيف الشايجي أن الكثير من الأمور تغيرت منذ قمة الكويت (2013)، وأهمها تحوّل أميركا إلى الدولة الأولى في إنتاج النفط منذ الصيف الماضي، ما سيؤثر على العلاقات مع الخليج، فضلاً عن ظهور «داعش» والتقارب الأميركي الإيراني، خصوصاً حول الملفين العراقي والسوري، مذكّراً إلى رسالة أوباما للمرشد السيد علي الخامنئي التي دعاه فيها لمحاربة «داعش»، وتساءل: هل غيرت إيران عقيدتها عن الحسين والمقاومة إلى عقيدة الحسن والمصالحة؟

وأضاف: «لقد تحوّل الخليج الآن – بعد الربيع العربي- إلى القلب بعد أن كان يعتبر من الأطراف، ونحن نعيش في إقليم عربي بدون نظام، ومجلس التعاون غير قادر على تحقيق أمن جماعي يمنع ويردع الخصوم، كما لم نر أية آثار لدعوة السعودية للاتحاد». وشدد على أن الخليج يدرك أن اميركا متراجعة، ولكنها ستبقى مسيطرة على الأمن خلال السنوات العشر المقبلة، وتنظر إلى إيران كدولة قوية، وقد تعاملت معها مرتين: عند تحرير الرهائن وفي صفقة الكونترا، والآن وقت الصفقة الكبرى حول الملف النووي، بينما تتعامل مع الخليج كثلاث كتل: قطر، وعمان/ الكويت، والثلاثي السعودية والبحرين والامارات. وانتقد عمان قائلاً: لقد خدعنا، فقد كانت هناك مفاوضات تدور وراء ظهورنا وفي دولةٍ منا، ولم نكتشفها إلا بعد سبعة أشهر».

الرد العماني

الرد قدّمه أستاذ قسم التاريخ في جامعة السلطان قابوس، محمد المقدم، بحديثه عن تاريخ العلاقات العمانية الإيرانية، حيث لعب الموقع الجغرافي للبلدين دوراً في إقامة علاقات جيدة لآلاف السنين. إلا أن العلاقة حديثاً بدأت منذ تولي السلطان قابوس الحكم في 1970، في إطار سياسة تحديث البلاد وتوسعة علاقاتها مع الدول المجاورة، واستهلها بزيارة تاريخية في العام نفسه، فيما بعثت إيران أول سفير لها إلى مسقط العام 73، وعينت مسقط قائماً بالأعمال في طهران، حيث اشترك الجانبان في مواجهة المد القومي اليساري الذي انطلق في ظفار.

بعد الثورة الإسلامية في إيران، كما يقول المقدم، أرسلت عمان رئيس وزرائها فهد بن محمود ليلتقي الإمام الخميني في مدينة قم، وأشار إلى أن عُمان كانت في مقدمة الدول التي تشارك إيران في جميع مناسباتها. كما كان لها موقف مستقل في الحرب العراقية الإيرانية، حيث التزمت الحياد، ورفضت استخدام أراضيها لشن هجوم عراقي على إيران من أراضيها، مع الدعوة لإيقافها واللجوء للمفاوضات. كما تميّزت عمان برفض جميع الدعوات الخاصة بقطع العلاقات مع إيران وعزلها دبلوماسياً. ومع انتهاء الحرب شهدت العلاقات بينهما منحى تصاعدياً في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية.

وأشار الباحث العماني إلى زيارة الرئيس السابق محمد خاتمي لعمان، كانت الأولى لدولة عربية، ووقعت خلالها عدة اتفاقيات، وفازت شركة «مشروعات» الإيرانية بعمل محطة للطاقة. وازدادت العلاقات نمواً بعد وصول أحمدي نجاد للرئاسة، وزار رئيس الوزراء العماني طهران عدة مرات، كما زار السلطان قابوس إيران بعد فوز الرئيس حسن روحاني، في أول زيارة لرئيس عربي بعد انتخابه، وبالمثل قام بأول زيارة لبلد عربي إلى عمان. وأشار المقدم إلى أن عُمان كانت تسعى دائماً لتهدئة الأجواء في منطقة الخليج، ولذلك كانت موضع ثقة لجميع الأطراف العربية والدولية. هذه السياسة الهادئة جنبتها ويلات أية نزاعات أو حروب كما حدث مع دول خليجية أخرى. وقال إن بلاده تريد بوساطتها الأخيرة بين أميركا وإيران، تجنيب المنطقة خطر المجابهة العسكرية، فالمنطقة شهدت ثلاث حروب ولا تحتمل حرباً رابعة، ودعا لإعلاء «صوت العقل والحكمة عند التعامل مع جارنا».

الجار المزعج

الموضوع الإيراني كان حاضراً بقوةٍ في أكثر جلسات المؤتمر، رغم عدم حضور أي مركز بحث إيراني، وذلك بسبب حضورها وتأثيرها السياسي والعسكري. الباحثة الأردنية المختصة بالشأن الإيراني، فاطمة الصمادي، استعرضت بعض المؤشرات التي استمدتها من وسائل التواصل الاجتماعي، للحديث عن رؤية الشارع الإيراني السلبية للعرب، وبقاء الحساسية بسبب دعم النظام العراقي السابق في حربه الظالمة ضد بلادهم. وذهبت إلى أن ميزان القوى الحالي مختلٌ جداً لصالح إيران، حيث منحها الغزو الأميركي فرصةً كبيرةً لدخول العراق، الذي شكّل مفتاحاً لنفوذها الواسع حتى تمدّدت إلى اليمن، بعدما أخرج العرب العراق من دائرة اهتمامهم.

وقدّمت الصمادي بعض الأرقام حول الصعود الإيراني في المجالات، العلمية والتعليمية والتقنية والتنموية، حتى أصبحت تنافس البرازيل وتركيا في مجالات شتى. وأشارت إلى ما نشرته «الجمعية الملكية البريطانية» من إحصاءات تظهر اهتمام إيران بالأبحاث العلمية، حيث جاءت في مقدمة الدول التي تنشر أبحاثاً علمية، كما شهد عدد مستخدمي الإنترنت فيها ارتفاعاً بنسبة عالية مقارنة بدول العالم العربي. وخلصت الصمادي إلى القول بأن الأمن في الخليج هو حاجة إيرانية قبل أن تكون حاجة خليجية، وأن التقارب السياسي مع الولايات المتحدة سيعزّز نفوذ إيران في المنطقة، «هذا الجار الذي لم نستطع فهمه بعد ثلاثين عاماً» على حد تعبيرها.

الباحثون الخليجيون والعرب، انقسموا في موقفهم تجاه إيران، فمنهم من نظر إليها كقوة «طائفية ومتغطرسة»، فيما رأى آخرون أنها «قوة تضاف لنا كمسلمين وموجّهة نحو قوى الاستعمار وإسرائيل». وهكذا اختلفت نظرتهم إلى طريقة التعامل معها، فبعضهم رأى ضرورة مواجهتها والاصطدام بها دون حساب للعواقب، ورآى آخرون ضرورة التعقل والرجوع إلى الحكمة، ومعرفة إمكانيات الذات. وكثير من المنتقدين ركّزوا على دعمها للنظام السوري ودورها في اليمن... ولكنهم أجمعوا جميعاً على غياب المشروع العربي.

من جامعة الرياض، تحدث كبير الباحثين في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية جوزيف كشيشيان، عن العلاقات السعودية الإيرانية، حيث رأى أن إيران تحاول حذف الإرث العربي من الدولة الإيرانية في ظل غياب الدور والدعم العربي لممثلي الأقلية العربية في إيران. واعتبر كشيشيان أن الرئيس السابق أحمدي نجاد «أضاع فرصة مهمة لوجود علاقة قوية ووثيقة بين السعودية وإيران، بل ساعد في توتير العلاقات» من خلال دعم ما أسماهم «بعض الأنظمة المعادية للهوية العربية»، مثل نظام بشار الأسد ونظام نوري المالكي وحزب الله في لبنان. وتوقع كشيشيان تحسن العلاقة بين إيران والسعودية بوصول روحاني للرئاسة، وأن تتعاون الدولتان في مساعٍ لحل جميع الأزمات العالقة بين البلدين، وأهمها موضوع سورية والعراق والبحرين واليمن.

أستاذ العلوم السياسية في جامعة كينت البريطانية، ستيفن هوك، قال في ورقته عن «موازين القوى الدولية، والسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط»، إن الشراكة الأميركية الخليجية تزداد أهمية يوماً بعد يوم، ولدول مجلس التعاون دور جوهري في الحفاظ على استقرار وأمن المنطقة، ومواجهة التطرف والإرهاب. وأكد أن أميركا تسعى للحفاظ على موقعها كقوة عظمى، وأن التراجع النسبي للنفوذ يمنح المجال لبعض القوى الدولية مثل روسيا والصين للتقدم ومحاولة ملء الفراغ، وبالتالي أصبح النظام العالمي محكوماًً بالتعددية القطبية، معتبراً ذلك الأمر يصب في صالح الولايات المتحدة حيث يخفف العبء عنها! وفي المقابل حذّر من أن الانسحاب النسبي للنفوذ الأميركي قد تراه بعض الأطراف على أنه ضعف فتحاول بالتالي استغلال الوضع لصالحها. واستدرك قائلاً إنه رغم كل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها أميركا، إلا أنها لازالت تمتلك أقوى اقتصاد في العالم، وأضخم قوة عسكرية، فضلاً عن سبقها في مجال التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال.

لماذا تتخوف دول الخليج من الربيع العربي

مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن، الباحث جواد الحمد تناول في ورقته موقف دول الخليج، التي ركّزت في بداية الربيع العربي على التداعيات المحتملة على مصالحها وتوجهاتها وسياساتها القديمة، وتعاملت مع الربيع بذات الأدوات القديمة، دون أن تأخذ في الاعتبار أن هذه التغييرات تحمل فرصة تاريخية لحماية دول الخليج وتوسيع دورها في بناء النظام العربي الجديد على أنقاض النظام العربي السابق الذي كان عاجزاً. واعتبر الباحث أن بعض تلك السياسات تسببت في تفويت فرصة استراتيجية على مجلس التعاون، حيث اتسم موقفها بالتحفظ والتخوف، بينما القوى الاجتماعية التي قادت الربيع العربي لم تستهدف دول الخليج حتى بالتصريحات، ومع ذلك أسست هذه السياسات لأزمات داخل المجلس بسبب مواقفها تجاه حركات الربيع العربي وحق الشعوب باختيار نظم الحكم في تلك الدول.

وقال الحمد إن البيئة الدولية كانت تتعامل بهدوء وحذر مع التغيرات على رغم المفاجأة والارتباك والتردد خلال الأشهر الثلاثة الأولى، وهو ما وفر فرصة للاستدراك أو التصحيح على بعض سياساتها، مشيراً إلى أن دول الخليج شجّعت على احتواء قدرات الشباب في دول المجلس والمغرب والأردن بإجراءات شكّلت أرضية معينة لعملية إصلاح معينة دون المساس بأسس الحكم فيها، بخلاف ما كان تقدير الموقف لدى بعض الجهات السياسية التي أبدت تخوفات مبالغ فيها على النظم نفسها رغم عدم صحة ذلك. ويضيف: لم يشكل الربيع العربي أي خطر على الأنظمة الخليجية ولا على أمنها الداخلي ولا على الممالك العربية الأخرى باستثناء البحرين، والذي تعتقد دول التعاون الخليجي وفقاً لتصريحات رسمية بأن إيران تقف وراءها.

الموقف العام الذي اتخذته دول المجلس، حسب الحمد، تمثل في عدة نقاط: العودة للاستقرار؛ إنشاء بديل سلمي للسلطة في مصر وسورية واليمن؛ الوقوف إلى جانب الثورة السورية؛ مساندة الأردن والمغرب في مواجهة الاحتجاجات الشعبية والمحافظة على نظم الحكم فيها. واعتبر الباحث أن تطورات الربيع العربي لصالح التيار الإسلامي تسببت بتصدعات داخل المجلس الذي شعرت بعض أطرافه بالخطر جراء تأثيرات الربيع العربي، وخصوصاً بالنسبة لما جرى في البحرين واليمن والعراق. وقال: «لقد ساد ارتباك حقيقي السياسات الخارجية والأمنية في دول المجلس، ورغم النجاح الذي حققته الدبلوماسية الخارجية مدعومة بالمجتمع الدولي في اليمن حيث مكنت من احتواء الأزمة، غير أن ما جرى لاحقاً فاجأ دول المجلس، مع عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بمعالجة قضية الحوثيين والجنوب، خصوصاً مع تداخل هذين الملفين مع الدور الإيراني. وأكّد الباحث تحقيق نجاح خليجي في احتواء ما حدث في البحرين بمشاركة قوات درع الجزيرة، بينما شهد الملفان اليمني والسوري خلافات وتناقضات في سياسات دول الخليج.

العدد 4498 - الثلثاء 30 ديسمبر 2014م الموافق 08 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 7:21 م

      تحقيق للمصالح العليا

      إنها تلك المرحلة التى ينبغى فيها من اداء المهام والقيام بكل تلك الاعمال اللازمة والضرورية التى فيها تحقيق للمصالح العليا للأمة، وان يكون هناك من تلك المسارات التى تصبح ممهدة مما يتم فيها تحقيق الاهداف الموضوعة التى فيها من الاصلاحات الضرورية لما يجب له بان يكون، وما يمكن بان يتحقق من الانجازات الحضارية الحديثة، التى تهتم بالمتطلبات والاحتياجات الراهنة، وان يكون هناك كل ما يمكن مما فيه من الحفاظ على ما يحتاج إلى ذلك، وفقا للمقاييس والمعايير التى يمكن الاخذ بها، بما فيها من المصداقية واكمال ما هو

اقرأ ايضاً