العدد 4511 - الإثنين 12 يناير 2015م الموافق 21 ربيع الاول 1436هـ

مستقبل فن الكاريكاتير بعد مذبحة « شارلي إيبدو»

رضي السماك

كاتب بحريني

تستدعي المذبحة التي ارتكبتها مجموعة من الإرهابيين في مقر مجلة «شارلي إيبدو» الباريسية المتخصصة في الرسوم الكاريكاتيرية، وراح ضحيتها اثنا عشر شخصاً، والتي ارتُكبت باسم الإسلام ورسوله (ص)، تستدعي النقاش حول مسألتين مترابطتين على درجة من الأهمية: الأولى تتمثل في الارتدادات وردود الفعل السلبية المتوقعة على أوضاع العرب والمسلمين في البلدان الغربية بوجه عام وفرنسا بوجه خاص، وقد بدأت بواكيرها في الاعتداءات على المساجد والمسلمين في هذه الأخيرة، والحبل على الجرار.

وهذا يبرهن لنا على نحو قاطع كم يقدم أولئك الإرهابيون الذين يتبنون مثل هذه العمليات الإجرامية، من خدمةٍ لأعداء العرب والمسلمين والإسلام. أما المسألة الثانية فتتمثل في إشكالية الفهم المغلوط أو تدنّي الوعي لدى شريحة واسعة من العرب والمسلمين لرسالة فن الكاريكاتير عامة والكاريكاتير السياسي بوجه خاص. وبطبيعة الحال لا نقصد هنا تحديداً رسومات المجلة الباريسية المغدورة التي لا خلاف بأنها دأبت على نشر الرسوم الاستفزازية المسيئة للرموز الدينية لمختلف الديانات وليس الإسلام فحسب، بل ثمة فهم مغلوط التباسي لرسومات كاريكاتيرية لا تنطوي بالضرورة على إساءة لرموز دينية، وإنما تتعدد القراءات والنظرات إليها من عدة زوايا، حتى من قِبل العرب والمسلمين ذوي الالتزام أو الاحترام لدياناتهم، دع عنك العلمانيين منهم.

ولا شك أن المعارك الجدلية والاضطرابات التي عصفت ببلداننا العربية على خلفية نشر الرسومات الكاريكاتيرية التي تتعدد القراءات والرؤى حولها، أكثر مما تُعد وتُحصى، وأحسب جُلها معروف في تاريخنا المعاصر للمتابعين السياسيين .

فالذين ارتكبوا مذبحة «شارلي إيبدو» ما كانوا ليتورعوا عن ارتكاب مثلها، أو حتى أفظع منها على خلفية رسم كاريكاتيري لزعيمٍ من زعمائهم أو من زعماء الجماعات الإسلاموية الإرهابية ماداموا يؤمنون بأنه ينطق بالحق، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. والأهم من ذلك فإنه حتى الأقل تشدّداً ونبذاً للعنف والإرهاب، لن يتوانوا بدورهم عن إثارة موجة عارمة من الاحتجاجات قد تفضي لأعمال عنف وإرهاب واضطرابات خطيرة، انطلاقاً من فهمٍ أحادي مغلوط لرسم كاريكاتيري محدد، لم يكن صاحبه ليقصد به الإساءة إلى رمز ديني، بل وتتعدد الرؤى في قراءته وفي فهمه.

لذا فلا غرابة إذا ما وجدنا أن الرقابة الذاتية التي يمارسها رسامو الكاريكاتير العرب والمسلمون، هي أكبر بكثير من الرقابة الذاتية التي يمارسها كتّاب المقالات في صحف بلدانهم. وفي تقديرنا أن تحكّم الكاتب الصحافي في اختيار المفردات للتكيف مع الهامش المُتاح أمامه، أسهل من التحكّم في إيحاءات رسم الكاريكاتير بمجمله، لما ينطوي عليه هذا الأخير من تكثيف في المعنى المُراد إيصاله للمتلقي، وخصوصاً إذا ما خلا الرسم من أي تعليق كتابي، ولذا اعتُبر الكاريكاتير في حالات عديدة أكثر قوةً وتأثيراً في إيصال الرسالة الصحافية المبتغاة، وإن كان لكلٍّ منهما غرضه الذي لا يستوفيه الآخر أو يحل مكانه.

وإذا كان ذلك هو المفهوم المتفق عليه علمياً لفن الكاريكاتير السياسي، فكيف لنا أن نُطالب رسّام الكاريكاتير أن يظهر في رسوماته زعماءنا السياسيين المحبوبين، حتى لو كان من بينهم رجال دين، في كامل هيئتهم المحترمة كما هم في الصور الفوتوغرافية دون أي تحريف أو مبالغة للشخصية كما جاء في تعريف الرسم الكاريكاتيري المتقدم ذكره؟ فهذا لا يعني سوى مطالبة الرسّام بشطب قواعد هذا الفن جملةً وتفصيلاً، أو مسخه وإظهاره مجرّداً من مذاقه الجذّاب الساخر.

والسؤال الآخر الذي يفرض نفسه في هذا الشأن: إذا كان من المسلم به حق رجل الدين كأي مواطن آخر في العمل السياسي، فهل يمكن أن نعده في مطلق الأحوال فوق النقد والمساءلة السياسية في المقال الصحافي مثلاً فما بالنا بالرسم الكاريكاتيري؟ والحال وللأمانة، ثمة شريحة من المثقفين الإسلاميين ورجال الدين، تتفهم متطلبات الرسم الكاريكاتيري في النقد السياسي ليشمل كل العاملين في الحقل السياسي دون استثناء، بل إن بعضهم لهم دور في الدفاع عن حرية الإبداع في المجالات الأخرى المشابهة لفن الكاريكاتير، كالرواية والشعر. فقد كان على سبيل المثال العلامة المفكّر حسن الأمين من أبرز من انتقدوا محاولة اغتيال الروائي المصري الكبير الراحل نجيب محفوظ في تسعينيات القرن الماضي، كما كان المرجع اللبناني الديني الكبير الراحل محمد حسين فضل الله من أبرز من دافعوا عن الفنان المبدع مارسيل خليفة ورفضوا تكفيره على خلفية أغنيته لقصيدة الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل أحمد درويش «أنا يوسف يا أبي».

ومع ذلك يظل فن رسم الكاريكاتير في عالمنا العربي بحاجة إلى توعية أعمق بقواعده وأصوله، وبأهميته النقدية البالغة في حياتنا السياسية المعاصرة، وخصوصاً بالنظر ليس للقيود المشددة عليه فحسب، بل ولانحساره وتراجعه في صحافتنا العربية ورحيل كثرة من رواده العظام من دنيانا.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4511 - الإثنين 12 يناير 2015م الموافق 21 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 9:59 ص

      الي جهنم

      اذا كان الكاريكاتير على شكل شارلي ايبدو الي جهنم هم ومستقبلهم

اقرأ ايضاً