العدد 4514 - الخميس 15 يناير 2015م الموافق 24 ربيع الاول 1436هـ

مستقبل الأجيال

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

الماضي وقيم مهنة البحر والتراث البحري والخوف والألم والأمل، وحقوق البحارة ومستقبل الأجيال، عناوين مهمة كان لها حضورها البارز في أحاديث البحارة في اللقاء الذي جمعنا مساء الاثنين (12 يناير 2015) ببحارة الشريط الشمالي للمحافظة الشمالية، في مقر الشركة التي أنيط بها مهمة إجراء دراسة تقييم احتمالات الأضرار البيئية على المنطقة البحرية لأعمال إنشاء الجسر الجديد الذي يجري التخطيط لإقامته بين البحرين والسعودية. وكان لجمعية البحرين للبيئة حضورها في هذا اللقاء ممثلة في شخص رئيس ونائب رئيس الجمعية.

اللقاء لم يخلُ من المفاجآت الجميلة والثرية في بعدها التاريخي والحضاري والإنساني، عن حياة البحر وقيمته الاجتماعية، وأن ما زاد من قيمة المفاجأة جلوسنا بالصدفة إلى جانب الحاج صباح طاهر الغانمي، البحار الذي يحوي في جعبته مخزوناً من الأحداث التاريخية عن حياة البحر والمعارف البحرية، وترتسم على وجهه علامات بساطة وأصالة أهل البحر في بلادنا، التي خبرناها من أهل البحر أيام الصبا، عندما كنا في العطلة الصيفية نبحر كل صباح مع المرحوم والدنا وبحارة باربار التاريخيين الذين رحل غالبيتهم إلى العالم الآخر.

حكايات البحر ومخاطره وقيمته الحضارية والإنسانية، كانت حاضرة في سوالف العم صباح الغانمي الذي أخذ يسرد تاريخ علاقته بالبحر، والممتدة لما يربو على ستين عاماً، منذ كان طفلاً لا يتجاوز عمره عشر سنوات، وعلّمه والده فنون البحر والاستدلال بالنجوم في الرحلات البحرية، ودرس المواقع الاستراتيجية في المياه الداخلية والإقليمية للبحرين. وهو يذكرها بأسمائها مثل «بحر طفي وخرفشت والجارم ومروده» ومواقع أخرى، وكان يتحدث عنها بإسهاب.

ولحديثه الشيق عن حكايات البحر أيام زمان أثره في أن ننشد لما يسرده من حكايات جميلة، وما شدنا أكثر سرده لبدايات تعلمه مزاولة مهنة البحر، وكان عمره لا يزيد يومها على الخمس سنوات، عندما فاجأه والده وألقاه في البحر وأخذ يعوم ويجاهد ليصل إلى القارب.

الحسرة والأسف على الماضي البحري الجميل كانت تتطاير من أفواه البحارة كلهب النار، والحيرة والخوف على مستقبل الأجيال كان سيد الموقف فيما يشيرون إليه عن واقع حياتهم. وعندما تتمعن في وجوههم المتعبة تتبين علامات التعجب والحيرة، وخصوصاً عندما يتذكرون مساحة الحرية المتاحة أيام زمان، في الستينيات والسبعينيات، من ناحية ممارسة الصيد البحري، يومها كانت مناطق الصيد مفتوحة فيذهبون حتى للحدود القطرية وجزيرة «البينة» بالقرب من المملكة العربية السعودية. وقتها كان الصيد وفيراً، وكان دخلهم في ثمانينات القرن الماضي يربو على 700 إلى 1000 دينار في اليوم، بخلاف ما يشهدونه في الواقع الحالي، حيث ضاقت المساحة ولم يعد ممكناً ممارسة الصيد البحري كما كان في السابق. ووفق ما أشار البحارة، ذلك الواقع يعرضهم إلى مخاطر الاحتجاز من قبل خفر السواحل في البلدان المجاورة.

الردم البحري وأثره السلبي على الوضع البيئي والاقتصادي والمعيشي وحياة أهل البحر، هو العامل الرئيس الذي دفع بعدد غير قليل من البحارة التواجد في هذا اللقاء، على أمل أن يصل صوتهم إلى من يهمه الأمر، لدراسة إمكانية إدخال تعديلات على المشروع يمكن أن تؤدي إلى التخفيف من احتمالات الآثار السلبية على المواقع الرئيسة للموائل البحرية الهشة بيئياً، نتيجة الردم البحري؛ وصون التنوع الأحيائي في المناطق البحرية المتبقية؛ ويسهم في الحفاظ على مهنتهم التي عاشوا عليها وخبروها أباً عن جد، وصار مصيرها يتجه إلى المجهول والاضمحلال واحتمال الانقراض نتيجة تدهور الوضع البيئي للمصائد البحرية، بفعل المشاريع التنموية في المناطق الاستراتيجية لمصائد الأسماك، السلة الغذائية للأجيال.

والحديث عن هذه المعضلة البيئية والإنسانية كان عميقاً في مضمونه الحياتي والمعرفي، وكنا نستمع إلى رؤى البحارة البسطاء وكأننا نحضر «ورشة عمل علمية في العلوم البحرية»، لما تضمنه من حقائق رقمية في شأن المناطق التي تضررت والمناطق الأخرى المحتملة، وما الذي يؤدي إليه ذلك من تقلص في مساحة المناطق المخصصة للصيد البحري وخسارة كبيرة للتنوع الأحيائي والتسبب في فقدانهم لمصدر عيش أسرهم.

وعلى الرغم من الظروف الصعبة المحيطة بواقعهم المعيشي نتيجة الأنشطة التنموية في البيئة البحرية، إلا أن البحارة ينظرون في معالجاتهم إلى تداعيات ذلك الواقع بحكمة، ويشيرون إلى أن الموارد البحرية هي «ثروة لأجيال المستقبل والتعويض المادي فقط ليس له جدوى فعلية». ويرون أن «مخاوف البحارة الذين يعتمدون على البحر في حاجة إلى مخرج حكيم».

الرؤى التي استمعنا إليها في حديث البحارة تتوافق مع جوهر أهداف برنامج عمل الحكومة لعام 2015- 2018، وذلك ما يعلق عليه البحارة آمالهم، حيث يؤكد البرنامج على «الامتثال البيئي لأنشطة الردم والتجريف واستعادة مناطق التنوع الحيوي الحساسة التي فقدت، ويعالج قضايا تنظيم عملية الصيد وتشديد الرقابة على الصيد الجائر وضمان عدم استنزاف المخزون، وتعزيز الشراكة مع المجتمع المحلي في مختلف المجالات البيئية».

مواقف البحارة رسالة حملنا مسئولية إيصالها إلى من يهمه الأمر، ومن الطبيعي أن تحظى بجل اهتمام الجهات المسئولة.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4514 - الخميس 15 يناير 2015م الموافق 24 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً