العدد 4516 - السبت 17 يناير 2015م الموافق 26 ربيع الاول 1436هـ

تقلّصت السيرة بهيمنة تاريخ وصناعة اللؤلؤ وما يرتبط بهما

«عبقرية الانتماء... عائلة الفردان» لكمال الدين...

الوجيه حسين الفردان أمام مجموعته من اللآلئ والعقود
الوجيه حسين الفردان أمام مجموعته من اللآلئ والعقود

مرّت 8 سنوات على صدور كتاب الباحث والشاعر البحريني محمد حسن كمال الدين «عبقرية الانتماء... عائلة الفردان»، إذ صدر في العام 2006، حاول فيه تناول سيرة ونشاط عائلة الفردان، إحدى العائلات العريقة في منطقة الخليج العربي، والتي ترجع جذورها إلى منطقة «مهزَّة» بجزيرة سترة، وفي امتدادها بين قبائل العرب، ترجع إلى قبيلة قحطان.

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة قبل الدخول في تفاصيل ترتبط بالمنهج الذي اتبعه الكاتب، ولذلك عودة، إلى أن المؤلف انشغل بتاريخ المهنة والتجارة التي مارستها العائلة، أكثر من تناوله سيرتها.

ولكي لا نقع في إشكال شبيه، بالتركيز على ملاحظات تتعلق بمنهجية الكتاب بداية، من حيث ترتيبه وتبويبه، والأهم تناوله، سنستعرض أولاً أهم ما جاء فيه، ونترك الملاحظات في نهاية هذه الكتابة.

عشيرة الفردان

يستند المؤلف في ذكر عشيرة الفردان إلى «موسوعة العشائر العراقية» التي جاء فيها هي «من العشائر العربية العريقة الانتماء، ولقد لحقت بها هذه التسمية نسبة إلى هجرتها من البحرين بعد الحملة الوهابية على الجزيرة العربية، وقد دخلت العراق في غضون العام 1804م، لتستقر في محافظة البصرة»، كما يستعرض تفرعاتها من خلال 16 فخذاً.

وفي فصل «الحاج إبراهيم بن حسن الفردان وحديث الغابرين»، يستهله المؤلف بمكان نشأة العائلة في قرية مهزّة بجزيرة سترة، وكان يسكنها الشيخ فردان عبدالله منصور آل فردان الستري وأبناؤه، وعمومتهم الذين كانوا من صنّاع السفن البارعين، ثم انتقالهم إلى الكويت بطلب من شيوخها «من أجل صناعة سفن الغوص والسفن التجارية الكبيرة».

وبوفاة الشيخ فردان، انتقل أبناؤه إلى إمارة أبوظبي، لكنهم عادوا إلى بلادهم بحكم الأوضاع الاقتصادية.

يتتبع المؤلف مسارات البلدان التي مارست عائلة الفردان تجارتها من خلالها، من جزيرة دلما، إلى إمارة دبي ولنجة، وصولاً إلى انتقال علي آل فردان شبه الدائم إلى دبي مع ابنه الحاج حسن، وأولاده الحاج إبراهيم الفردان والحاج محمد وعلي، وعمهم فردان علي آل فردان.

دكتور اللؤلؤ

يقوم بدور الراوي في السيرة الحاج علي إبراهيم الفردان، متناولاً سيرة والده: «أدار الوالد عمله في تجارة اللؤلؤ بكل جدارة واقتدار، وحذق في معرفة أنواع اللؤلؤ وموازينه وأسعاره، حتى أن التاجر الأكبر في مدينة بومباي، السيت دودرجي، أطلق على الحاج إبراهيم لقب (دكتور اللؤلؤ)».

يتناول الفصل معلومات وتفاصيل ترتبط بالعلاقات مع كبار التجار والعائلات في المنطقة، والتجّار الهنود، وصولاً إلى التجّار الفرنسيين، والجالية العربية المقيمة في بومباي.

يحضر الراوي (الابن) علي الفردان بالحديث عن والده الذي «تلقى تعليمه الأولي بصورة تقليدية على يد (مطوعة)، وأثناء تواجده في مدينة لنجة مع والده تلقى دروساً في اللغة العربية ومبادئ الحساب والفقه الإسلامي». وفي الخامسة عشرة «بدأ عمله في الطواشة».

يشار إلى أن الحاج إبراهيم الفردان عمّر؛ إذ ولد في دبي العام 1866م وكانت وفاته في العام 1981.

فريق البحارنة في دبي

سكنت عائلة الفردان فريق البحارنة منذ 220 عاماً، وبحسب نص رواية ابن الحاج إبراهيم الفردان (علي) «كان هذا الحي يشمل أسواق بر دبي الداخلية، وكانت به سوق الطواويش وسوق الأقمشة، أو كما يسمونها سوق البانيان».

حسن الفردان

يشير الوجيه حسن الفردان، أحد أبناء كبير العشيرة (إبراهيم)، بحسب ما جاء في كتاب كمال الدين، إلى أن عشيرة آل فردان تعود بنسبها إلى قحطان، ولم يحْوِ الكتاب شجرة للعائلة تبين الامتداد وتفاصيله.

في هذا الفصل سيجد القارئ نفسه أمام إطناب في الاستشهاد بالمصادر التاريخية التي تذكر القحطانيين، حتى نهاية الفصل الثاني من الكتاب.

ولد حسن الفردان في دبي في العام 1931، و «أدخله والده مدرسة القرآن الكريم عند المعلمة خديجة»، عمل مع والده في تجارة اللؤلؤ، ونال حظاً من التعليم في بعض المدارس الخاصة، كما تلقى بعض تعليمه مع شقيقه حسين في البحرين ابتداء من العام 1951 في مدرسة عبدالرسول التاجر، ليلتحق بشركة نفط البحرين (بابكو)، حيث تلقى دروساً في اللغة الإنجليزية في مدرستها، بالتزامن مع مدرسة التاجر، ومن بابكو، إلى السعودية للعمل في شركة «فلور»، ليعود أدراجه إلى بابكو مرة أخرى، وبعدها عمل في شركة كانو، وكري مكنزي، ليولي وجهه شطر الدوحة في قطر، التي سبقه إليها أخوه حسين.

تمر السنوات ليجد نفسه أحد المؤسسين لمحلات الفردان للمجوهرات في الكويت في العام 1963، ولعدم التفرغ في ذروة نشاط السوق الكويتية لم يستمر العمل هناك «أكثر من عامين».

كان الاهتمام منصبّاً على قطر، حيث السوق في بداياتها، ولكنها تبشر بالكثير، ليقوم بالتعامل مع الأراضي بالتعاون مع أخيه حسين، ليتوجها بذلك إلى أبوظبي التي سافر إليها حسن، مع اتفاقهما بتوزيع المنطقة في ما بينهما بحيث يبقى حسين في الدوحة، ويتولى حسن التواجد في أبوظبي، وبعد ذلك في دبي، ليستقل كل منهما في عمله.

ومن دبي، ينطلق حسن إلى إمارة الشارقة التي أسس فيها مصنعاً للمجوهرات؛ إذ أتاحت له العلاقة «الطيبة مع حاكم الشارقة سمو الشيخ سلطان القاسمي» وبتشجيع منه تدشين المصنع على أرض واسعة.

خليل الفردان

هو الابن البكر للحاج إبراهيم، ولد في دبي العام 1918، اكتسب خبرة بعد اصطحاب والده له إلى مدينة بومباي، حيث أدخله مدرسة خاصة، تلقى فيها علوم اللغة العربية والحساب واللغة الإنجليزية، إضافة إلى اللغة الهندية، والأوردو. فبين بومباي ودبي ولنجة والبحرين والكويت وقطر، ازداد الابن خبرة ومعرفة بتجارة اللؤلؤ وألمَّ بالكثير من أسرارها، ليجد نفسه مستقلاً في إدارة أعماله، إذ لم يكتف بالذهب والمجوهرات، فأسَّس مركز الفردان للصرافة.

حسين الفردان

«كانت ولادته في دبي في العام 1935، وكان أخوه حسن قد سبقه إلى هذه الحياة بأربع سنوات».

توفيت والدته وهو في سن السادسة، لتتكفل برعايته إحدى زوجات والده. حفظ القرآن الكريم وتخرج من مدرسة المعلمة خديجة، وتلقى تعليمه شبه النظامي في مدرسة ميرزا الصايغ، وذلك في العام 1946، ومن البحرين إلى قطر حيث التحق بالعمل في البنك الشرقي في العام 1954؛ أي بعد سنتين من تأسيس البنك. بعد تركه الوظيفة، بدأ العمل في تجارة المواد الغذائية، ليتركها ويركز على استيراد الطحين.

عملت وصية والده «إبدأ كبيراً، تبقَ كبيراً» عملها في اختياره للمشروعات التي خاض مجالها من الصرافة وخصوصاً المجوهرات، ومؤخراً تحصّله على أهم وكالات السيارات الأوروبية، الألمانية والإنجليزية، وغيرها، عدا مشروعه الضخم والعملاق في جزيرة اللؤلؤة، والأبراج الشاهقة في العاصمة القطرية (الدوحة). هذا التنويع في المشروعات، والنجاح منقطع النظير الذي حققه الوجيه حسين الفردان، كان ثمرة جهود وتلمّس طريق بدأه العميد الوالد الذي حاز احترام وتقدير الشخصيات الأولى في المنطقة وخارجها.

الملاحظات على منهج الكتاب

علينا هنا أن نوضح اللبس الذي اكتنف المنهج في الكتاب بالخلط الذي يمكن معاينته، على الأقل في ما احتواه، بين السيرة والتاريخ. بعبارة أخرى، سيتبدّى للقارئ انحياز الكاتب لاهتمامه الأول: التاريخ، لتكون السيرة غفلاً.

في عصرنا لم تعد السيرة انشغالاً وتركيزاً على الأحداث التاريخية. بلغة أدبية محكمة تتلمس السيرة في جانبين منها: الواقع والحقيقة.

ماذا عن التاريخ؟ هو في المحصلة اتجاه تحليلي للأحداث ضمن منهج، يرمي إلى بلوغ جملة من الحقائق تسهم في فهم الماضي والحاضر، ومن بينهما قراءة المستقبل.

ربما تقود المقدمة التي كتبها الوجيه إبراهيم الفردان، إلى ما يشبه الانزعاج الذي يمكن تلمّسه، وفي المقابل، يمكن الوقوف على جرأة أستاذنا كمال الدين بنشرها.

يرد في مقدمة الفردان للكتاب «ومن العبث أن يزعم المؤلف، أنه كان بإمكانه تقديم مسوّغات لكل ما أورده، أو بعض ما أبعده من هذا الكتاب...». وأيضاً «وكان لا مناص من ذكر بعض الأحداث بصورة جزافية، حين يصل اليقين بالمؤلف إلى منتصف الطريق، وإننا نبادر منذ الآن للتعبير عن أسفنا، ونيابة عن المؤلف لبعض الهفوات (غير المقصودة)...».

ذلك الانزعاج يضعنا أمام احتمال آخر يرتبط بالمنهجية، لا يقتصر فهمها على الذين لهم تجربة وتاريخ في وضع المصنفات والأبحاث والدراسات والسيَر؛ على الأقل ضمن ما يريده طرف هو موضوع الكتاب: أين السيرة كما هي بتفاصيلها؟

ذهبت السيرة في إطناب يرتبط بصناعة اللؤلؤ، بحكم ارتباط العائلة بتلك الصناعة، والمغاصات والأصداف والمواسم والتاريخ والشعر... والأسطورة، استشهاداً بأبيات من ملحمة جلجامش، وكيفية تكوّن اللؤلؤ، وأقوال الشعراء القدامى فيه، وكيفية الغوص، وتصنيف اللؤلؤ وفرزه، وأشكاله ووزنه وتسعيره وتسويقه، ثم بعد ذلك ازدهار تجارته في عهدين، عهد حاكم البحرين المغفور له سمو الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، ونائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي الأسبق، المغفور له سمو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، ومحار اللؤلؤ وأنواعه، واللؤلؤ في التراث وكيفية تكوينه - مرة أخرى، والطواشة... مفاصل اقتصادية، و «شيء من التاريخ»، تناول فيه تاريخ العمل التجاري، ليأخذ القارئ إلى موسوعة المؤرخ العلامة جواد علي «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام»، ونصوص من «أور» و «تلمون»، والاستشهاد بالقائد البرتغالي أفونسود البوكيرك، والرحالة البرتغالي بيدرو تكسيرا! ورأى المؤلف أنه لابد أن يتناول فترة الازدهار الاقتصادي في منطقة الخليج، وفترة حضور الهولنديين والإنجليز إلى الهند في مطلع القرن السابع عشر، والصراع مع المحتلين في منطقة الخليج، والمعاهدات وقسوتها، وتأمين طرق التجارة والصناعات الأخرى في المنطقة، وخصوصاً الضرورية منها. ليضعنا أمام مشكلة اللنجات، ويعود بنا مرة أخرى إلى «أثر اللؤلؤ في اقتصاديات الخليج»، يتبع ذلك ما يشبه الاستراحة تتمثل في أربع صفحات من الصور، ليستأنف تعداد أسماء الغوص وأوقاته، وما تحمل السفينة ومردود الصناعة. ولن يكتفي بذلك، فعليه أن يتناول يوم الدخلة واستخراج اللؤلؤ، وقوانين الغوص (قانون العام 1924)، كل ذلك حتى الصفحة رقم 125، من مجموع صفحات الكتاب (344 صفحة)، لننتقل إلى عوامل تدهور صناعة اللؤلؤ، باكتشاف النفط وظهور اللؤلؤ المزروع، صور لإعلانات وقرارات حكومية تمنع وتحذر من تداول اللؤلؤ الصناعي والاتجار فيه، ليعقب ذلك ما يعادل 68 صفحة هي عبارة عن صور في مناسبات مختلفة «صور لها تاريخ»، والتي كان من المفترض بها، إلى جانب الصفحات الأربع المذكورة التي حوت الصور، والتي يصل مجموعها 72 صفحة، أن تأخذ مكانها من الكتاب ضمن الملاحق في خاتمته، مع الإعلانات والقرارات الرسمية فترة عشرينيات القرن الماضي.

بين التاريخ والسيرة

كان من المفترض على أستاذنا الباحث محمد حسن كمال الدين ألاَّ يتعامل مع كتابة السيرة لعائلة الفردان أو غيرها من العائلات، باعتباره مهتماً بالتاريخ والأدوات التي يحتاجها. في الكتاب يمكن تبرير قدرته وتخصصه في التاريخ، ضمن المساحة التي أفردها، ولكن بعيداً عن موضوع الكتاب الرئيسي (سيرة العائلة، موضوع الكتاب).

سنقرأ تاريخاً متنوعاً ومتحولاً أيضاً. وحين نبحث عن السيرة: سيرة العائلة سنجدها، ولكن بعد متاهات لا حصر لها، ولم يكن من المفترض أن تحضر في الكتاب بالمساحة التي كانت عليها. يمكن القبول أن يتم التعريج عليها عروجاً؛ لكن هذه الانتقالات أفقدت الكتاب الحماسة التي كان ينتظرها القارئ ليتعرف أكثر على واحدة من أكثر العائلات الخليجية نجاحاً وثراء وشهرة؛ وخصوصاً أن لها امتداداً عميقاً وراسخاً هنا في مملكة البحرين.

في حضور الصورة

السيرة التي تهتمّ بالصورة فحسب لها منهجها المغاير عن السيرة التي يُفترض أن تكون مشغولة بالكلام على موضوع وأطراف السيرة.

في الكتاب من الصور ما يكفي لأن يتم إفرادها في كتاب اشتغالاً على الكلام في درجاته القصوى من الاختزال، وذلك ما لم يحدث في الكتاب؛ لأن كلاماً كثيراً قيل عن خلفية الصناعة بدرجة أكبر، علاوة على الصور، وسيكون من التكرار أن يتم الاشتغال على الكلام في الصورة، مما أتيح في السيرة من كلام تناول العائلة.

نحن أمام إسهاب تاريخي وبالتفاصيل التي لا يحتاجها القارئ ولم يتوقعها بذلك الامتداد في الكتاب، وهو إسهاب نقلي متوافر ومتاح في عشرات ومئات المصادر، فيما موضوع السيرة التي بين أيدينا قلَّ أن تجد مصادر لها بعدد الأصابع الواحدة، من حيث التخصيص والتفصيل!

ما تم إبداؤه من ملاحظات على كتاب أستاذنا محمد حسن كمال الدين لا ينقص من قدره واعتباره؛ لكن ما ورد لا يخرج عن تناول المنهجيات في الإصدارات وطبيعتها، والالتباس، وأحياناً الاندفاع الذي يبديه المهتم بالتاريخ، حين يخوض تجربة وإن كانت ذات صلة بطريقة أو أخرى بالتاريخ؛ إلا أن منهجياتها وتناولاتها وأساليبها وأبوابها وأدواتها لاشك مغايرة ومختلفة عن تناول التاريخ.

الحاج إبراهيم الفردان في حديث مع المغفور له سمو الشيخ مكتوم بن راشد
الحاج إبراهيم الفردان في حديث مع المغفور له سمو الشيخ مكتوم بن راشد

العدد 4516 - السبت 17 يناير 2015م الموافق 26 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 7:54 ص

      غرائب

      لذلك هناك بعض الأفراد من يوجد في اسمه فردان يقوم بلصق ال الى اسمه ليتقرب للعائلة أو ليحمل لقبها لشهرة ولا أدري كيف يسمح لهم ضميرهم بذلك

اقرأ ايضاً