العدد 4543 - الجمعة 13 فبراير 2015م الموافق 23 ربيع الثاني 1436هـ

الحوثيون... من عقيدة البَطْنَيْن إلى الهيمنة على اليَمَنيْن

بدرالدين ابن أمير الدين ابن الحسين ابن محمد الحوثي
بدرالدين ابن أمير الدين ابن الحسين ابن محمد الحوثي

الحوثيون في اليمن، أو أنصار الله كما يُسمُّون أنفسهم «رسميّاً». كُتِبَ عنهم الكثير، وقيل بشأنهم ما هو أكثر من ذلك. مَنْ هم؟ هل هم شيعة إمامية اثنا عشرية؟ أم هم زيدية؟ أم أنهم زيدية تَشيَّعوا بالمذهب الإمامي الاثني عشري كما يشاع؟ وعلى ماذا يتأسس خطابهم الديني؟، وما هو موقعهم على الخارطة القبلية في اليمن؟ وكيف نالوا كل هذه القوة السياسية والعسكرية، إلى الحدِّ الذي مكَّنهم من السيطرة على الدولة؟

الملف التالي، محاولة لتسليط الضوء، على جذور تيار أنصار الله في اليمن، أو ما يُعرَفون بالحوثيين، الدينية والقبلية، لقراءة أفكارهم ومنهجهم، وموقعهم في المذاهب الإسلامية، وذلك بالاعتماد على العديد من المصادر والمراجع التاريخية والحاضرة.

مدخل:

أطاح الحوثيون بالدولة في اليمن. دخلوا العاصمة صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014م، ليُكملوا استيلاءهم على العديد من المحافظات اليمنية. تمددوا في البر، وصولاً إلى البحر، حيث أمسكوا بموانئ اليمن الرئيسية. وفي العشرين من يناير الماضي، احتلوا القصر الرئاسي، وطوّقوا بيت الرئيس، واستولوا على أسلحة اللواءين الأول والثالث حرس رئاسي، إلى أن قدَّم الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس الوزراء خالد محفوظ بحاح استقالتيهما، واليوم يصدرون إعلاناً دستورياً لحكم اليمن لفترة انتقالية لينتهي كل شيء:

سيطرة على القصر الجمهوري والرئاسة. سيطرة على وسائل الإعلام الرسمية بما فيها التلفزيون ووكالة الأنباء، وعلى الملاحة الجوية حيث المطارات والبحرية حيث الموانئ وعدد كبير من معسكرات الجيش والحرس الجمهوري وأغلب الوزارات والمؤسسات الحكومية.

كما ظهر أن الحوثيين باتوا يسيطرون على جزء هام من النظام الاستخباراتي في اليمن، بعد أن سرَّبت وسائل الإعلام التابعة لهم تسجيلات هاتفية جرت بين الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي ومدير مكتبه أحمد عوض بن مبارك، الذي اختطفه الحوثيون في وقت سابق، يتحدث فيها الرئيس عن قضايا حساسة تتعلق بالأوضاع الداخلية. وهو ما يعني أن ضباطاً في جهاز المخابرات اليمني لهم ولاء للحوثيين.

اليمن:

بالرجوع إلى الخارطة الجغرافية سنجد أن اليمن هو دولة تقع في النطاق الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة العربية. مساحة أرضه هي 527.970 كم فضلاً عن مئتي جزيرة متناثرة في البحر أكبرها حنيش وسقطرى. تجاوره شمالاً السعودية، وشرقاً عُمان. أما في الجنوب فـ بحر العرب، وفي الغرب البحر الأحمر. على المستوى السياسي نظامه جمهوري، وبه عدد من الأحزاب، لكنه أيضاً محكوم بنظام قبلي يساهم بشكل كبير في صياغة المشهد الداخلي لليمن.

موقع اليمن أكسبه اهتماماً كبيراً من قِبَل الدول الكبرى على مر التاريخ، منذ الألفية الثانية قبل الميلاد. حيث يُطِل على أهم بحرين يربطان المتوسط بجنوب آسيا. كما أن اليمن كان يُشكل مهد العرب الأول أو ما كان يُسمَّى بالعاربة في قبال المستعربة، حيث أنه مادة العرب الأولى، ومنه ظهرت محددات لغوية ولهجات عدة فضلاً عن وهج الحضارة.

الزيدية:

عند الحديث عن اليمن، أو عن الأزمة اليمنية الحالية وبالتحديد عن الحوثيين، لا يمكن أن يَلِجَ الباحث ذلك دون أن يقرأ الروافد الصلبة للمجتمع اليمني ومن بينها المعتقد الديني، الذي صاغ أوضاع اليمن الداخلية طيلة قرون، وبالتحديد المذهب الزيدي. والزيدية هي التي آمن أتباعها بـ زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ولم يُؤمنوا بـ محمد بن علي الملقب بالباقر كما هو عند الإمامية. وقد جاء في كتاب التفسير والمفسرون لـ الذهبي، حول التعريف بذلك المذهب هو أن الزيدية ترى بأن «علياً أفضل من سائر الصحابة، وأولى بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولون: إن كل فاطمي عالِم زاهد شجاع سخي خرج للإمامة صحَّت إمامته، ووجبت طاعته، سواء أكان من أولاد الحسن، أم من أولاد الحسين، ومع ذلك فهم لا يتبرأون من الشيخين، ولا يُكفرونهما، بل يُجوِّزون إمامتهما، لأنه تجوز عندهم إمامة المفضول مع وجود الفاضل، كما أنهم لم يقولوا بما قالت به الإمامية من التقية، والعصمة للأئمة، واختفائهم ثم رجوعهم في آخر الزمان». ومن أشهر فرق الزيدية هي البترية والجريرية والجارودية.

الفرق بين الزيدية والشيعة الإمامية:

جاء في كتاب «الزيدية» للصاحب بن عبّاد الذي حققه الدكتور ناجي حسن أن الإمامية تذهب إلى حصر الإمامة في أولاد الحسين ابن علي خاصة، غير مشترطين خروجهم بالسيف، متخذين من التقية وسيلة لدَرءِ الأخطار المحيطة بهم، في حين ترى الزيدية جواز الإمامة من أولاد الحسن والحسين، ولا تجد مندوحة لحصرها بأولاد الحسين، ولا يُعرف الإمام عندهم سوى مَنْ شَهَرَ سيفه، وقاتل أعداءه».

وجاء في كتاب موسوعة الأسئلة العقائدية الصادر عن مركز الأبحاث العقائدية عن موارد اختلاف الزيديّة عن الإمامية التالي:

(1) ترى الإمامية أنّ الإمامة لا تكون إلاّ بالنصّ من الله تعالى على لسان رسوله، أو على لسان الإمام المنصوب، إذا أراد أن ينصّ على إمام بعده، وليس للناس حقّ التدخّل في تعيينه، بينما ترى الزيديّة أنّ الإمامة تكون بالاختيار، ويعتقدون أنّ النصّ الخفي كان لبعضهم.

(2) ترى الإمامية عدد الأئمّة اثنا عشر إماماً، أوّلهم أمير المؤمنين، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ علي بن الحسين، ثمّ محمّد بن علي بن الحسين، حتّى الإمام الثاني عشر محمّد المهديّ (عليه السلام). بينما لا ترى الزيديّة للأئمّة عدداً، فكلّ من خرج بالإمامة وشهر سيفه ودعا إلى نفسه يكون إماماً واجب الطاعة، فأوّلهم أمير المؤمنين، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ علي بن الحسين، ثمّ زيد بن علي بن الحسين، ثمّ ابنه يحيى، وهكذا.

(3) ترى الإمامية عصمة أئمّتهم (عليهم السلام) ، بينما لا ترى ذلك الزيديّة. انتهى.

أما في العقيدة المهدوية فإن الخلاف بين الزيديّة والإمامية واضح لا مِراء فيه. فالعقيدة الزيدية تؤمن بظهور المهديّ في آخر الزمان، وأن له مُلْك الأرض، وتُسلِّم له الأديان، وأنه من سلالة أهل البيت، وولد فاطمة الزهراء بنت النبي محمد (ص) لكنهم قالوا أنه من ولد الحسن بن علي وليس الحسين بن علي كما يعتقد الشيعة الإمامية، وبالتالي فهم ينفون كامل السلالة الإمامية، فضلاً عن أنهم لا يعتقدون ولا بولادته ولا بكونه غائباً. وقد ذكر ذلك التفصيل الإمام عبد الله بن حمزة بن سليمان أحد كبار فقهاء الزيدية في كتابه «العقد الثمين في تبيين أحكام سيرة الأئمّة الهادين».

لكن ورغم ذلك الاختلاف لم تنفتح جبهات صراع بين الزيدية والإمامية، بل كانت تحكمهما علاقات متوازنة في الحقب المتأخرة. وقد ذكرت حسينة الدريب في كتابها «وعرفت مَنْ هم أهل البيت» نصاً لـ بدر الدين الحوثي يقول فيه: «فليس هذا من مذهب الزيديه - الرجعة والمتعة - مع أنه لا يقتضي الجرح».

وقد صرّح أحد كبار فقهاء الزيدية وهو مرتضى بن زيد المحطوري الحسني حول الشيعة الإمامية الجعفرية وما إذا كانت فرقة ضالة قال: «لا أقول هذا حاشا لله .. يعني الأزهر يقول مذهب إسلامي وأنا أقول مذهب ضال؟!».

الزيدية في اليمن:

يعتنق الزيدية في اليمن 40 بالمئة من اليمنيين حسب معهد السلام الأميركي بينما الباقي هم شافعية وإسماعيلية ومذاهب وديانات أخرى، ويتركز تواجد أتباع الزيدية في العاصمة صنعاء وفي محافظات صعدة وعمران وذمار والجوف وحجة. لكن الحقيقة أن دراسة الزيدية في اليمن قد يُفضي بالباحث إلى متاهات كثيرة إذا لم يتوخّ البحث الجاد والرصين. وقد ذكر يحيى الشريف في كتابه «التعرف على زيدية اليمن» أن «أغلب علماء الزيدية في اليمن يغضبون إذا سمعوا أحداً ينسب الزيدية إلى أبي الجارود مؤسس فرقة الجارودية إحدى الفرق الزيدية القديمة, أو إلى كثير النوا مؤسس البترية، أو إلى الحسن بن صالح مؤسس الصالحية, أو إلى سليمان بن حريز مؤسس السليمانية».

كما أن الزيدية لا يُقرون بأنهم «معتزلة في الأصول حنفية في الفروع» بل ويعتبرون انتسابهم إلى الإمام زيد بن علي هو من باب الانتماء والاعتزاز وليس له جَنبة مذهبية. هم لديهم نظرة متمردة على جزء من تراثهم، كما هو الحال بالنسبة للموقف من إمامة السّجَّاد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

فقد ذكر الجلالي في كتاب جهاد الإمام السجّاد نقلاً عن بدر الدين الحوثي ناقلاً بدوره عن القاسم حول الإمامة بعد الحسنين ما نصّه: «وجرى الأمر في ولد النبي (ص) الصفوة بعد الصفوة، لا يكون إلاّ في خير أهل زمانه وأكثرهم اجتهاداً وأكثرهم تعبّداً وأطوعهم لله وأعرفهم بحلال الله وحرامه وأقومهم بحقّ الله وأزهدهم في الدنيا وأرغبهم في الآخرة وأشوقهم للقاء الله، فهذه صفة الإمام، فمن استبان منه هذه الخصال فقد وجبت طاعته على الخلائق، فتفهّموا وانظروا». انتهى، وهو ما يعني عدم إقرار بإمامة السّجاد بالنص، بل هي تُرِكَت لاختيار الأمة، وهو ما يتعارض مع قول الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (المتوفى 298 هـ) كما في كتاب الجلالي «من أنه يلتزم بإمامة السجاد بالنصّ على الوصية إليه حيث ذكره باسمه الصريح، فقد قال: «إن الله عز وجل أوصى بخلقه على لسان النبي إلى علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، والى الأخيار من ذريّة الحسن والحسين، أولهم علي بن الحسين، وآخرهم المهدي، ثم الأئمة في ما بينهما».

الحوثيون

في اللغة، فإن كلمة «حوثي» لها علاقة بالاسْتِحاثة التي هي «مثل الاسْتِباثة: وهي الاستخراج» فـ «استَحَثْتُ الشيءَ إِذا ضاعَ في التراب فَطلبْتَه» و«الحَوْثُ: عِرْقُ الحَوْثاءِ: للكَبِدِ وما يَليها» و«الحُوثةُ، بالضم: اسْم». وجاء: «تَرَكَهُم حَوْثاً بَوْثاً، وجئْ به من حَوْثَ بَوْثَ أَي من حيثُ كان ولم يكن».

هذا من حيث اللغة، أما من حيث الاصطلاح فإن هذه الكلمة وارتباط الحوثيين بها، فهو نسبة إلى مدينة حوث وهي إحدى مديريات محافظة عمران في اليمن (شمال غرب). وهي مدينة قديمة، حيث وجدتُ ذكراً لها في كتاب الملحق التابع للبدر الطالع من بعد القرن السابع، حيث جاء في تعريف يحيى بن محمد بن على بن الْحُسَيْن بن على بن عبد الله ابن الإمام المُؤَيد باللَّه يحيى بن حمزة الحسينى الْيُمْنَى الحوثى أنه مولود «بمدينة حوث من بلاد حاشد فِي سنة 1107». هكذا جاء.

كما ورد في كتاب الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكني والأنساب لأبي نصر ابن ماكولا تفسير آخر حيث قال: «وأما الحوثي بالضم فيأتي في باب حوت وحوب أو حوث الذي في همدان». ثم يقول: «وذكره الهمداني في الإكليل وقال: فمن حوث الحارث الأعور بن عبد الله بن كعب بن أسد بن يخلد بن يعمر بن عمرو بن الحارث بن يمجد بن حوث (الحوثي) الفقيه صاحب علي رضي الله عنه» وذكر في المشتبه وغيره. أما البروجردي في طرائف المقال فقد ذكر لفظة «الحوثى» بالياء المقصورة وليس «الحوثي» حيث اعتبر الأولى «بطنٌ من همدان».

عقيدة الحوثيين

ما يظهر من أدبيات الحوثيين (أنصار الله) في اليمن أنهم ليسوا شيعة إمامية اثني عشرية، بل هم من الزيدية، التي يدين بها 40 بالمئة من اليمنيين (أو 70 بالمئة كما يقال). فقد جاء في الوثيقة الفكرية والثقافية لحركة أنصار الله (الحوثيون) الصادرة في 17/ 3/ 1433هـ (9 فبراير 2012م) ووقعها عبد الملك بدر الدين الحوثي وعدد من فقهاء الزيدية كـ عبد الرحمن حسين شايم وحسين بن يحيى الحوثي التالي:

«أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أخوه ووصيه أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم الأئمة من أولادهما كالإمام زيد والإمام القاسم بن إبراهيم والإمام الهادي والإمام القاسم العياني والإمام القاسم بن محمد ومن نهج نهجهم من الأئمة الهادين». وهو ما يعني أنهم يؤمنون بعقيدة البَطْنَيْن (التي تعني أن الأئمة قد يأتون من نسل الحسن والحسين)، وبالتالي هم لا يعترفون بأئمة الشيعة ما بعد الإمام الرابع لدى الشيعة الإمامية وهو الإمام علي بن الحسين (محمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري) واتفقوا على المهدي، ولكن مِنْ صُلبٍ آخر.

هذه العقيدة ليست طارئة لدى الحوثيين، بل هي متجذرة منذ قرون. وقد وجدتُ في مسائل الناصريات للشريف المرتضى (355 هـ - 436 هـ / 966م - 1044م) ما قاله بدر الدين بن أمير الدين الحوثي اليماني الزيدي الحسني عندما نقل عنه التالي: «قد كتبت الحواشي لتخريج ما نسب إلى الناصر في هذا الكتاب من كتب الزيدية، وعندنا سند لكتب الناصر المعروفة عند الزيدية، وسند لكتبنا التي أنقل منها هذا التخريج، وهي مشهورة متداولة بين الزيدية ومؤلفوها من أئمة الزيدية، ولهم تراجم في كتب الزيدية وغيرها».

وقد جاء في كتاب موسوعة طبقات الفقهاء بأن «ابن نشوان الحِمْيَري، القاضي أبو سعيد اليمني الحوثي» الذي عاش في القرن السادس الهجري هو «أحد كبار علماء الزيدية».

بل وحتى بدر الدين الحوثي الحسني اليماني (كما عُرِّف) عندما زار إيران وقَصَدَ حوزتها الدينية في مدينة قم المقدسة قبل سنوات قليلة، لم يذهب باعتباره شيعياً إمامياً إثنا عشرياً بل كونه أحد كبار علماء الزيدية في اليمن بعد العلامة مجد الدين الموَيّدي مؤلف التحف في شرح الزلف. وقد ذكر ذلك السبحاني وهو أحد فقهاء مدينة قم المعاصرين في كتابة بحوث في الملل والنّحل وأشار إلى لقائه بالحوثي.

وقد قال كبير فقهاء الزيدية في اليمن مرتضى بن زيد المحطوري الحسني الذي ذكرناه سابقاً لإحدى الصحف اليمنية واصفاً بدر الدين الحوثي بأنه «زيدي من رأسه إلى قدمه».

وقد كَتَبَ الحوثي نفسه كتيباً حول «الزيدية في اليمن» مبيناً ملامح المذهب الزيدي وعقائده، معرفاً الزيدية على أنها «عنوان لطائفة عظيمة من طوائف المسلمين كان لها حضورها الملموس في ميداني الفكر والبسالة تحت ظلال قائدها العظيم الاِمام زيد بن علي شهيد الحقّ والعدل والكرامة».

وعند الرجوع إلى مطالب الحوثيين وزعماء المذهب الزيدي، والتي تلت حرب صعدة الرابعة سنجد أن من بينها إنشاء جامعة معتمد تقوم بتعليم المذهب الزيدي، واستعادة الأوقاف الزيدية، وإعادة بناء المدارس الزيدية التي تم هدمها أثناء الحرب، وإعادة المراكز الزيدية وجميع مراكز التعليم الزيدي في المساجد، ولم يُذكَر أي شيء عن حقوق للشيعة الإمامية الإثنا عشرية.

نعم، العقيدة الحوثية التي تؤمن بـ شَهْر السيف» للإمام العادل، قد وجدت طريقاً للتحالف السياسي مع ما هو موجود من حركات سياسية، تتماهى معها في المعتقد الأوّلي، وهو ما جعلها قريبة من هوى حركات سياسية إسلامية شيعية، كما في إيران ولبنان. وقد جاء في الوثيقة التي أصدرها الحوثيون قبل ثلاثة أعوام: «أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الظالمين والوقوف في وجه المستكبرين هو من أعظم الواجبات الدينية المفروضة على الناس أجمعين وأن الموالاة لأولياء الله والمعاداة لأعداء الله –حسب ما شرعه الله- وعلى رأسهم أئمة الكفر المتمثلين في زماننا هذا في أمريكا وإسرائيل ومن أعانهم ووالاهم ووقف في صفهم في عداوتهم للإسلام والمسلمين واجب ديني فرضه الله على العباد (لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) المجادلة الآية 22». وهو خطاب يتقارب «سياسياً» مع ما هو دارج في إيران ولبنان وأجزاء من العراق، لكن دون أن يكون ذلك على حساب المذهب، كما هو الحال مع الحركات الفلسطينية كـ حماس والجهاد الإسلامي وعلاقاتها بالإيرانيين وحزب الله كعلاقة موضوع لا مذهب.

القبائل اليمينة:

الموضوع القبلي في اليمن يحتاج إلى تفكيك جزئياته قبل كل شيء لإدراك خباياه. لذا، فإن من المهم أن نعرف بأن أكبر القبائل في اليمن هي: حاشد وبكيل ومذحج وكنْدَة وحِمْيَر. وتنطوي تحت كل قبيلة من تلك القبائل العشرات من القبائل الأصغر، يقع أغلبها من شمال اليمن (168 قبيلة) والباقي في الجنوب (32 قبيلة) مع اختلاف في أعدادها بين الباحثين الإثنوغرافيين. هذه القبائل تُغطِّي السواد الأعظم من المجتمع اليمني، لذا، فهي تلعب دوراً مهماً في السياسة والمجتمع والاقتصاد والأمن، خصوصاً بعدما أُشرِكت في الدولة تحت عنوان «مصلحة شؤون القبائل» في منتصف الثمانينيات.

لذلك، وجدنا أن الشيخ حسين الأحمر على سبيل المثال قد دخل في حلف أساسي مع سلطة علي عبد الله صالح، وذلك في توازن دقيق لتوزيع السلطة، كون الأحمر هو شيخ مشايخ قبيلة حاشد، التي يصل تعدادها إلى ثلاثة ملايين نسمة مع قبيلة بكيل، والبعض يقدرهم بأكثر من ذلك.

لكن المفهوم الكلاسيكي للقبيلة في اليمن، قد أصابه الشرخ بعد أن انقسم إلى وجهيْن مختلفين كما يرى الباحثون الخمسة المؤلفون لكتاب «حرب اليمن 1994 الأسباب والنتائج» بين «نمط من المـحســوبيـة يربط القيِّمين على السلطة والتابعين لهم في اليمن والعرابين في الخارج» وبين شكل آخر لـ «لقبيلة التي يفهمها معظم رجال القبائل على أنها نمط من أنماط السلوك يستند إلى زعم المساواة الأخلاقية» وهو ما خلق تباعداً بين «كبار الشيوخ وأتباعهم، وما لبث أن أصبحت القبيلة موضوعية، ولم تعد النظرة السليمة النابعة من الواقع، بل صارت أيدلوجية تفرض من منطلق مثالي، وتتعلق بالكيفية التي يجب أن تكون عليها الأمور».

القبيلة والمذاهب:

كثيرون يتساءلون: كيف هَيْمَنَ الحوثيون بهذه السرعة على اليمن مع وجود النظام القبلي المعقد هناك، والذي يهجع في جوفه زهاء الـ 200 قبيلة، والتي كان لها دور بارز في تاريخ اليمن الحديث والبعيد. وهو في الحقيقة تساؤل جدير بأن يُجاب عليه بتعمُّق أكثر في شؤون القبائل اليمنية.

فقبائل حاشد وبكيل ومِذْحِج وجزء من حِمْيَر يُعَدّون من القبائل الزيدية الكبيرة في اليمن. وقد أكَّد ذلك بدر الدين محمد بن حاتم بن أحمد بن عمران بن الفضل اليامي الهمداني في كتابه «السمط الغالي الثمن في أخبار الملوك من الغز باليمن» عندما سمَّى الأولى والثانية حين تحدث عن هزيمة الأيوبيين، وأكد على الثالثة وجزء من الرابعة زيد بن علي الفضيل في بحثه المعنون بـ «بنية الخطاب الطائفي في اليمن الجمهوري .. قراءة في النسق الاجتماعي والسياسي» بالإضافة إلى قبائل زيدية أخرى في اليمن كـ رزاح وهمدان الشام وخولان وحريب والمحابشة وأشراف الجوف ووشحة وبني عامر وجماعة وآنس وحجة والحيمتين وسحار وغيرها.

وعندما نعرف هذا التقسيم المذهبي للقبائل اليمنية نعرف أنها هي مَنْ يُمسك بناصية الأمور العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية في اليمن. وقد أحصى بشير البكر في كتابه «حرب اليمن .. القبيلة تنتصر على الوطن» أن أغلب قادة الألوية والوحدات وكافة الإدارات (الفنية، والعملياتية، والمالية، والإدارية) في القوات المسلحة والأمن في اليمن هي بيد عناصر من نفس الفصيل القبلي (سنحان)» أو «من نصيب حاشد القبيلة الأم التي تُعتبر سنحان أحد بطونها» وأن قرية بيت الأحمر هي التي حظِيَت بالنصيب الأكبر من المواقع القيادية» وفي نفس الوقت «عدم وجود أي قيادة عسكرية فاعلة من مناطق مأرب وتعز والحُدَيْدَة والبيضاء وإبْ المنتمية للمذهب الشافعي». لكن أيضاً تجب الإشارة هنا، إلى أن قبيلة مِذْحِجْ الزيدية هي أيضاً لمْ تَنَلْ حظوة في المناصب القيادية في الجيش والأمن كما انتهى إلى ذلك البكر.


الخلاصة:

أمام هذا العرض، بشأن القبيلة في اليمن، يأتي التفسير الطبيعي لمدى قوة الحوثيين. فحين نعرف أن حاشد وبكيل ومِذْحِجْ وجزءاً من حِمْيَر هم من الزيدية ولديهم ما يزيد عن 300 ألف مسلح، وأن الحوثيين هم من الزيدية، فإننا لا نتحدث هنا عن جسم قبلي ومذهبي غريب ترتاب منه القبائل، بل هو من صميم التركيبة القبلية والدينية في اليمن، وبالتالي فإن تحركهم يأتي من خلال ذلك التماهي الداخلي المعقد. لذا، وجدنا أن انقساماً كبيراً قد حصل في قبيلة حاشد وفصائلها كـ سنحان، عندما وقفت مع الحوثيين وساندتهم في صراعهم الأخير. نعم، قد يكون تحالفاً موضوعياً لكنه في المحصلة أمر قائم ومؤثر. وفي الوقت نفسه كان للحوثيين رباط قوي مع المذهب الشافعي في اليمن، ظهر جلياً في مطالبهم وهو «اعتماد المذهبيْن الزيدي والشافعي بوصفهما مذهبيْن رئيسييْن للدولة واحترام فكريْهما» كما جاء في وثيقة الشروط المنشورة.

لقد بيَّنت الوقائع على الأرض، وخلال الشهور الستة الماضية، أن كثيراً من الثكنات والألوية الحربية والموانئ والقواعد العسكرية وقادتها الكبار قد سلَّمت سلاحها للحوثيين، كونهم ينتمون إلى ذات الخليط القبلي والديني الزيدي. بل إن وزراء سياديين كباراً كوزير الدفاع هو أيضاً كان على النهج ذاته في علاقته بالحوثيين.

بل إننا نتذكر بأن الفقيه الزيدي مرتضى بن زيد المحطوري هو الذي أمر مشايخ وأعيان قبيلة حاشد في شهر سبتمبر من العام 2013م بالسماح لـ عبد الملك الحوثي بتأمين طريق صنعاء صعدة في حال عجزوا عن تأمينها.

ولو كان الحوثيون شيعة إمامية أثني عشرية واعتمدوا على البُعد الشيعي الإمامي في تحركهم لما استطاعوا ذلك، لأن الشيعة الإمامية الاثني عشرية في اليمن لا تتجاوز نسبتها الـ 2 في المئة والإسماعيلية الـ 5 في المئة، ولم يكن ليحصلوا على دعم القبائل اليمنية الزيدية.

العدد 4543 - الجمعة 13 فبراير 2015م الموافق 23 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً