العدد 4546 - الإثنين 16 فبراير 2015م الموافق 26 ربيع الثاني 1436هـ

أدوار الحوزات العلمية في البحرين قديماً

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

تركزت معظم أدوار المدارس الدينية (الحوزات العلمية) في البحرين في القرنين الحادي والثاني عشر الهجريين (السابع والثامن عشر الميلاديين) في إعداد جيل من رموز الحركة العلمية والفكرية والفقهية من القادرين على شغل مهام القضاء وإقامة الجمعة والجماعة، والنهوض بأعباء التدريس في المدارس الدينية والمساجد التي كانت مهيّأة دائماً لاحتضان النشاط التعليمي. وسنشير هنا إلى دورين رئيسيين للمدارس الدينية: التعليم، وتصنيف المصنفات العلمية.

أولاً: التعليم

التفاعل الحضاري والفكري بين البحرين والحواضر العلمية في العالم الإسلامي خصوصاً في العراق وإيران، يتضح بأجلى صوره حين تكشف المصادر التاريخية عن مجالس التدريس التي عقدها علماء البحرين سواءً في مدارسها وعلى أراضيها، أو في بلاد المهجر، تلك المجالس التي زخرت بالمستمعين، وتخرج منها كبار العلماء.

ولقد برز علماء كبار كانت لهم أدوار تعليمية كبيرة في البحرين وخارجها، وبرز العديد منهم كمعلمين كبار في المدارس الدينية، ولم يُعرف أنهم ممن خلّف نتاجاً علمياً مكتوباً، فالشيخ حسين بن محمد الماحوزي (ت 1767م/ 1181هـ) كما يذكر صاحب «لؤلؤة البحرين»: «بلغ من العمر ما يقارب تسعين سنة ومع ذلك لم يتغير ذهنه ولا شيء من حواسه سوى ما لحقه من الضعف الناشيء من كبر السن، ومن العجب أنه –قدس سره– مع غاية فضله لم يكن له مَلَكةُ التصنيف، ولم يبرز له شيء في قالب التأليف».

وعندما ينتهي الشيخ السماهيجي من ذكر مشايخ الشيخ محمود المعني (ت 1718م/ 1130هـ) يقول: «وليس لهؤلاء المشايخ شيء من التصنيف»، وهذا ما يعكس مبلغ انصراف بعض العلماء إلى التدريس والتحصيل وأغلب سنوات العمر في أداء الأدوار التعليمية.

وقد تدفع شهرة العلماء وبروزهم كمعلمين أكفاء إلى هجرة الطلاب إليهم بهدف الاستفادة من دروسهم، فالشيخ أحمد بن إبراهيم العصفور ينزل «البلاد القديم» بتكليفٍ من والده لملازمة درس التحصيل عند الشيخ سليمان الماحوزي.

ازدهار الحركة الفكرية في البحرين كان مبعثاً لوفود كثيرة من العلماء والمفكرين، الذين جاءوا للبحرين بقصد طلب العلم، فحطوا رحالهم فيها، ومن هؤلاء والد الشيخ البهائي الشيخ حسين بن الشيخ عبدالصمد الجباعي العاملي (ت 1576م/ 984هـ) الذي غادر إيران مهاجراً إلى البحرين حيث عاش فيها بقية حياته «مشتغلاً بالتدريس والتصنيف والعبادة، والتأليف في قرية (المُصلّى)، من توابع بلادنا (بلاد القديم)، إلى أن توفي بها» كما يقول الشيخ البلادي.

والشيخ مفلح الصيمري الذي نزح من البصرة في العراق وعاش في قرية سلماباد، وخلّف مصنفات عديدة منها «شرح الشرائع» و»شرح الموجز» و»جواهر العقود والإيقاعات»، وولده الشيخ حسين الصيمري المدفون أيضاً في سلماباد.

ثانياً: التأليف

تُعدّ النهضة العلمية التي عرفتها البحرين في القرنين الحادي والثاني عشر الهجريين (17 و18م)، تتويجاً للتراكم العلمي للقرون التي سبقتها، فقد اشتهر من علماء البحرين في مجال البحث والتأليف أعلام عبر العصور المتعاقبة، كالشيخ ميثم البحراني، وشيخه علي بن سليمان الستراوي، وشيخه ابن سعادة في القرنين السادس والسابع الهجريين (12 و13م). وكان المنحى الفلسفي أهم ما يميز إنتاجهم الفكري، والذي يبدو أن أقدم ما وصلنا من تراث علمي لعلماء البحرين يعود للقرن السادس الهجري (12م)، والمحقّق الكبير الشيخ آقا بزرك الطهراني (ت 1970م/ 1389 هـ) عندما جمع في كتابه الخالد «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» مصنّفات علماء البحرين ابتدأها بالقرن السابع الهجري.

وكان طلبة العلوم الدينية لا يكتفون بدراسة كتب العلم وحفظ مطالبها، بل كانوا يستنسخونها، لأن سبل انتشار كتب العلم كانت لا تتم إلا من خلال الاستنساخ، وكان هناك نسّاخون ماهرون عُرفوا بجودة الخط ودقة النقل. يقول الماحوزي عند كلامه عن الشيخ ناصر بن الشيخ أحمد بن المتوج: «رأيت خطه في بعض نسخ الشرائع»، كما كان كبار العلماء يستعينون بتلاميذهم في كتابة الحواشي على المتون العلمية سواءً عبر الدروس أو بتكليف شخصي.

وقد تضمنت الإجازة الكبيرة للشيخ السماهيجي نحو (647) مصنفاً لأعلام الإمامية، منها (194) مصنفاً لعلماء البحرين. وكثيراً ما يكتفي الشيخ السماهيجي في ترجمته لمشائخه في الإجازة بالقول: «له كتب إلا أني لم أقف على شيء منها».

وكان للشيخ لطف الله بن محمد آل لطف الله الجدحفصي تصحيحٌ لبعض أجزاء من «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد، فرغ منها العام 1751م (1164هـ).

ولم يترك علماء البحرين التصنيف حتى في أصعب الظروف وأقساها، فكانوا حريصين على التصنيف العلمي والكتابة في الحضر والسفر، وفي الشدة والرخاء، وفي الصحة والمرض، ولقد كتب السيد هاشم البحراني كتابه الأخير عن الإمام علي (ع) وهو على فراش المرض الذي توفي فيه في أربعة عشر يوماً، وكان يُملي الأحاديث ويكتبه الكاتب وذلك سنة 1696م (1107هـ).

وغالباً ما كان العلماء يُذيلون كتبهم ومصنفاتهم بعبارات الأسى والحزن على ما جرى على البلاد من محن وويلات، يقول الشيخ محمد بن أحمد الدرازي في خاتمة كتابه «مرآة الأخبار في أحكام السفر» الذي فرغ من تأليفه العام 1749م (1162هـ)، أنه كتبه «مع ترادف الآفات، وتعاور العاهات في هذه الأوقات التي أشابت رؤوس الأطفال، وتزلزلت لأجلها شوامخ الجبال، وأبادت العالم في بلاد أوال، محل الفظيعة والزلزال». والأمثلة والشواهد على هذا المعنى كثيرة في التراث البحراني.

ولم يقتصر الأمر على التصنيف فحسب، فقد راج عند علماء البحرين كغيرهم من علماء الحواضر الإسلامية على مرّ العصور، التعليق والتهميش والتهذيب والإختصار، فلم يكن الكتاب العلمي يجد طريقه للانتشار حتى يشرع العلماء وطلبة العلم على العكوف عليه وتهذيبه والتعليق عليه واختصاره أو الرد عليه إن لزم الأمر، فالسيد هاشم البحراني على سبيل المثال يُصنف كتاب «تنبيه الأريب في إيضاح رجال التهذيب»، وهو كتاب يشرح فيه أحوال رجال «التهذيب»، فيبادر شاعر البحرين الفقيه الشيخ حسن الدمستاني (ت 1767م/ 1181 هـ) بتهذيبه ونظمه على ترتيب الكتب الفقهية، وسمّاه «انتخاب الجيد من تنبيهات السيد». تبقى هناك أدوار أخرى نهضت بها الحوزات العلمية في تلك الفترة، وللحديث بقية.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4546 - الإثنين 16 فبراير 2015م الموافق 26 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 8:41 ص

      بوركت يا وسام

      نأمل. الكتابة عن الحوزات المعاصرة في البحرين. مع الشك

    • زائر 8 زائر 6 | 1:10 م

      اعمل على ذلك

      اعمل على ذلك.. وانشالله نوفق في هذا المسعى

    • زائر 5 | 6:00 ص

      فكر الأقلية، ما الذي يضيره إن كان حقاً

      أولاً: نبارك للأستاذ وسام صدور كتابه الجديد إلا أننا لم نره في الأسواق والمكتبات المعروفة حتى الآن، وثانياً: رداً على من يوصمنا بالأقلية، فلم يكن مع أمير المؤمنين عليه السلام سوى قلة من أنصاره وبهم صنع هذا التاريخ الناصع للعالم الإسلامي وأخرج لنا من كنوز النبي ما كان خافيا بثبات هذه الثلة المؤمنة معه، كما أن الإمام الحسين عليه السلام لم يكن معه في حربه وحتى الآن سوى القلة القليلة من أنصار الحق، وبهم وببركات دمه الطاهر ودمائه الزكية سطر للعالم الإسلامي أعظم ثورة.

    • زائر 7 زائر 5 | 8:51 ص

      الشكر لك

      الشكر لكم.. ممتن لمتابعتكم

    • زائر 4 | 2:05 ص

      مقال رئع

      احسنت استاذ وسام ،، مقال رائع كالعادة وبانتظار البقية ،،

    • زائر 3 | 12:05 ص

      علماء البحرين

      شكرا جزيلا على هذالمقال المختصر الرائع الذي يبين كم كانت البحرين كببره من قديم الزمان

    • زائر 2 | 11:42 م

      حدد

      عن اي عالم إسلامي هذا الذي تتكلم ؟ ايران هي حاضنه لفكر الأقلية في العالم الاسلامي و ليس لفكر الأغلبية و الشواذ الأعظم من الأمة

    • زائر 1 | 10:44 م

      لك الشكر

      نتقدم بالشكر الجزيل للأخ وسام على مقالاته العلمية المفيدة عن تاريخ البحرين وعلماءها

اقرأ ايضاً