العدد 4553 - الإثنين 23 فبراير 2015م الموافق 04 جمادى الأولى 1436هـ

عن الدور الفكري للحوزات العلمية قديماً

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

أشرت في الأسبوع الماضي لدورين رئيسيين من أدوار الحوزات العلمية في البحرين إبان القرن الحادي والثاني عشر الهجري (7و8 الميلادي)، وهما: التعليم ووضع المصنفات، وذلك اعتماداً على ما أتاحته لنا المدونات المحلية لتلك الفترة. وهنا نستكمل بذكر ثلاثة أدوار أخرى للحوزة العلمية: الترجمة، المراسلات العلمية، والرحلة العلمية.

الترجمة

شهد القرنين 11 و12 هـ، حركة متنامية في ترجمة كتب علماء فارس (إيران)، وفي المقابل ترجمة التراث الإسلامي المكتوب بالعربية إلى الفارسية، وكان لسلاطين الدولة الصفوية دورٌ كبيرٌ في تشجيع حركة الترجمة وصرف الأموال عليها، وذلك في إطار حركة التبادل الثقافي بين الشعوب والإفادة من الثروة العلمية في مجالات الفكر الإسلامي والوقوف على جهود ومساهمات علماء الإمامية فيها.

وتُعد الترجمة أولى الدلائل على مبلغ عناية علماء الإسلام في إيران والعالم العربي بالاستفادة من كنوز الثقافة الإسلامية والإرث الإنساني، فقد ترجم السيد ماجد بن محمد آل شبانة للشاه سليمان الصفوي (ت 1694م/ 1106هـ) عهد الإمام علي (ع) لمالك الأشتر، للغة الفارسية. وكذلك أَمَرَ السلطان القاجاري ناصر الدين شاه الشيخ محمد تقي الدزفولي، بترجمة كتاب «غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الإمام من طريق الخاص والعام» للسيد هاشم البحراني للفارسية، وحملت الترجمة عنوان «كفاية الخصام».

وتذكر كتب التراجم أن السيد محمد علي الطباطبائي اليزدي المدرس، وكان عالماً زاهداً وله مؤلفات كثيرة منها: «هدية القاصر إلى مولانا الباقر»، وهو ترجمة المجلد المشتمل على أحوال الإمام الباقر (ع) من مجلدات كتاب «عوالم العلوم والمعارف» للشيخ عبد الله بن نور الله البحراني من العربية للفارسية.

وكان من نتائج الرحلات العلمية لعلماء البحرين لبلاد فارس والعراق، وانخراطهم في الحياة الدينية والعلمية في إيران، أثر في إجادتهم للغة الفارسية التي كانت بمثابة لغة ثانية للنخبة العلمائية في المدارس الدينية الإيرانية. بل إن عدداً كبيراً من علماء البحرين كان قد تبوء مناصب قضائية عليا، وأمّ المصلين في محراب الجمعة والجماعة في شيراز وأصفهان وبهبهان وغيرها من المدن الإيرانية الكبرى، وهو ما يدل على إجادة علماء البحرين التامة للغة الفارسية بحكم امتزاجهم بالشعب الإيراني ومعايشتهم له، ولهذا وجدنا الشيخ سليمان الماحوزي (ت 1709م/ 1121هـ) يُكثر من إيراد الشواهد والأشعار الفارسية في كشكوله «أزهار الرياض»، كما قام أيضاً بتعريب «رسالة فارسية في أربع مسائل في الرد على العامة».

المراسلات العلمية

لقد دأب علماء البحرين على إرسال الرسائل إلى نظرائهم العلماء في شبه الجزيرة العربية، والعراق وإيران، كما كانوا يتلقون بدورهم مثل هذه الرسائل العلمية التي كانت تتضمن أسئلة عقائدية وفقهية، وكان هذا اللون من المراسلات سائداً في ظل الظروف السياسية والاجتماعية الصعبة، وضعف نظم الاتصال، فالفقيه الشيخ سليمان الماحوزي يردّ على رسالةٍ بعث بها الميرزا عبدالله أفندي الأصفهاني (ت 1718م/ 1130هـ)، صاحب «رياض العلماء» يسأله فيها عن علماء البحرين، فيجيبه الماحوزي برسالةٍ مختصرةٍ ستكون أول مصنّف لتراجم علماء البحرين، وهي التي ستعرف بـ «فهرست علماء البحرين».

ويذكر المؤرّخ البلادي أنه وردت إلى البحرين مسائل من علماء أصفهان ليجيب عنها علماؤها ووصلت إلى حاكم البحرين من قبل الدولة الصفوية، فأرسل الحاكم رجاله إلى العلماء ليُجيبوا عن هذه المسائل، وكان من ضمن هؤلاء العلماء الشاعر الكبير الشيخ حسن الدمستاني (ت 1706م/ 1118هـ) في قصة معروفة أوردت تفاصيلها كتب التراجم.

الرحلة العلمية

عرف علماء البحرين الرحلة العلمية منذ أقدم العصور، فقد هاجر الشيخ ناصر الدين راشد بن إبراهيم البحراني من علماء القرن السادس الهجري، إلى العراق وأقام فيها مدة وقرأ فيها على كبار العلماء.

وبعد أن درس السيد هاشم البحراني في بداية حياته في مسقط رأسه البحرين، تنقل بين البلدان للاستفادة من العلماء والقراءة عليهم وأخذ إجازة الرواية منهم، فسافر إلى شيراز -وكانت مركزاً علمياً كبيراً- ومشهد وأصفهان والعراق.

وقد أخذ الفقيه المحدث الحر العاملي (ت 1693م/ 1104هـ) عن شيخه السيد هاشم البحراني، حيث يذكره في كتابه «أمل الآمل»، فيقول: «رأيته ورويتُ عنه». كما تتلمّذ الأديب الشاعر السيد محمد العطار البغدادي (ت 1758م/ 1171هـ) على السيد هاشم البحراني.

ويروي الشيخ محمود بن عبدالسلام المعني البحراني (كان حياً 1716م/ 1128هـ) عن جملة من المشايخ العظام كالسيد هاشم التوبلي والشيخ الحر العاملي. كما هاجر الشيخ ناصر بن أحمد المتوج إلى الحلة السيفية، وتتلمذ على يديه الشيخ أحمد بن فهد الحلي، والشيخ أحمد بن فهد الأحسائي.

كما كانت للشيخ سليمان الماحوزي (ت 1709م/ 1121هـ) رحلات علمية كثيرة إلى إيران، وقصد شيراز والتقى بشيخه الشيخ صالح بن عبدالكريم الكرزكاني، ودرس عنده مدة واستجاز منه، وقد بقي في شيراز مدة طويلة قبل أن يعود إلى البحرين، ليسافر مرة أخرى إلى إيران ويقصد قرية «صهيمكان»، من توابع جهرم في الجنوب والتي أتم فيها كتابه «بلغة المحدثين».

ولقد تواصلت رحلات الماحوزي العلمية إلى إيران، وكان في كل هذه الرحلات حريصاً على تقييد الفوائد، وعقد المناظرات العلمية، والالتقاء برجال الفكر والأدب، والإطّلاع على نفائس الكتب والإجازة والاستجازة من العلماء، وقد قيّد جانباً كبيراً من تفاصيل هذه الرحلات في كتبه خصوصا في كشكوله «أزهار الرياض».

وهاجر سيد ماجد بن هاشم الصادقي (ت 1619م/ 1028هـ) إلى إيران وكان «أول من نشر علم الحديث في دار العلم شيراز المحروسة، وله مع علمائها مجالس عديدة، ومقامات مشهودة». وكان العلامة الفيض الكاشاني (ت 1680م/ 1091هـ) من تلامذة السيد الصادقي.

لقد كان للهجرة العلمية عند علماء البحرين منافع جمّة، لكنها لم تكن بالضرورة هجرة اختيارية، فقد فرضت الأحداث السياسية والهجمات على البحرين وضعاً اجتماعياً غير مستقر، دفع بالكثيرين إلى الهجرة بحثاً عن الأمان، فقد «حالت الأقضية والأقدار بخراب بلادنا البحرين... وجرى ما جرى من الفساد، وتفرّق أهلها منها في أقطار كل بلاد» كما يذكر الشيخ يوسف البحراني.

وكان من أبرز ثمار ومكتسبات الهجرات العلميّة لرجال المؤسسة الدينية في البحرين، أخذ العلوم عن كبار العلماء في الحواضر العلميّة من العالم الإسلامي؛ والحصول على الإجازات العلمية منهم، والتي كانت تمثل شهادات اعتراف بمدى لياقة طالب العلم وكفاءته العلميّة ومقدار استعداده في التحصيل؛ واستنساخ الكتب والإطلاع على الثروة العلمية في البلدان التي قصدوها؛ ونقل التجارب والخبرات التعليمية بما فيها نظم الإدارة والمناهج والأعراف العلمية، وحتى الأعراف والتقاليد الاجتماعية. وأخيراً التوطن الدائم لبعض الأسر العلمية في بلاد المهجر لأسباب مختلفة، لعل أبرزها اضطراب الأوضاع العامة في البحرين، وتراجع موقعها العلمي بسبب الظروف العصيبة التي مرت بها البلاد في تلك الفترة.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4553 - الإثنين 23 فبراير 2015م الموافق 04 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 9:35 ص

      بوركت مساعيكم وسواعدكم


      بارك المولى جهودكم فكم هي الحاجة ااحياء ما كاد يندثر ويدثر كم من عناوين مؤافات اا نجد لها من اثر فاين هي ومن يتبع اثرها
      فالتنبري سواعد الشباب وعزاءمهم
      بوركتم وبارك الله جهودكم

    • زائر 1 | 4:36 ص

      احسنت

      احسنت استاذنا على هذه المقالات الرائعة

اقرأ ايضاً