العدد 4566 - الأحد 08 مارس 2015م الموافق 17 جمادى الأولى 1436هـ

70 ألف روبية كلفة مستشفى النعيم بافتتاحه العام 1942

«تاريخ الخدمات الصحية في البحرين» لخليل رجب...

مستشفى النعيم بعد اكتمال بنائه
مستشفى النعيم بعد اكتمال بنائه

70 ألف روبية، إجمالي الكُلفة التي تَطلَّبها مشروع مستشفى النعيم بعد اكتماله في 20 مايو/ أيار 1942؛ فيما المبلغ الذي تم اعتماده حين وُضع مُخطَّط بنائه في العام 1937، وصل إلى 10,620 روبية. وتم البدء في هدم المباني حول المنطقة، وضمن المساحة المخصَّصة له في العام 1938.

ذلك جزء من فصل «مستشفى النعيم» في كتاب أستاذ أمراض النساء والتوليد بجامعة الخليج العربي، خليل إبراهيم رجب «تاريخ الخدمات الصحية في البحرين... من القرن التاسع عشر حتى العام 1995»؛ حيث يُقلِّب فيه أرشيفاً ضخماً لمن سبقه في هذا المجال من البحوث والتناولات، وبين كل ذلك، وثائق في حوزته، لأطباء كانوا هنا أيام البناء على التأسيس الذي بدأ في مطلع القرن العشرين.

ذهبت المحاولات تلك عميقاً في تشييد مؤسسات وقطاعات الدولة الحديثة؛ فيما نعرف، بشكلها غير المسبوق في عشرينيات القرن الماضي.

لم تكُ دول المنطقة بعد قد استوت مؤسساتها. بهدوء، وبالقليل من الإمكانات قُيِّض لكثير منها أن ترى النور، في ريادة تكاد تطول كل مناحي الحياة في هذا الجزء من العالم الذي كان متأخراً نوعاً ما؛ قياساً بغيره من دول في الإقليم العربي: العراق ومصر، وبلاد الشام خصوصاً.

يذهب رجب إلى أبعد من الفترة التي حدَّدها العنوان الفرعي لكتابه. يذهب، وإن بشكل عابر إلى فترة دلمون، كما يعرج على الأمراض تلك فترة حضارة بلاد ما بين النهرين، متجاوزاً الأمراض والأوبئة التي شاعت فترة العصور الإسلامية، بسبب توافر المصادر التاريخية، بحسب إشارته.

الكتاب الذي يقع في 411 صفحة، وصدر في العام 2011، وتصدَّرته مقدِّمة المؤلف، استند فيه رجب إلى مذكرات وتقارير وكتب البعثة العربية في ما يخص سيرة وتاريخ مستشفى الإرسالية الذي تغيَّر اسمه لاحقاً إلى المستشفى الأميركي. أما الخدمات الحكومية فاستند فيها إلى مصادر عديدة، من أهمها، التقارير السنوية لمدير الخدمات الطبية في العام 1940، الطبيب «سنو»، وعلي محمد فخرو، ومُدوَّنات الكاتب والباحث التاريخي خليل المريخي.

الأمراض والأوبئة

بعد الإضاءات التاريخية لبعض الأمراض في المنطقة، يُخصِّص الاستشاري خليل رجب فصلاً تحت عنوان «الأوبئة والحميات والأمراض المُعدية في البحرين، يستعرض فيه الأمراض المتوطِّنة ومن بينها: الملاريا، مرض فقر الدم المنجلي (السكلر). وبالنسبة إلى الأوبئة يستعرض: وباء الطاعون، الكوليرا، الجدري، السُل الرئوي، حُمَّى الدنج، حُمَّى التيفوس، التيتانوس (الكزاز)، الدوزنتاريا، ونزلات السالمونيلا، وحُمَّى التيفوئيد، التراخوما، الطفيليات، القراع، والدودة الحلقية (الحزاز)، الديدان المعوية، واليَرَقان.

تركيز الاستعراض على مستشفى النعيم، جاء بسبب أن «الوسط» لم تستعرض تاريخ هذا الصرح في ما تناولته من إصدارات لعدد من الباحثين في هذا المجال، ربما لعدم التفصيل في هذا الباب؛ الأمر الذي تحقَّق في كتاب رجب، وضمن الباب موضوع الاستعراض.

في فصل «مستشفى النعيم»، يشير المؤلف إلى أن التخطيط لبناء المستشفى بدأ في العام 1937، وكان لابد من أخذ استشارات مُشرفيْن سابقيْن في مُستشفييْن عرفتهما البحرين، وهما كل من الطبيب «ديم» من مستشفى الإرسالية، والطبيب «هولمز» من مستشفى فيكتوريا التذكاري. وبالموازنة التي خُصِّصت لمستشفى النعيم، كما تمَّتْ الإشارة في مقدِّمة هذا الاستعراض، لم يكتمل المشروع حتى منتصف الحرب العالمية الثانية؛ وتحديداً في العام 1942.

وبحسب رجب؛ فإنَّ الخطة الرئيسة التي تم وضعها في العام 1939، ترمي إلى أن يشتمل المستشفى على «أربعة من المباني المستقلِّة: منطقة علاجية، مع سكن لرئيس الأطباء؛ مستشفى للنساء، وسكن لاثنتي عشرة ممرضة وللأطباء، ورئيسة الممرضات (المِتْرِنْ)».

كما تم التخطيط لأن يعمل المستشفى بطاقة كاملة تُعادل عَشَرَة أسِرَّة. ومن ضمن المواصفات التي رُوعيَ أن تحتويه، تزويد المباني بسخَّان ماء مركزي، وخزَّان ماء ارتفاعه 36 قدماً، إضافة إلى تزويده بالكهرباء من جهاز مستقل.

مشكلتان تُعيقان بناء المستشفى

يُورد رجب في الفصل نفسه، أن بناء المستشفى واجه مُشكلتين في العام 1940 تمثَّلت الأولى في اندلاع الحرب العالمية الثانية؛ ما حال دون وصول مواد البناء إلى البحرين عن طريق السفن؛ علاوة على ارتفاع كلفة بناء المشروع، والثانية أن منفِّذي المشروع لم يتوقعوا حاجتهم إلى حفر أساس عميق، ومع ذلك تم الانتهاء من المشروع في 20 مايو 1942، بافتتاح مستشفى النساء؛ حيث حضرت حفل افتتاحه الشيخ عائشة آل خليفة.

بعد بناء المستشفى برزتْ مُشكلة شُحِّ الأدوية أيام الحرب العالمية الثانية؛ بل ونفدت بعض الأدوية التي تم تخزينها، لصعوبة استيرادها في تلك الفترة بحكم ظروف الحرب.

وبشأن عدد الحالات التي استقبلها المستشفى بعد افتتاحه في العام 1942، يشير رجب إلى أن 120 مريضاً قد تمَّ إدخالهم المستشفى في عام الافتتاح «معظمهم مُصاب بحالات جفَاف، أو ضربة شمس، أو يرقان (أبوصْفَار)، والذي سبَّبه ربما فقر الدم المنْجلي، والذي لم يُشخَّص في تلك الأيام». تَبِعَ تلك الحالات، المرضى الذين أصيبوا بالملاريا.

ويشير رجب إلى أن التوسُّع في الخدمات الصحية خارج المستشفى، شملت بناء أربع عيادات في كل من: البديِّع وكرزكَّان وسترة والرفاع.

مغادرة ماكداول ومجيء دويج

في الفترة التي اكتملت فيها الأقسام المُخطط لها في مستشفى النعيم؛ حيث تولَّت رئاسة قسم النساء والتوليد الطبيبة ماكداول، التي ظلت تعمل في تخصُّصها لمدَّة 18 سنة في البحرين، غادرت منصبها لتحلَّ محلها الطبيبة دويج.

من بين ذكريات ماكداول في الفترة التي تسلَّمت فيها رئاسة قسم النساء والتوليد، أن من بين 84 امرأة وُلدِّت في المستشفى في تلك السنة، كانت 79 منهن مصابات بتضييق شديد في الجهاز التناسلي نتيجة الاستعمال السابق لوصفة شعبية عبارة عن كمَّادات من الملح الصخري و «الشَبّ»، وبعض البهارات التي تُستخدم موضعياً لإزالة الرطوبة، وتؤدِّي هذه الوصفة إلى تضييق في القناة التناسلية أو انسدادها، وبالتالي استحالة الولادة الطبيعية.

القابلات التقليديات

لم يكن المستشفى قادراً على تغطية حالات الولادة في جميع أنحاء البحرين بالكادر الذي تمَّ تخصيصه؛ إذ كان للقابلات في مناطق كثيرة مثل: المنامة والمحرق وغيرها، دور في هذا المجال، بإشرافهن على حالات الولادة في المنازل. ويذكر المؤلف عدداً من بينهن: المرحومة مهْرة إبراهيم المحميد، والتي بدأت عملها منذ الثلاثينيات حتى الستينيات في المحرق، والمرحومة جميعة توفيق، وقد تلقَّت تدريبها في مستشفى الإرسالية، لتستقلَّ بالعمل في الأربعينيات، وصولاً إلى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، واتخذت من المنامة مجالاً لتحرُّكها انطلاقاً من فريق الفاضل، وروث موزيس المعروفة بـ «أم جان»، وهي يهودية عراقية الأصل جاءت إلى البحرين في العشرينيات؛ حيث عملت في القبالة بالمحرق، إضافة إلى المرحومة موزة محمد زويِّد التي عملت في مستشفى الرفاع الشرقي في الخمسينيات حتى الثمانينيات من القرن الماضي، والمرحومة حصَّة الكعبي في الرفاع، والمرحومة هاشمية سيدعلي في المالكية حتى مطلع الثمانينيات.

الطبيب سنو

خَلَف الطبيب سنو الذي وصل إلى البحرين في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 1940، مدير الخدمات الطبية السابق جونز دافنبورت؛ إذ عمل بعد صوله على وضع خطَّة للكوارث تمَّ طلبها من قبل الحكومة، وجاء العمل على الخطَّة بعد الغارة الإيطالية على مصفاة النفط، التي فشلت في إحداث خسائر تُذكر. شملت الخطَّة المستشفيات الثلاثة التي كانت قائمة في تلك الفترة، تحسُّباً للطوارئ.

وبحسب رجب «لعب سنو دوراً أساسياً في إعداد الخدمات الطبية لمواجهة أي كارثة».

تزامناً مع ذلك، عمل «سنو» على تحليل الأوضاع الصحية في البحرين، ورأى أن «حل كثير من المشاكل الصحية السائدة؛ كالأمراض المُعدية والأوبئة والأمراض المزمنة، رهن بتحسين الصحة العامة.

ويُشير المؤلف إلى أن الطبيب سنو «كان يجمع عدَّة مهارات ذهنية ومهنية»، يمكن الوقوف على ذلك من خلال مذكراته والتقارير التي كتبها وتم رفعها إلى الحكومة «فهو من ناحية مهتمٌّ بأمراض العيون، ومن ناحية أخرى ببرامج الصحة العامة، وكذلك الجراحة العامة في عمله كطبيب في المستشفى».

يُضاف إلى ذلك، أن الطبيب سنو، كان من العناصر المهمَّة والكبرى في تنفيذ برامج التطعيم الوطنية في البحرين، ومكافحة أمراض متوطِّنة عديدة «كالملاريا والجدري والسُل والتراخوما عن طريق مقاومة الذباب، وخفْض نسب الخنَّاق والسعال الدِّيكي».

الملاريا في تلك الفترة

ضمن الأوضاع تلك، حدثت المشاورات مع تشارلز بلجريف، لإيجاد حل لمشكلة الملاريا المتوطِّنة في البحرين «والتي بلغت نسبة انتشارها ما يقارب 20 في المئة من السكَّان، وتم الاتفاق على طرح مشروع مُتكامل لمكافحته على غرار البرامج المُتَّبعة في الهند».

بعد الدراسات الأوَّلية؛ كانت الحاجة إلى خبير في هذا المجال مُلِحَّة. أسفرت الاتصالات عن انتداب خبير من الهند وتشكيل «إدارة للصحة العامة والبدء في المشروع».

من ضمن المشاكل التي واجهت الحكومة في تلك الفترة، المقاومة التي حدثت بين مُلَّاك المزارع حين أرادت الحكومة البدء برشِّ المستنقعات، لكن مع مرور الوقت استوعب المُلَّاك تلك العلاقة بين البعوض والمستنقعات والملاريا.

من بين ما يذكره خليل رجب في كتابه أنه في العام 1938، وكان وقتها جونز دافنبورت مديراً للخدمات الطبية، في العام نفسه الذي تمَّ فيه الشروع ببناء مستشفى الحكومة «صدر التقرير الأول في البحرين عن الخبير في معهد الملاريا بنيودلهي الميجور أفريدي؛ حيث أتاح معلومات غاية في الأهمية تشير إلى أن 20 في المئة من السكَّان المصابين بالملاريا، تتركَّز نسبة 50 في المئة منهم في جزيرة المحرق (ضمن مجموع السكَّان فيها)، و 70 في المئة في القرى (ضمن مجموع السكَّان فيها)».

كان لذلك مُسبِّباته وعوامله في تفشِّي الملاريا، من بينها آبار البيوت، وأواني المياه الفخارية، وبِرَك مياه البساتين. برزت المعالجات وقتها في «استعمال القار ومادة (الباريس غرين)، وتوفير مياه صالحة للشرب في البيوت، وإضافة أسماك من نوع (أسفانيا ديسبار) إلى برك المياه أو المستنقعات الكبيرة».

ومع مجيء العام 1939، قرَّرت الحكومة تشكيل لجنة مكافحة الملاريا في البلدية «بمشاركة المُقيم السياسي والمستشار، وانتداب ثلاثة خبراء هنود لبدء البرنامج، وفي تلك السنة أيضاً، قامت البلدية بحفر شبكة من الآبار الارتوازية، وثلاثة مواقع للاستحمام في المنامة».

توجَّب التنويه والإشارة إلى أن الباحث تناول في كتابه الموضوعات الآتية في ما تناول: الوضع الصحي لسكَّان جزر البحرين في الأزمنة القديمة، الأوبئة والحميات والأمراض المُعْدِية في البحرين، ضمن الفترة بين العام 1893 - 1902، المرحلة الثالثة (1902 - 1948)، الفترة بين العام 1924 - 1942، كما تناول الكتاب تاريخ الخدمات الصحية في الفترة ما بين 1947 - 1948، مستشفى الحكومة في العام 1949 - 1950، والفترات ما بين العام 1951 - 1952، 1953 - 1954، 1955 - 1956، 1957 - 1958، مستشفى الإرسالية بين العام 1959 - 1960، والخدمات في الفترات: 1961 - 1962، 1963 - 1964، 1965 - 1966، 1967 - 1968، 1968 - 1970، 1971 - 1972، 1973 - 1974، 1975 - 1976، 1977 - 1978، 1979 - 1980، 1981 - 1982، 1983 - 1984، 1985 - 1986، 1987 - 1988، 1989 - 1990، 1991 - 1992، 1993 - 1995.

كتاب مليء بالمعلومات ومحطات التأسيس الأولى لواحد من أهم القطاعات التي لا غنى عنها لأي كيان ودولة. كتاب ممتع؛ على رغم ما اكتنفه من أخطاء طباعية ولغوية من جهة، والإرباك الذي يمكن الوقوف عليه في الفصل موضوع الاستعراض من جهة أخرى، من خلال القفز من حديث عن شخصية إلى الدخول في إحصاءات والعودة مجدداً إلى الشخصية، وإن تمَّ اعتبارها «استدراكات»، إلا أنها لم تخْلُ من تكرار في الاستدراك، وإرباك القارئ، وغير ذلك من المواضع التي وقفنا عليها، ولا مجال للإتيان بها هنا؛ لكن ذلك لم يحجب المُتعة، والأسلوب السهل الذي تناول من خلاله المؤلف موضوعه.

أم جان الولَّادة
أم جان الولَّادة
غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
مستشفى النساء بالنعيم
مستشفى النساء بالنعيم

العدد 4566 - الأحد 08 مارس 2015م الموافق 17 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً