العدد 4567 - الإثنين 09 مارس 2015م الموافق 18 جمادى الأولى 1436هـ

الأدوار الاجتماعية للحوزات العلمية

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

لم يقتصر نشاط علماء الدين والمشتغلين بتحصيل العلوم الدينية في البحرين أبان القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين (الحادي عشر والثاني عشر الهجريين) على المواقع والأدوار المتعارف عليها، فقد كان لهم، وهم النخبة المتعلمة الطليعية، مشاركات في الحياة العامة، إذ كان لبعضهم أدوار سياسية كبرى، كما كان لبعضهم الآخر - إلى جانب اشتغالهم بالتحصيل العلمي - أدوارٌ اقتصادية ونشاط تجاري واضح ألمحنا إليه في مقال سابق.

لقد حمل علماء البحرين على عاتقهم مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو ما يُعبّر عنه في الأدبيات التاريخية المحلية بـ»قمع أيدي الظلمة وأهل الفساد»، فقد سافر الشيخ عبداللّه بن صالح السماهيجي (ت 1723م/ 1135 هـ) كموفد سياسي عن أهل البحرين لمقابلة الشاه الصفوي يستنجده في إغاثة البحرين من المهاجمين، فأمر له الشاه بتهيئة الجند، وأقام في بهبهان ينتظر إنجازه حتى توفي.

وحيث أن بلاد البحرين سبق أن خضعت للنفوذ البرتغالي منذ العام 1521م (926 هـ)، وعانى شعب البحرين صنوف الظلم والاضطهاد تحت نير هذا الاحتلال الأجنبي الغاشم، فكتب بعض أعيان المنطقة إلى الشاه عباس الصفوي «يستنهضه لتخليصها من براثن الغزاة» كما يذكر ناصر الخيري في «قلائد النحرين في تاريخ البحرين».

وقد تزامن ذلك مع إعلان أهل البحرين الثورة على الوالي الهرمزي المعين من قبل البرتغاليين والتغلب على حاميتهم في القلعة (المعروفة بقلعة البرتغال) فما كان من حاكم شيراز يومئذٍ إلا أن أرسل قواته ليستولي على البحرين باسم الشاه الصفوي العام 1602م (1010هـ). ليبدأ أهل البحرين مع موعد جديد مع معاناة جديدة تمثلت في تعاقب الولاة الفرس على حكم البلاد، وإدارتها بشكل يفتقد إلى الرفق والعدل، وقد كان للشيخ علي بن سليمان القدمي (ت 1654م/ 1064 هـ) دور كبير في مقاومة الاستبداد السياسي، إذ يكتب الشيخ عبدالله السماهيجيّ: «وكان هذا الشيخ رئيساً بهذه الديار، مشاراً إليه، تولى الأمور الحسبية وقام بها على أحسن وجه، ونشر العدل في البلاد، وكف أيدي أهل الفساد، ورفع المظالم والبدع التي أحدثها الحكام السابقون، فكلّ عدل في البلاد فهو بترتيبه وتمهيده».

كما تصف المدونات التاريخية المحلية السيد هاشم البحراني (ت 1697م/ 1109هـ) الذي آلت إليه الزعامة الدينية في البحرين بعبارات تدلّ على تصديه للشأن العام؛ إذ تشير إلى أنه «قمع أيدي الظلمة والحكام، ونشر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالغ في ذلك وأكثر، ولم تأخذه لومة لائم في الدين، وكان من الأتقياء المتورعين، شديداً على الملوك والسلاطين»، بما يؤكد على دور سياسي للسيد هاشم في ظروف عصيبة شهدتها البلاد.

وكان لشخصية الشيخ محمد بن خلف الستري (كان حيًّا 1823م/ 1238هـ)، أحد تلامذة الفقيه الشيخ حسين آل عصفور (ت 1801م/ 1216هـ) دورٌ بارزٌ في الأحداث التي عصفت بالبحرين في نهايات القرن الثاني عشر الهجري، وتشير بعض المصادر العمانية إلى وجود دور بارز لـ «الشيخ محمد بن خلف الشيعي» عند مجيء العمانيين، لأخذ البحرين سنة 1800م (1215هـ)، ففي تلك السنة قام حاكم عمان (السيد سلطان بن أحمد بن سعيد البوسعيدي) بغزو البحرين والسيطرة عليها، ويظهر بعد ذلك الدور البارز للشيخ (محمد بن خلف الشيعي) عندما جعله حاكم عمان معاوناً لابنه (سالم بن سلطان) في إدارة البحرين.

وقد أشار ناصر الخيري (ت 1925م/ 1343هـ) للدور الذي لعبه (محمد بن خلف البحراني) في الأحداث التي شهدتها البحرين في أحداث سنة 1800م (1215 هـ) من دون أن يصفه بالشيخ، مؤكّداً أنه كان واسطة التفاهم بين البحارنة والحاكم العماني.

ولم تقتصر هذه الأدوار السياسية لعلماء البحرين في نطاق جغرافي ضيق، بل نراهم يمارسون تلك الأدوار الجهادية أينما استقرت بهم عصا الترحال وحيثما أقاموا، انطلاقاً من مسئولياتهم الشرعية وواجبهم الديني، فالشيخ حسن بن الشيخ حسين آل عصفور (ت 1845م/ 1261هـ) عندما هاجر إلى إيران، واستقر في بوشهر اشتهر في تلك النواحي، وصار ممن يُشار له بالبَنَان، ونال احترام الخاص والعام من الناس، ونتيجة لذلك نال احترام السلطات الرسمية في منطقة بوشهر، وفي العاصمة.

ويشير مؤلف كتاب «تاريخ فارس» إلى هجرة الشيخ حسن واستقراره في بوشهر، واشتغاله بالتدريس وإرشاد الناس، كما يشير إلى دور مهم قام به الشيخ حسن في مواجهة الإنجليز حينما أتوا بأسطولهم البحري إلى بوشهر في سنة 1838م (1254هـ) مهددين باجتياح جنوب إيران، بل وربما كل إيران أيضاً، ما لم ينسحب الجيش الإيراني من مدينة «هرات» التي كان قد دخلها. ودخلت قطع من الأسطول البريطاني إلى ميناء بوشهر، فخرج الشيخ حسن مع ابن أخيه (الشيخ سلمان بن الشيخ عبدالله آل عصفور)، وبعض العلماء الآخرين، وخرج معهم أهالي بوشهر وحصلت بعض المواجهات مع الإنجليز أدّت لمقتل أفراد من الطرفين.

ولقد تواصل هذا الدور لرجال المؤسسة الدينية في البحرين في الشأن العام في وقت لاحق، وكان لبعضهم أدوار وطنية وجهادية في كل من إيران والعراق ومنطقة شبه الجزيرة العربية، في إطار العمل على تحرير الأراضي العربية والإسلامية من الاستعمار الأجنبي وإنقاذ الشعوب من وطأة التخلف والاستبداد.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4567 - الإثنين 09 مارس 2015م الموافق 18 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 7:01 ص

      سلمت

      سلمت صديقي.. شكرا لثقتك وذوقك

    • زائر 1 | 2:28 ص

      بوركت يا أخي

      السلام عليكم، بارك الله فيك أستاذ وسام على هذه المقالات التي تتحدث عن تاريخ البحرين، وعن أعلامها، وعن الحوادث التي مرت عليها..
      نتمنى أن تواصل لتبيّن للعالم كلّه أن البحرين تاريخ طويل عريق ضارب في التاريخ، ولم تكن - كما يدّعي البعض - حديثة العهد فتحها من ادّعى أن أجداده فتحوها..
      سر على بركة الله في بيان الحقائق، وإجلاء الغبار عن تاريخ مضيّع..

اقرأ ايضاً