العدد 4569 - الأربعاء 11 مارس 2015م الموافق 20 جمادى الأولى 1436هـ

رفيع لم يكن «حكواتياً» كان فاعلاً وشاهداً

برحيل الشاعر البحريني عبدالرحمن رفيع، تُطوى صفحة من سفْر كبير، أسهمت فيه أصوات كبيرة وفاعلة في الحركة الشعرية البحرينية ما قبل ستينيات القرن الماضي. من عاصمة العرب الكبرى (القاهرة) التي غادرها قبل أن يُكمل تعليمه الجامعي في كلية الحقوق، لم يتقمّص رفيع دور الحكواتي كما يحلو لبعض الكتاب أن يصفوه. الحكواتي ناقل، ولم يفعل رفيع. كان في شعره العامي يبتكر شخصياته وأرواحها وقدرتها على الإبهاج. في الفترة التي برز فيه صوته الشعري، وضمن اتجاه تقليدي، لم يكن كبقية مجايليه في الذهاب الحرفي إلى تلك التقليدية باللغة المغلقة التي تتطلب الاستغاثة بالمعاجم. استطاع أن يوجد منطقته الوسطى في التعامل مع اللغة في نصه، وذلك ما منحه القدرة على المواءمة بين الاتجاهين: النص بالفصحى، والعامي بلغة الناس ووعيهم البسيط، وقدرته الملفتة أيضاً على إدهاشهم بسحر استدراجهم إلى زمن ولّى. استدراجهم إلى ذاكرتهم المؤجلة والمعطوبة أحياناً في ظل تحولات كبرى ومتسارعة، وفرحهم وضحكهم الشحيح أيضاً.

أكثر ما يزعج من كتابات احتفت بالراحل حياً، وترثيه وهو إلى جوار ربه؛ استمراء صفة «الحكواتي». شعره العامي المكتنز بالمشهديات الساخرة والصادمة. قدرته على المزج بين فنون إبداعية متعددة في النص الواحد، ضمن مظلة الشعر مسألة لا يمكن الاستخفاف بها. تحتاج إلى عدم افتعال البساطة أولاً، معايشتها ممارسة، وذاكرة تلتقط بذكاء ما تريد توظيفه في النص، والأهم من كل ذلك، أدوات لا تخون، وذاكرة إضافية، تتوازى مع استدعاء الذاكرة التي يحبها الناس في الزمن الجميل الذي يفقد كثيراً من سماته تلك.

وعلاوة على أنه شاعر الذاكرة، هو شاعر الوطن أيضاً في عديد النصوص التي كتبها بالفصحى وإن كان التصاق القاعدة العريضة بتلك النصوص أقل وهجاً وحضوراً، على رغم رصانتها ومتانة أسلوبها؛ وإن جاءت في أشكال تقليدية؛ إلا أنها لا تنفي جماليات تكتنز بها.

في نصه «موطن الخالدين»، الذي كتبه في وطنه «أوال»، نقف على تلك السلاسة في المفردة، واكتنازها بالدلالات التي تَحُول دون النفور والإحجام بقدرتها على الجذب. الشعر الذي لا يجذب القارئ يعاني من «عقدة» و «خلل»، وذلك ما نجا منه رفيع بذلك الحضور الذي يمثله، واللغة التي يكتب بها وينحاز إليها. كأنه تعلَّم من بساطة قدرته على السرْد شعراً بعامية محبّبة، الإمساك بمفاتيح نصه باللغة الفصحى والانحياز إلى المألوف من الكلام، من دون أن يعنيَ ذلك، الإسفاف في التسطيح والمباشرة.

في النص المشار إليه نقرأ:

ربَّة الشعرِ حلِّقِي ثم عُودي

ألْهميني النشيدَ تِلْوَ النشيد

وأطلي على سمائيَ شمساً

أرتوي من جلالها المعبودِ

ليس شعراً وإنما نفحات

من خيال الذرى وعطر الخلودِ

أرهفت سمعها (أُوالُ) لتصغي

ارتقاباً للشاعر الغرِّيدِ

ليت شعري والعاشقون ألوف

هل سأحظى بوصل يوم فريدِ؟

رحل صاحب «أغاني البحار الأربعة»، و «الدوران حول البعيد» و «لها ضحك كالورد». بتلك التوليفة النادرة بين الفصحى والعامية، أسّس رفيع حضوره اللائق. لم ينظر بعين الانحياز إلى النخبة التي هو منها. كان للقاعدة العريضة مساحتها الأكبر ضمن نتاجه الشعري الذي توقف عند 9 مجموعات شعرية، للعامية النصيب الأوفر منها.

شاعر الذاكرة بامتياز، وشاعر الوطن بامتياز أيضاً.

العدد 4569 - الأربعاء 11 مارس 2015م الموافق 20 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً