العدد 4581 - الإثنين 23 مارس 2015م الموافق 02 جمادى الآخرة 1436هـ

«أزهار الرياض» للشيخ سليمان الماحوزي ينفض غبار 3 قرون

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

بعد أكثر من ثلاثة قرون من تاريخ تأليفه، صدر كتاب «أزهار الرياض» للشيخ سليمان الماحوزي (ت 1709م/ 1121هـ) بعد أن ظلت مخطوطته ذات الثلاثة أجزاء موزعةً بين مكتبات إيران والقطيف والبحرين، تتقاسم لوعة الاغتراب مع من عاشوا طويلاً بعيدين عن الأوطان تحتضنهم المهاجر ويجفوهم الزمان. بعد كل هذه السنوات يظهر كتاب الماحوزي مطبوعاً لأول مرة، نافضاً غبار 300 عام بجهود الشيخ محمد عيسى المكباس الذي أنفق من عمره عشر سنوات متواصلة مع الكتاب، يلاحق نسخه الخطيّة ويجمع شتاتها المبعثر.

وللمكباس أفضال على التراث البحراني تقصر الكلمات عن الوفاء بحقه؛ فقد جنّد نفسه وسخّر إمكانياته في سبيل إخراج العديد من مصنفات علماء البحرين من عتمة الأوراق الصفر المهترئة المكدّسة في المخازن والرواشن العتيقة إلى فضاء النشر الحديث والطباعة الأنيقة، وسمح لهذه الذخائر التراثية أن تصافح العصر وتستثير رغبة المهتمين بتراث الأسلاف.

وبصدور هذا العلق النفيس، تكون المكتبة البحرينية قد استعادت حلقة مهمة من حلقات تراثها العلمي الضائع والمغيّب، والذي يأتي كتاب «أزهار الرياض» من أهمها، والمأمول إصدار بقية المصنفات الكاملة للشيخ الماحوزي والتي ستكون في 25 مجلداً هي الآن جاهزة ومعدّة للطبع، كما أوضح الشيخ المكباس.

لقد عاش الشيخ سليمان الماحوزي بين عامي 1665 - 1709م، وهي فترة صعبة من فترات الاضطراب السياسي الذي شهدته البحرين في إقليم مضطرب ساد فيه التنافس الدولي على مقدرات المنطقة وثرواتها. وقد تكون هذه الظروف الصعبة هي التي أدّت إلى ضياع أغلب تراث علماء البحرين وإرثها الثقافي المكتوب، وتسبّبت من جهة أخرى في هجرة المخطوط البحريني إلى مدن وعواصم العالم العربي والإسلامي.

وكتاب «أزهار الرياض» الذي صدر عن «مركز ابن ميثم للدراسات والتراث»، هو «كشكول» كبير، وبعبارة أخرى هو موسوعية علمية وأدبية تتضمن الكثير من الإشارات التاريخية، جمع فيها المصنف عدة علوم متفرقة من فقه وأدب وطرائف ونوادر وغيرها مما تضمه في الأغلب المجاميع الأدبية.

لقد شاع تأليف المجاميع الأدبية في العصر المملوكي (1250 - 1517) وما تلاه من القرون. والمجاميع الأدبية لا تعبّر عن أصالة مؤلفيها الذين كانوا يأخذون مضامينها من مصادر عديدة، فيجمعون بدائع الماضين في شتى المعارف ويخلقون منها نتاجاً جديداً بمقدار أصالة المؤلف في منهج اختيار المادة، وطريق الإخراج والتبويب. وكثيراً ما اشتملت المجاميع على اللطائف وغرائب الأحداث وجميل النصوص التي تلفت الاهتمام وتثقف القارئ وتسلّيه.

وقد شاع اسم «الكشكول» على هذا النوع من المجاميع، والكشكول يعني «وعاء الفقير وجرابه يجمع فيه أشتات الحسنات»، فكأن هذا النوع من المجاميع تجمع أشتات العلوم واللطائف.

اعتمد محقق «أزهار الرياض» على عدة نسخ خطية ترجع إلى العام 1854، ففي المجلد الأول اعتمد على نسخة مكتبة همدان التي أهديت صورة منها إلى مكتبة الإمام الرضا (ع) في مشهد، وناسخها هو محمد علي بن محمد بن عبد الله الشويكي البحراني.

كذلك، اعتمد المحقق في إخراج المجلد الثاني على نسخة خطية واحدة في مكتبة الشيخ محمد صالح العريبي (ت 2000م)، وقد كتب عليها أنه اشتراها من مكتبة الشيخ محمد علي التاجر بقيمة 800 فلس بحريني عام 1969!

أما في المجلد الثالث فقد اعتمد المحقق على نسختين: نسخة خطية تحتفظ بها مكتبة جامعة طهران، ونسخة أخرى عثر عليها في مدينة همدان وتعود للعام 1854 وناسخها محمد علي بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن حسين الشويكي البحراني.

تميّز منهج الشيخ الماحوزي في «أزهار الرياض» باعتماده الذوق الشخصي في اختيار النصوص، وقد أشار إلى ذلك في مقدمة كتابه بقوله: «أما بعد فهذا كتاب عنيت بجمعه واجتهدت في صنعه، جمعت فيه نفايس عرايس تزري بالدر المنثور، وعقايل مسايل تفضح الروض الممطور، وغرايب طرايف من جواهر التفسير، وزواهر الأخبار وطوايف لطايف امتدت إليها أعناق أرباب الاعتبار وأبياتاً رايقة ألطف من السحر الحلال، وأعذب من السلسبيل الزلال، وبدايع حكم يُستضاء بنجومها، وجوامع كلم يهتدى إلى الصواب بمنطوقها ومفهومها، ونفحات قدسية تجري في أجرام القلوب لنفاستها، ومقاطيع دقيقة تسري في جواهر النفوس للطفها وملامستها، ومباحثات شريفة سمح بها الطبع الكليل، ومناقشات لطيفة سنحت للخاطر العليل أيام التحصل...».

وقد حرص الماحوزي على تطبيق هذا المنهج في الاختيار في معظم كتابه. كما يظهر في الكتاب ولعه بالاستطراد في الموضوع الواحد بما يناسبه من تراجم ونوادر وأشعار وأقوال؛ إلى جانب ميله في الغالب إلى انتقاء القصير من النصوص الأدبية شعراً كانت أو نثراً، بما يتناسب مع ميوله الدينية كفقيه وأديب وشاعر؛ وحرصه على التنويع في النصوص، مما يزوّد القارئ بصورة متعددة لمواقف أو عواطف متشابهة.

وهو إذا اضطر إلى اختيار نصوص طويلة، فإنه كان يعمد إلى اختصارها بطريقة لا يضيع معها من المعنى الأصلي شيء، لأنه كان يأخذ منها فقرات كاملة متصلة المعنى، ويترك ما زاد عن حاجته منها. وهذا نظير ما سار عليه العلماء والأدباء من قبله، يقول أبو إسحاق القيرواني «اختيار المرء قطعة من عقله، تدل على تخلقه أو فضله».

كما ويتسم منهج الماحوزي بالحرص الشديد على نسبة النصوص والأقوال التي اختارها إلى أصحابها، وأحياناً إلى المصادر التي استقاها منها بدقةٍ وأمانةٍ قل نظيرها في كتب غيره.

وذكره لكثير من الآداب الاجتماعية التي كان الناس يحمدونها في عصره، وحفظه لحياة عصره الأدبية بما نقله من استعمالات معاصريه في شتى المواضيع الأدبية والاجتماعية.

كما يظهر تحرّجه من ذكر أخبار المُجَّان والخلعاء وأشعارهم، صوناً للكتاب، والتزاماً بمنهج ديني وأخلاقي يكفه عن ذلك.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4581 - الإثنين 23 مارس 2015م الموافق 02 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 2:20 ص

      الحصول على نسخة من الكتاب

      السلام عليكم، خبر سارّ جداً.
      نرجو تزويدنا بالمعلومات حول الناشر، وإذا أمكن أن تزوّدونا بأرقام الهواتف لنتمكنّ من الاتصال بهم لنعرف موقعهم بالضبط ونشتري نسخة
      وفّقكم الله تعالى

    • زائر 7 | 9:16 ص

      لك الشكر

      على مقالاتك المفيدة. نتمنى لك التوفيق

    • زائر 1 | 1:47 ص

      الحصول على نسخة من الكتاب

      عزيزي الأستاذ وسام: إنتظرنا طويلا صدور موسوعة مؤلفات الشيخ سليمان الماحوزي، فمتى من المأمول صدورها تقريبا؟ أما الآن فكيف نستطيع الحصول على نسخة من أزهار الرياض؟ ممن من الشيخ المكباس أم من المركز؟ خصوصا وأننا لا نملك لا رقمه ولا نعرف بيته. حتى نحصل على ما نريد. نرجو إرشادنا لأقصر الطرق للحصول على الكتاب، وأيضا كتابك الذي أصدرته مؤخرا كيف لنا أن نحصل على نسخة منه. بالإتصال بك أم ماذا؟ وعموما فقد أفرحتنا كثيرا وأثلجت صدورنا بخبر صدور الكتاب. بشرك الله بكل خير. ويبقى الأمل هو في طباعة التراث كاملا.

    • زائر 5 زائر 1 | 6:47 ص

      مركز ابن ميثم

      مركز ابن ميثم البحراني يقع في قرية سماهيج بمحافظة المحرق

    • زائر 6 زائر 1 | 6:48 ص

      مركز ابن ميثم

      مركز ابن ميثم البحراني يقع في قرية سماهيج بمحافظة المحرق

اقرأ ايضاً