فوجئت قبل أيام لدى متابعتي الصحافية لموضوع الدَيْن العام، الذي عرض كمرسوم بقانون على النواب في جلستهم أمس الثلثاء، أن بعض النواب الذين قمت بالاتصال بهم، يخافون من التصريح للصحافة بشأن موقفهم من المرسوم، خصوصاً بعد لقائهم وزير المالية الذي حاول ثنيهم عن رفض المرسوم. واللافت أن طريقتهم في الهروب واحدة «أنا في اجتماع بتصل فيك بعد شوي»، وطبعاً من خلال الخبرة في التعامل مع الناس، تعرف منذ أول وهلة معنى هذه العبارة.

ما يهم في الموضوع ليس تهرب بعض النواب عن الرد على استفسارات الصحافة، والتي هي أصلاً ليست استفسارات شخصية، بل هي حقٌ للناس علينا، وواجبٌ على النائب تجاه أبناء الشعب الذين انتخبوه وأصبح ممثلاً لهم جميعهم بعد انتخابه، وإذا كان هناك من النواب من يخشى أن يوصف بأنه «حكومي» مثلاً أو «بصّام»، فما هو مخفيٌ اليوم سيُكشف غداً، كما أن الصحافي لديه مصادره المتعددة في الوصول إلى المعلومة التي يسعى إليها، ولن تتوقف مصادره بخوفٍ من هذا النائب هنا أو هروبه هناك.

المهم في الموضوع هو التساؤل الذي أراه مشروعاً، في مدى قدرة النواب الذين يخافون من الصحافة على مواجهة الوزراء والحكومة والتصدّي للفساد فيها، والقيام بدورهم الرقابي، فإذا لم يكونوا قادرين على الإعلان صراحةً عن موقفهم من ملفٍ وطني ما، فهل سيستطيعون الوقوف بوجه فساد أو تجاوزات حكومية؟

لا أدري إذا كان النواب الذين يخافون من الصحافة ومن كشف الأمور للرأي العام، يدركون أن طريقتهم في الهروب لا تليق بممثل للشعب، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بموضوع عام يمس معيشة الناس وحياتهم.

وبكل وضوح ينبغي الإشارة إلى أن شخصية النائب وإن كانت محفوظة وفق القانون والدستور، إلا أن كل ممثل عن الشعب عليه أن يدرك أن حصانته الممنوحة له، إنما جاءت من أجل أن يستفيد منها في تحقيق مصالح الشعب، ومواجهة الفساد في السلطة التنفيذية ويكون نداً قوياً للحكومة ولخدمة الناس، وكشف الحقائق للرأي العام.

وهنا أيضاً ينبغي التنبيه إلى ظاهرة قريبة، وهي «تطنيش» بعض النواب لمكالمات الأهالي لهم، فالكثير من الأهالي يتصلون بنا للحديث بتذمر عن عدم رد هذا النائب أو ذاك على مكالماتهم المتكررة، لدرجة أن أحدهم قال لي أنه اتصل ليومين كاملين بأحد النواب على أمل أن يرد عليه، غير أنه لم يقم بذلك ولا مرة واحدة، رغم أن عدد المكالمات له فاقت العشرين مكالمة، هذا بخلاف رسائل «الواتساب» التي تحثّه على الرد، في الوقت الذي يراه ينشر تصريحاته كل يومين تقريباً في الصحافة (هكذا قال).

حقيقةً لا نعلم إذا كان من القانوني نشر أسماء النواب «الخائفين» أو «غير المتعاونين» مع الصحافة و«المطنّشين» للناس واتصالاتهم، ولكننا نعلم تماماً أن من واجب النائب أن يقوم بدوره الوطني بشكلٍ صحيح، بذات المقدار الذي يتحصل فيه على مزايا منصبه من مخصصات مالية وسيارة ووجاهةٍ لدى المسئولين والوزراء والحكومة. وإذا كان هذا هو حال التعامل مع الإعلام والصحافيين... فكيف هو التعامل مع عامة الناس يا أصحاب السعادة النواب!