العدد 4605 - الخميس 16 أبريل 2015م الموافق 26 جمادى الآخرة 1436هـ

الشاعر قاسم حداد: أنسى ما قرأتُ... وأمحو ما كتبتُ... وأبدأ

الشاعر قاسم حداد متحدثاً خلال الأمسية
الشاعر قاسم حداد متحدثاً خلال الأمسية

قال الشاعر قاسم حداد إن الرؤية الكونية التي يحملها الشعراء للحب والحرية هي ما يفسد استسلام الحياة ويحقق النقائض «خصوصاً إذا تسنى لك الخروج عن درس الامتثال الذي يلهج ويتبرع به سدنة الواقع»، مؤكداً «الحب والحرية، لن تكون متحققاً في كتابتك من دون أن تصدر عن أصغر القوادم في هذين الجناحين، عميقاً في القلب وأعلى كثيراً من السماء. فأنت، برؤيتك الكونية بالحرية والحب، تقدر على تحقيق النقائض لكي تفسد على الحياة استسلامها».

جاءت تأكيدات حداد تلك خلال أمسية نظمتها وجود للثقافة والإبداع بالتعاون مع دار فراديس للنشر والتوزيع مساء الإثنين (13 أبريل/ نيسان 2015)، وذلك ضمن موسم «شهادات إبداعية في التجارب البحرينية».

خلال الأمسية تحدث حداد عن تجربته الشعرية ماراً بما أسماه المنعطفات الأبرز في تجربته، مشيراً إلى أنه «في المنعطفات، يحدث التحول الفني نوعياً، وتتاح لنا فرصة الإمساك بالعناصر المكونة للتجربة الشعرية، متحررةً من شروط النجاح والفشل أو أحكام القيمة المطلقة. في تلك المنعطفات يمكننا الزعم بأن ثمة محاولات لإدراك الشعر والسعي لتمييزه عن سواه».

حداد أكد أن الحديث عن التجربة الشعرية يستوجب «اختصار المسافة الزمنية. بإشارات لملامح من المسافة الفنية. وإلا كيف يمكن وضع خمسين عاماً في خمس دقائق؟ (...) أحب الكلام عن الإخفاقات دائماً. في اعتقادي أن كل قصيدة هي إخفاق جديد يحققه الشاعر في محاولة الخلق وإعادة الخلق. أقول الخلق، لكي أشير إلى طبيعة العمل الفني الذي يسعى إليه الشاعر فيما يستدرك تلك المنسيات المدهشة».

عن البدايات قال: «عندما انبثقت المحاولات المبكرة، كانت بمثابة الانبثاقات الصادرة في لحظات الوعي النضالي وحلم تغيير العالم، ما جعل تجارب المرحلة الأولى هاجساً ممتزجاً بالخطاب السياسي. وبعد الكتاب الأول، فيما كنت منهمكا في البحث، تكشفتْ لي صعوبات الخيارات الصارمة».

عن الشعرية في الكتابة، قال: «ثمة لحظة تاريخية فاتنة أحب أن أستحضرها، فمنذ أن وصفت قريش النبي بالشاعر، وأن القرآن ضربٌ من الشعر، في تلك اللحظة أعلنت السليقة العربية إمكانية خروج الشعر عن القصيدة، وسوف أرى في ذلك الموقف إعلاناً نقدياً ليس من الحكمة التفريط في منظوره أو تفادي احتمالاته الثقافية أو التقليل من شأنه المعرفي، وهو يصدر في أوج التجربة الشعرية العربية المبكرة، وخصوصاً بعد أن أصبحت الكتابة الشعرية العربية شبه مكتملة التأسيس بقواعد سوف تحكم تاريخ الشعر العربي لقرون عديدة بعد ذلك».

يؤكد قاسم أهمية اللغة في العمل الأدبي والشعري على وجه الخصوص «إن أساليب الكتابة الأدبية هي أرواح تكتسب طبيعتها من حواس الشخص وطاقته الغامضة في شحذ مخيلة اللغة. وهو ما أعنيه بأن الشعراء كائنات لغوية. أقول ذلك وأحب التأكيد عليه لكي ألفت إلى أهمية الجهر بحق عدم الغفلة عن العناية باللغة عندما يتعلّق الأمر بالتعبير الأدبي».

يؤكد حداد أهمية الانشغال الحميم والعشق العميق للغة فهما «من صميم مهمة الشاعر بالدرجة الأولى، وهما الشرط الذي من شأنه أن يميّز شاعراً عن الآخر. أما الموضوعات والمضامين فهي التي لا ينبغي الاكتراث كثيراً بها أو القلق بشأنها، لأنها لاتزال متاحة على الطريق، وهي تحدث تلقائياً وعفوياً وبفطرة الروح في جسد الشخص والنص. هذا يحدث مثلما يحدث الحلم في النوم. فتجربة الإنسان هي بمثابة النسغ في الغصون والدم في الأوردة، من الطبيعي أن يتمثلها النص لحظة الكتابة، بل إنها شيء يتحقق من دون أن يمكن تفاديه مهما زعم الزاعمون. إنه شأن داخلي يحدث في الباطن، غير أن اللغة هي فقط ما يستدعي الاحتفاء والاهتمام والإخلاص والعشق لكي تمتزج بالروح الداخلي للشاعر».

ويواصل «ما يبقى من صنيع الشاعر، بعد كل شيء، هو اللغة. اللغة بمعنى الروح الخاص بالشاعر في هذا الجسد اللغوي الحي الممتد عبر الكتابة المترامية الأطراف. ما يميّز الشاعر عن غيره هو حساسيته التي يستطيع أن يصوغها عبر تجاربه المختلفة، وقدرته على اقتراح اجتهاداته الخاصة في ممارسته حرية الابتكار في لحظة اللغة وهي تولد في هذا النص أو ذاك، حريته بمعنى أنه لا يقف من اللغة موقف العبد، ولكنه يتصرّف معها كما لو أنه في حضرة مليكة تعشقه هو بالذات، وأنه حرّ في هذه الحضرة لكي يصنع حياته معها بلا حدود. اللغة، في الشعر، هي العشق الذي كلما منحته أعطاك».

بهذا المعنى، كما أشار حداد «كنت أدخل في مغامرات اقتحام الحدود بين أنواع التعبير من جهة، ومن جهة أخرى أشعر بأن اللغة، إضافة إلى إحساسي بمسئولية حق الحرية، هي ثروتي الشخصية التي لا تمنعني عنها سلطة ولا يشاركني فيها أحد، إلا القارئ الذي لا أعرفه».

عن جدلية الشكل والقالب في الكتابة، أشار «لم تعد مسألة النثر والشعر تشغلني،

وليست هي ما يتوقف أمامها النص، عندما يبدأ في التخلّق. بالنسبة لي، هذا الأمر يطرح أسئلة أكثر عمقاً. لذلك فإنني أشعر بالقلق عندما أصادف شاعراً تشي كتابته بعدم الاهتمام، أو اللامبالاة، باللغة فيما يكتب.

اللغة، بوصفها روحاً، هي الأهم في النص كما في الحياة. إنها أجمل الثروات وأخطرها.

الشاعر لا يستطيع أن يحقق قدرته على الحضور الشعري خارج اللغة. أتوقع من الشاعر، فيما يتحرر من قيود القواعد القديمة، أن يقدر على اجتراح قواعده المبتكرة، الجديدة، القائمة على شعرية اللغة، واكتشاف جمالياتها الفنية وعبقريتها الإنسانية.

اللغة العربية، ذلك الروح الشعري الغامض الذي يستعصي على الوصف المباشر، العقلاني، القائم على منطق قياس المادة وفيزياء الدلالات الملموسة. اللغة هي أن تشعر بأن النص قد ولد تواً من عبقريات الجمال الرهيف الذي صقلته تجربة الكتابة العربية وأثثته تجربة الذات الإبداعية».

يستمر «شهادات إبداعية في التجارب البحرينية» بتقديم التجارب الإبداعية، حيث يستضيف مساء الإثنين 20 أبريل 2015 الشاعر حسين السماهيجي، وذلك عند السابعة والنصف بمقر دار فراديس، بشارع السهلة.

العدد 4605 - الخميس 16 أبريل 2015م الموافق 26 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:27 ص

      لا خيار لك

      شاعرنا العربي العزيز قاسم حداد لأنك لم تعد شاعراً بحرينياً كي تمزج مايحلو لك بين اللغة العربيه واللكنة المحرقية فإما الحديث بلكنة اهل المحرق او اللغة العربية التي نسمعها على لسان سميح القاسم ومحمود درويش الفلسطينيان وغيرهما اللذين ان تحدثوا العربية غابت هويتهم القطرية اما ماقدمته من شهادة في دار الفراديس فكانت كلمات عربية بنكهة محرقية وإن كان يحق للشاعر ما لا يحق لغيره فاللغة العربية ليست من ضمن المجازات المسموحة فاختار اما المحرقية او العربية

اقرأ ايضاً