العدد 4623 - الإثنين 04 مايو 2015م الموافق 15 رجب 1436هـ

النكتة... وأصدقاء الفرح والمقهورون

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

النكتة صحافة الشعوب الأكثر انتشاراً وتوزيعاً، والرسالة المشفرة للمهمّشين والفئات الاجتماعية المسحوقة. وبعدما كانت النكت تُتداول في المجالس الخاصة وجلسات الوناسة والسمر بين الأصدقاء، أصبحت اليوم متاحةً لعامة الناس، وصارت سبل انتقالها أيسر وأسرع من السابق بفضل وسائل التواصل الحديثة، ويلعب برنامج المحادثات الأكثر شعبية في العالم WhatsApp دوراً كبيراً كوسيط مثالي لتبادل النكت والطرائف، قديمها وحديثها. البرنامج وفّر نافذةً مثاليةً للتواصل الدائم بين الناس، لتبادل الأخبار والمعلومات والطرائف والغرائب والإشاعات وغيرها، حتى لقد اعتبره البعض وسيلة سهلة وعملية واقتصادية وسريعة لـ «صلة الأرحام»! المهم أن هذا الوسيط أصبح مسخّراً لخدمة الضحك ورسم الابتسامة عند البشر. ولكن لماذا اختصت الطبيعة الإنسان وحده بنعمة الضحك؟ والجواب بسيطٌ للغاية: ليس بين أجناس الحيوان من يعاني من المشقات ما يعانيه الإنسان!

وقد اعتبر بعض الدارسين لأدب السخرية أن الهزل السياسي مرحلة راقية من المزاح، وظاهرة حديثة النشوء في تاريخ الإنسان. كما يقول خالد القشطيني في كتابه «السخرية السياسية العربية». لكني أرى غير ذلك، فالتراث العربي مليء بأخبار الظرفاء وأشعارهم ومواقفهم ونوادرهم، والقشطيني يرى بأن الظرف ارتبط بالمسرح، سيد الفنون الأوروبية، لذلك كانت شعوب أوروبا من أكثر شعوب الأرض استهلاكاً وممارسةً للدعابة السياسية التي انتعشت بفضل المسرح وبموازاته، ومناخ الحريات العامة المُصان، الشريان الضروري لحياة ونمو الفنون كافة. وعليه بقي العرب في ذيل القائمة بسبب أوضاعهم البائسة ومناخهم المتجهم.

وحيث أن الحاجة أمّ الاختراع، فإن النكتة وجدت طريقها للانتشار في المجتمعات المقموعة والمقهورة بديلاً عن المنشور السياسي، فالألم يُسهم في ولادة أدب ساخر مشبع بالمرارة ومعبأ بالأحزان، وأعتقد أن الدعابة في الغرب فن علني يدر دخلاً وله نجومه وأعلامه، وفي الشرق تنفيس يمارس في السر، وقد يكون له ضحاياه.

هنا نموذج لما يتبادله البحرينيون من نكت:

أحدهم يسأل الآخر كم عندك من أبناء؟

- أربعة أبناء، الأول مهندس كهربائي، والثاني مهندس معماري والثالث متخصص نظم معلومات، والرابع حرامي!

- ولما لا تطرد ابنك الرابع من البيت؟

- لا أستطيع، فهو الذي يصرف علينا. الباقي عاطلون عن العمل!

وفي ظل انقلاب المفاهيم وتردّي القيم، يصبح اللجوء إلى التزلف والنفاق حرفة تدر دخلاً محترماً ودائماً. روي أن أحد مواطني الدول العربية كان جالساً أمام مبنى الجامعة العربية وفي حضنه بوق، فرآه صديق له وسأله:

- ماذا تعمل بهذا البوق؟

- هذا عملي الجديد، انتظر صدور قرار الوحدة العربية لأعلنه بهذا البوق على دول العالم.

- وكم تتقاضى على هذا العمل؟

- خمسين دولاراً في الشهر.

- هذا راتب زهيد للغاية، فكيف ترضى به؟

- نعم هو زهيد، لكن هذه وظيفة مضمونة إلى الأبد.

وحيث أن الكلمة الحرة في عالم مقموع مسألة شاقة، إلا أن الأمل بالله كبير، وباب الرجاء مفتوح للطالبين، دعا أحدهم بهذا الدعاء: «اللهم يا مُغيّر الأحوال غيّر حالنا من حال إلى حال...»، فقاطعه مَنْ بجانبه وقال له: «بل قل إلى حال أحسن». فأجابه: «دعائي يفي بالغرض، لأنه لا يمكن أن يكون هناك أسوأ»!

ويأبى البشر إلا أن تشاركهم الحيوانات همومهم، فقد لجأ الظرفاء دائماً إلى الاستعانة بالحيوانات ورمزوا بها إلى أغراضهم. روى أن أرنباً سئم حياة الفقر في الريف، وسمع بما يستمتع به الدبّ في السيرك من شبعٍ وريٍّ فقام بزيارته:

- أهلاً بك أيها الأرنب الصغير!

- عجباً، تقول أرنباً؟ إنني دب وأنت الأرنب.

وبعد جدال طويل عقيم رُفع الأمر إلى القضاء. وجلس الأسد ليفصل في القضية، فطلب من كل من المتقاضيين أوراقه الثبوتية. أما الدب فقد فوجيء بهذا الطلب ولم يكن قد تهيّأ له. وأما الأرنب فأبرز أوراقاً كان قد أعدّها ممهورةً بالتواقيع ومذيّلةً بالأختام، تشهد بأنه دبٌّ أصيل. فصدر حكم الأسد برفع الأرنب إلى مقام دب، وبخفض الدب إلى مرتبة أرنب. وحلّ الأرنب محل الدبّ في السيرك. أما الدب فراح يهيم على وجهه في البراري، حيث عرف من أهل الثقة أن الأسد الذي حكم في قضيته ما هو إلاّ حمار اكتسب هوّية الأسد بأوراق ثبوتية مزّيفة، تماماً كما اكتسب الأرنب هوية الدب.

الابتسامة والضحكة هي سلاح المسحوقين في مواجهة الأوضاع والظروف المعادية للفرح. والمجتمع الخائف يلجأ إلى النكتة للتعبير عن مشاكله بلغة حذِرة ومواربة.

وتستهدف النكتة والظرف السياسي في الغالب إدانة وضع فاسد وجهة ترعى الفساد وتحميه، لكن النكتة أحياناً توجّه سهام نقدها الساخر إلى الذات حينما يبلغ الألم مداه، ويستبد العجز واليأس من إمكانية تغيير الأوضاع، حينها يلجأ المجتمع إلى السخرية من نفسه. من هنا تعد السخرية والتهكم على الذات أرقى أشكال الإحباط الاجتماعي. إحباطٌ يترجمه القلة في الإنطواء والانسحاب، فيما يختار الأغلبية التعبير عنه بقهقهة مسموعة وضحك كالبكاء.

إن المكثر من الضحك مهرج، والممتنع عنه فض سمج. أما الظريف فهو الذي لا يغالي في دعابته، فهل نحن شعب ظريف؟

ربما... وربما لأننا سئمنا الأحزان وسئمتنا.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4623 - الإثنين 04 مايو 2015م الموافق 15 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:08 ص

      الضحك

      نحن ف زمن تسمو عليه طابع الحزم والجدية والقسوة . فالضحك مطلوب أينما ما كان ولو بالبسمة المصتنعة لتخفيف من وطاة القسوة التي تلازم حياتنا والعمل ع صناعة النكتة سرا وعلانية لتخفيف من الجفاء الذي نعيشه ....وشكرا للكاتب المحترم ع الطرح المميز.

    • زائر 3 زائر 2 | 6:28 ص

      عنوان السلام

      الضحكة والابتسامة والنكتة والمرح مظهر من مظاهر السلام والحب... هل رأيتم محارباً يحارب وهو يضحك لا يمكن فالكراهية والحب نقيضان لا يجتمعان....

    • زائر 4 زائر 2 | 7:05 ص

      النكتة وليدة الحاجة

      النكتة وليدة الحاجة،، وحاجة الانسان الى الضحك كحاجته الى الطعام والنوم والجنس

    • زائر 1 | 1:42 ص

      استيراد وليس انتاج

      البحرينيون لاينتجون النكتة.. انما يستوردونها

اقرأ ايضاً