العدد 4630 - الإثنين 11 مايو 2015م الموافق 22 رجب 1436هـ

ماحوز الشيخ ميثم وذاكرتها

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

بات واضحاً أن الوعي بضرورة توثيق تاريخ القرية بلغ مراحل متقدمة لدى البحرينيين، وهو ما يعبّر عنه ويدلّل عليه الكمّ المتزايد من الإصدارات والكتب الجديدة المتعلقة بتاريخ القرية البحرينية.

وقبل أيام تم تدشين كتاب «أزهار الرياض» للشيخ سليمان الماحوزي (ت 1709م/ 1121هـ) أحد مفاخر العلم البحرينيين في القرن السابع عشر، وممن أنجبتهم قرية الماحوز، ذات التاريخ المجيد، بلد العيون والنخيل وابن ميثم البحراني والحكمة والشعر والطبيعة الخضراء.

وذكّرني التدشين بالأهمية الثقافية التي تتمتع بها هذه البقعة المعطاء، فالماحوز تستند على إرث مضيء وتاريخ ضارب يكتسي بالفخر وكان سببا، ضمن أسباب، في شهرة إقليم البحرين يوم كانت اسمًا جامعًا للبلاد الواقعة على ساحل بحر الهند بين البصرة وعمان.

وقد أعدّ الزميل عبدالله حسن عمران حول الماحوز كتاباً بعنوان «ذاكرة الماحوز» نشرته وزارة الإعلام العام 2007، وقد بذل فيه الباحث جهداً توثيقياً رائعاً، وجمع فيه كل ما يرتبط بالماحوز: المعنى والموقع وأهم المعالم القديمة والحديثة، كما تحدّث عن المزارات وقدّم وصفاً لرجال الفكر والأدب السابقين والمعاصرين، وأهم الأسر التي قطنتها، دون أن يغفل الحديث عن المساجد والمؤسسات الدينية والاجتماعية فيها.

تعدّدت الأقوال في سبب تسمية الماحوز بهذا الاسم، فهناك من ينسب تأسيسها إلى شخصية من شخصيات الخوارج، وهو (الماحوز بن الزبير بن الماحوز)، وذلك في القرن الثامن الميلادي (الثاني الهجري)، وهذا ما ذهب إليه المؤرخ محمد علي الناصري، خصوصاً أن الخوارج قد وصلوا في القرن الثاني إلى منطقة البحرين القديمة. وهناك رأي آخر رجع سبب التسمية إلى كثرة الحوزات الدينية بها آنذاك، وهو رأي مستبعدّ، ذلك لأن إطلاق لفظ الحوزة العلميّة على المدرسة الدينية جاء متأخراً، مع القرن الرابع عشر الهجري، في حين أن مسمّى الماحوز على هذه المدينة القديمة يسبقه بقرون.

وقد لعبت الماحوز، دوراً علمياً واجتماعياً وسياسياً مهماً في قرون سابقة، لكن شهرتها العلميّة طغت على الأدوار الأخرى، ولا تزال تحمل من القداسة والاعتبار الديني ما يجعلها مهوى لأفئدة العارفين بمقامات علمائها الكبار الذين منحوا المدينة شهرتها وألقها العلميّ، وعلى رأسهم الفيلسوف العارف الشيخ ابن ميثم البحراني (كان حيًّا 1288م/ 687هـ)، والفقيه الكبير الشيخ سليمان الماحوزي (ت 1709م/ 1121هـ).

لم تحتفظ الماحوز بمركزيتها العلميّة في البحرين منذ القرن الثالث عشر الميلادي (السابع الهجري) فحسب؛ بل حافظت أيضاً على جامعيتها المدهشة.

وقد تأثّرت الماحوز بطبيعة المناخ العلميّ الذي كان شائعاً في البلاد والذي كان على الدوام يحتفظ بوشائج متينة مع مراكز الثقل العلميّ في الحواضر العلمية في العالم الإسلامي، خصوصاً في العراق وإيران إبان المرحلة الصفوية في فترة لاحقة. وفي غضون القرن السابع الهجري كان المزاج العلميّ في البحرين ميّالاً للفلسفة والإلهيات والعرفان، وكان علم الفقه يحتل مرتبةً أدنى لدى المؤسسة الدينية في تلك الفترة التي لم يصلنا عنها سوى النزر اليسير من المعلومات، وكانت جزيرة سترة تشكل مركزاً علمياً متقدّماً شدّ إليه انتباه نخبة علمائية واعدة من طلبة الماحوز أفادت كثيراً من حيوية الوضع العلميّ الذي كان يقوده آنذاك الفيلسوف الستراوي الشيخ علي بن سليمان البحراني، والذي كان بدوره تلميذاً نجيباً للفيلسوف الشيخ كمال الدين أحمد بن علي بن سعيد بن سعادة البحراني.

وقد مرّت الحركة العلميّة في البحرين بتحولات كبرى ساهمت فيها الظروف السياسية والاجتماعية والفكرية بشكل كبير، وكان من نتائجها انحسار وتراجع الفلسفة وعلم الكلام الإسلامي والعرفان عن مواقعها المتقدمة خلال القرن الهجري السابع وما تلاه، لصالح علم الفقه وعلوم الحديث والتفسير التي ازدهرت بشكل ملحوظ بدءًا من القرن التاسع الهجري، واستمر نموها وازدهارها باضطراد إلى نهايات القرن الثاني عشر الهجري، عندما مُنيت الحركة العلميّة في البحرين بتدهور تراجيدي هائل.

لقد كان للماحوز في القرنين الحادي والثاني عشر موقع الصدارة كحاضنة علميّة ترعرع في كنفها العديد من العلماء والفقهاء والأدباء، ومن أبرز هؤلاء الشيخ يوسف آل عصفور (ت 1773م/ 1186 هـ) الذي وُلد في الماحوز سنة 1696م (1107هـ). وكان والده الشيخ أحمد آل عصفور (ت 1719م/ 1131هـ) ساكناً فيها لملازمة الدرس عند فقيه عصره الشيخ سليمان الماحوزي، وكانت بداية نشأة الشيخ يوسف في هذه القرية الصغيرة إلا أن الأحداث السياسية التي تزامنت مع الغزو العماني للبحرين حالت دون استمرار بقائه وأسرته فيها.

ويُعدّ الشيخ سليمان الماحوزيّ (ت 1709م/ 1121هـ) رائد مدرسة الماحوز وباعث نهضتها العلميّة؛ وقد انشغل بالتدريس في قريته، وكان يحضر عنده جملة وافرة من العلماء. وقد انعكست إمكانيات الشيخ الماحوزي الذاتية، وكفاءته العلميّة على ترسيخ اسمه كواحدٍ من أكبر الأساتذة والمعلمين الذين شدّوا انتباه المجتمع العلمائي وطلبة العلوم الدينية، واستقطبوا الأنظار داخل وخارج البلاد. حتى أن الشيخ البلاديّ يقول في «أنوار البدرين»: «وكثرة تلامذته واشتهاره مع قصر عمره يدل على فضل عظيم وفخر جسيم». ومعلومٌ أن الشيخ الماحوزي عاش 46 عاماً.

ولعل مدرسة الفقيه الشيخ حسين بن محمد الماحوزي (ت 1709م/ 1121 هـ) تُعدّ من حيث عمق التأثير من كبريات المدارس العلميّة ليس في الماحوز فقط، بل في عموم البحرين.

ولم يُعرف عن الشيخ حسين الماحوزي (ت 1181هـ / 1767م) أنه خلّف نتاجاً علمياً مكتوباً، وقد «بلغ من العمر ما يقارب تسعين سنة ومع ذلك لم يتغيّر ذهنه ولا شيء من حواسه سوى ما لحقه من الضعف الناشيء من كبر السن، ومن العجب أنه (قدس سره) مع غاية فضله لم يكن له مَلَكةُ التصنيف، ولم يبرز له شيء في قالب التأليف»، لانشغاله بشئون التدريس ورعاية طلاب العلم والإشراف على الشئون التعليمية إلى جانب الفتيا والنشاط التبليغي.

ومن علماء مدرسة الماحوز العلميّة الشيخ محمد بن ماجد بن مسعود الماحوزي (ت 1694م/ 1105 هـ) الذي آلت إليه الزعامة الدينية لبلاد البحرين قبل السيد هاشم البحراني (ت 1695م/ 1107هـ) فكان «إماماً للجماعة والجمعة، مجتهداً دقيق النظر، وكان مدرّساً يحضر بحثه كثيرٌ من فضلاء البحرين».

هذه دعوةٌ لإعادة الاعتبار لتاريخ القرية البحرينية والعناية بتاريخها الثقافي والاجتماعي، فليس هناك أكثر ملائمة من هذا الوقت لمثل هذه المهمة العلمية الجسيمة.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4630 - الإثنين 11 مايو 2015م الموافق 22 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 5:05 ص

      أين ذكر الشعب من كتب تاريخ البحرين

      قال أحدهم حول تاريخنا (وغاب بنو شعبي عن الذكر ما لهم ـ بتاريخهم ذكر سوى حين هجّروا)، بالرغم من الجهود الكبيرة لبعض كتاب تاريخنا من المنصفين كالتاجر والخيري، إلا أن النسبة الأكبر بكتبهم هي بذكر تاريخ من توالوا على حكم البحرين، ظروف انتقال السلطة لهم وو، بينما تاريخ الشعب لم يذكر إلا بصورة بسيطة وحين يتم تهجير الشعب، وكأنه لا تاريخ للشعب إلا عند النكبات التي تحل عليه أما ظروف معيشته وحياته طوال القرون المتمادية فلا ذكر له، أيها المؤرخون المنصفون أعيدوا كتابة تاريخنا بالتركيز على تاريخ الشعب أولاً.

    • زائر 11 | 6:22 ص

      شكرا استاذ

      نشكر الاستاذ على هذا المقال ونرجوا ان تزيد مثل هذه المقالات حتي يعرف اهل البحرين عن تراثهم الثري.
      ملاحظة...كتاب ذاكرة الماحوز الي الاستاذ عبدالله حسن عمران يشوبه بعض الاخطاء عن بعض العوائل ارجوا من الاستاذ القدير مراجعة بحثه عن هذا الموضوع

    • زائر 13 زائر 11 | 9:50 ص

      صححوا الاخطاء

      حسب علمي ومعرفتي بالاستاذ عبدالله عمران فانه أريحي ويتقبل النقد.. تواصلوا معه لتصحيح بعض الاخطاء التي وقع فيها في كتابه .. لان الكتاب يعد من اشمل الكتب التي صدرت حول الماحوز

    • زائر 10 | 6:17 ص

      دعوة لكتابة تاريخ البحرين من جديد

      إستفادة مما تطرحه المكتبة البريطانية بالتعاون مع مكتبة قطر الوطنية ومما هو متاح في الأرشيف البرتغالي والبريطاني وغيرهم من المكاتب التي كانت منتشرة على ظفتي الخليج، رجاؤنا يتكرر للإخوة المؤرخين جميعا بدءاً بـ د. عيسى أمين ومرورا بـ د. محمد السلمان وليس انتهاءا بالأستاذ وسام وغيرهم من المؤرخين الأفذاذ والكتاب وغيرهم من المنصفين فإن الأمل معقود بالله وبكم أن تكتبوا موسوعة تاريخ البحرين كما كان وكما حدث بكل دقة وأمانة وبتحقيق وتوثيق، إبدؤا الآن ولو بضع خطوات، بادروا بترجمة ما هو متاح واطرحوه للناس.

    • زائر 9 | 4:43 ص

      شكر

      شكر خاص للكاتب المبدع ع اثارته للمادة التاريخية للقرية ومنها قرية الماحوز وان دل ع شيء فانما يدل حب وغيرة الكاتب ع قرى ومدن البحرين التاريخية وحفظها من التشويه والاندثار...شكرا لكم.

    • زائر 12 زائر 9 | 7:03 ص

      الشكر الجزيل

      الشكر الجزيل على متابعاتكم.. ممتن جدا

    • زائر 7 | 2:54 ص

      الى زائر رقم 3

      صديقي الاستاذ يوسف مكي.. مداخلاتك لها طابع وأهمية خاصة عندي.. كما تفضلت .. واحدة من معاني الماحوز في اللغة هو حديقة الرياحين كما ورد في المعاجم اللغوية.. طبعا لم استعرض كل الاراء في هذا الامر لان المقالة لاتسع لافاضة من هذا النوع.. طبعا لكل القرى ذاكرات وهذا بالضبط ما يحاول المقال استثارته في المهتمين كما لاحظت.. الحاضر مهم طبعا.. لكننا مع الاسف نعيد اخطاء الماضي لاننا لم نستوعب دروسه.. والمسألة في النهاية مسألة اختصاص ثقافي واكاديمي.. ربما نكون انا وانت وآخرين نسهم فيها. وسام

    • زائر 8 زائر 7 | 3:26 ص

      الأخ : وسام السبع المحترم

      نعم المقال لا يتسع (اقترح ) 1/ ان يكون على حلقات 2/ الجلوس مع من لديه معلومات حول صاحب المقام الرفيع او المنطقة 3/ لد الشيخ فدس سره مسجدا مهمولا وقد تكلمنا حوله فحبذا يكون (فوكس) عليه ليعرف الجاهل به وكذلك طلب إعادة بنائه قبل أن يندثر كغيره وشكرا على هذه الجهود الكريمة منك /اخوكم الصغير

    • زائر 5 | 1:56 ص

      يا أهل الماحوز.. انصفوها

      يا أهل الماحوز أنصفوها.. مقام الشيخ سليمان وضعه لايليق بمكانة هذا الجهبذ العظيم..ندعوا اهل الماحوز للاهتمام بتعمير المقام

    • زائر 4 | 1:46 ص

      رضي

      بوركت جهودكم يا أستاذ وسام ورحم الله والديك

    • زائر 2 | 1:15 ص

      شكرا

      شكرا على جهودك الطيبة في تدوين تاريخ البحرين الصحيح الذي اريد له أن يطمس. بارك الله فيك و وفقك

    • زائر 1 | 12:09 ص

      شكرا لكم

      باعتباري ابن الماحوز ابن عن جد فقط اضفت لي الكثير من المعلومات الهامة عن علماء قريتي الحبيبة فهي كسائر قري البحرين غنية بعلمائها الافاضل / لكم مني خالص تحياتي

    • زائر 3 زائر 1 | 1:34 ص

      حاضر الماحوز اجدى

      شكرا استاذ وسام على تنشيطك للذاكرة التاريخية حول القرى لكنني اعتقد انه يمكنك توسيع ذاكرتك بالكتابة عن مختلف مناطق البحرين وقراها فكلها لها ذاكرات. ومع ذلك فانني اميل الى الكتابة عن ذاكرة الحاضر بمعني مثلا ماذا عن ماحوز الحاضر لكي لا نبقى اسيري التاريخ التوثيقي.اما فيما يتعلق باسم الماحوز فأظن انه فارسي وربما عنى حدائق المشموم (الريحان).والله اعلم الموضوع بحاجة الى تحقيق واظن هذا هو الجوهري في الموضوع فاذا كان الماضي مهما فالحاضر اهم . مع تحياتي . يوسف مكي

    • زائر 6 زائر 1 | 2:40 ص

      شكرا لمرورك الجميل

      شكرا لمرورك الجميل واسعدتني المداخلة
      وسام

اقرأ ايضاً