العدد 4640 - الخميس 21 مايو 2015م الموافق 03 شعبان 1436هـ

الرمادي والانقسامات حول دور الحشد الشعبي في الأنبار

الوسط – (مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي) 

تحديث: 12 مايو 2017

تمثل سيطرة تنظيم الدولة على كامل مركز مدينة الرمادي عصر الأحد 17 مايو/ أيار 2015، وهي علامة فارقة في استراتيجيات الأطراف المتصارعة شكّلت، من وجهة نظر البنتاغون، انتكاسة في المعارك مع تنظيم الدولة. حيث فشلت قوات الجيش والشرطة والصحوات بالدفاع عن المدينة، مما دفع بمجلس محافظة الأنبار وقياداتها العشائرية لمطالبة حكومة العبادي بمشاركة الحشد الشعبي في استعادة مدينة الرمادي كخيار وحيد، وهي خطوة متقدمة قد تضع في الوقت الحالي حداً للانقسامات العشائرية والسياسية حول مشاركة الحشد الشعبي في معارك الرمادي المقبلة.

ارتكبت قوات الحشد الشعبي انتهاكات جسيمة في تكريت بعد استعادتها في 31 مارس/ آذار 2015. وقد اتهم مجلس محافظة صلاح الدين مقاتلين شيعة بأعمال نهب وإحراق للبيوت والمباني في تكريت، وبمنع المجلس من الدخول إلى المحافظة لممارسة مهامه الوظيفية. وقد أُخضِعت تكريت لسيطرة قوات الحشد الشعبي لأيام عدّة قبل أنْ يأمر رئيس الوزراء حيدر العبادي بسحبها من المدينة. تخشى بعض العشائر السنّية الآن من تكرار انتهاكات قوات الحشد الشعبي في مدن أخرى، ما أدّى إلى خلافاتٍ بينية مع عشائر أخرى، معظمها تريد الخلاص من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مدنها بأيّ ثمنٍ، حتى لو اقتضى ذلك العمل مع الميليشيات الشيعية. وتؤدّي هذه الخلافات إلى تأجيج حدّة الانقسامات حول تطوير استراتيجية لقتال الدولة الإسلامية، لاسيما في الرمادي.

بعد ساعاتٍ قليلةٍ من انسحاب غالبية قوات الحشد الشعبي من معقلها الرئيس في منطقة الصوفية، إلى الشرق من مركز المدينة، باتجاه قاعدة الحبانية المجاورة، شنّ تنظيم الدولة الإسلامية، منتصف أبريل/ نيسان2015، هجوماً على عدّة مناطق في مركز مدينة الرمادي وأطرافها. على إثر ذلك، انسحبت القوات الأمنية ومقاتلو العشائر من المنطقة التي ظلّ تنظيم الدولة الإسلامية يفرض سيطرته عليها حتى سقوط كامل المدينة 17 مايو/ ايار 2015.

حتى سقوط المدينة لم يكن هناك اتفاق بين القادة السياسيين والاجتماعيين على خطة واضحة في الأنبار، حيث تقع مدينة الرمادي، بسبب الانقسام الحاد في أوساط العشائر الكبرى بين القبول والرفض من مسألة مشاركة قوات الحشد الشعبي في هزيمة الدولة الإسلامية في مدينة الرمادي تحديداً. وسبق أنْ شاركت قوات الحشد الشعبي في القتال في مدنٍ أخرى في الأنبار - ولم يثبت انها ارتكبت تجاوزات - مثل قضاء الكرمة، 40 كيلومتراً غرب بغداد، وناحية البغدادي، 110 كيلومترات غرب الرمادي، حيث قاعدة عين الأسد التي يتواجد فيها مئات المستشارين الأمريكيين.

ينبغي على رئيس الوزراء حيدر العبادي إرساء توازن بين عدد من وجهات النظر لمعالجة هذا النزاع. ترفض الولايات المتحدة المساهمة الفعلية مالم يتم سحب قوات الحشد الشعبي من الرمادي، خشية أن تؤدّي مشاركة الحشد إلى الانزلاق باتجاه اقتتال طائفي محلي قد ينتشر إلى بلدان الإقليم. من جانب آخر، تُصرّ قيادات الحشد الشعبي على أنها لاتحتاج إلى الحصول على إذن من أحد لدخول الرمادي والمشاركة في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية التي ترى أنّ الجيش العراقي والقوات الأمنية غير قادرة على مواجهته بمفردها. كما أنّ القوى السياسية الشيعية مازالت تقف في وجه مساعي رئيس الوزراء لتسليح العشائر السُنيَّة وزجّها إلى جانب القوات الأمنية. هذا فضلاً عن أنّ الانقسام في موقف عشائر الأنبار زاد من صعوبة مهمة رئيس الوزراء بشكلٍ أكبر.

يتمحور جزء أساسي من هذا السجال حول واقع أن قوات الحشد الشعبي أفضل تسلّحاً إلى حد كبير من القوات العسكرية والقبلية. لقد عرقلت الحكومة الاتحادية العراقية - لاسيما وزارة الدفاع التي تشرف على قوات الحشد الشعبي، إذ إن الولايات المتحدة تشترط أن تعمل قوات الحشد تحت إمرة وزارة الدفاع العراقية، كشرطٍ مسبقٍ لمشاركة طيران التحالف في معارك الأنبار - تسليح العشائر السنّية وتمويلها، بزعم أنها تعيد بيع الأسلحة إلى الدولة الإسلامية. تجد الأسلحة التي تقدّمها الولايات المتحدة للحكومة العراقية طريقها بشكلٍ سلس إلى الميليشيات الشيعية بدلاً من توزيعها بشكل مناسب على جميع الأطراف. أدّى هذا الخلل في التوازن إلى تزايد شكاوى العشائر السُنيَّة، والسياسيين السُنَّة، من عدم تقديم مايكفي من الدعم المالي أو التسليحي لهم، ويرون أنّ مشكلتهم ليست في قلّة الرجال لكي يستعينوا بقوات الحشد الشعبي، إنّما في قلّة التسليح.

في غضون ذلك، يعزّز الفشل في إنشاء قوات الحرس الوطني السنّي وتسليح العشائر المحلية، من شعور العشائر في الأنبار بانعدام ثقة الحكومة المركزية بهم. في أواخر أبريل/ نيسان الماضي، ناقش مجلس النواب العراقي مشروع قرار مدعوماً من الولايات المتحدة ينصّ على التعامل مع القوات الكردية، والعشائر السُنيَّة، كبلدَين مستقلين في جانب تلقّي المساعدات مباشرة من الولايات المتحدة، ووقف الدعم للميليشيات الشيعية، وحجب جزء من المساعدات المقدمة للحكومة المركزية في حال عدم إقرار مشروع قوات الحرس الوطني. رحّب السُنَّة والأكراد بمشروع القرار فيما رفضه الشيعة على كلّ المستويات معتبرين أنّه يؤدي إلى تقسيم البلاد، مادفع بالنواب السنّة والأكراد إلى الانسحاب من الجلسة. كما إنّ سرايا السلام التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر هدّدت باستهداف المصالح الأمريكية في العراق، والمنطقة، رداً على هذا "المشروع التقسيمي".

هذه المشاغل، فضلاً عن تصاعد المخاوف من الانتهاكات المروّعة في تكريت، والمعاملة السيئة التي قُوبلت بها عوائل عناصر الصحوات التي فرّت مؤخراً باتجاه العاصمة، أدّت إلى تعاظم الاستياء المحلي في الأنبار، الأمر الذي عزّز كثيراً من موقع الدولة الإسلامية في المناطق التي مازالت تحت سيطرتها، كما أنها تمكنّت من استثمار تلك الجرائم وتوظيفها في ترويج مفهوم حماية المجتمع السُنّي من الميليشيات الشيعية والحرس الثوري الإيراني في الوقت نفسه. نجح تنظيم الدولة الإسلامية في استثمار الانقسامات في صفوف العشائر لضمان تأييد عدد من عشائر الأنبار وأخذ البيعة من رؤوسها للقتال إلى جانبه، أو تحييدها على الأقل.

كذلك، برزت مطالبات عشائرية "تدعو الى رفض إشراك فصائل الحشد الشعبي في عملية تحرير مناطق الفلوجة والرمادي وهيت وحديثة والقائم"، وضرورة إشراك طيران وقوات أمريكية وعربيةلقتال تنظيم الدولة. غالبية شيوخ العشائر من قادة الاعتصامات المقيمين في أربيل، أو عمان، من الذين لا يتلقون مساعدات حكومية، يرفضون إشراك الحشد الشعبي في معارك الرمادي، حتى بعد سقوطها، لعدم حاجة المحافظة إلى مقاتلين من غير أهلها لوجود أعداد كبيرة من المتطوعين من أبناء الانبار، في ما يطالب شيوخ العشائر من قادة الصحوات بضرورة إشراكه بشكل أوسع في معارك الرمادي. وقد طالبت كبرى عشائر الفلوجة، التي تدافع عن ناحية عامرية الفلوجة، أكثر من مرّة بإشراك الحشد الشعبي لفكِّ الحصار عن المدينة، ووقف قصف الدولة الإسلامية على الناحية.

رغبة بعض العشائر، الذين هم على صلات مع جهات أمريكية، بعدم اشراك قوات الحشد الشعبي في معارك الرمادي، تتفق مع خشية الحكومة المحلية في الأنبار من قطع الدعم الأمريكي عنها في حال طلبت دخول قوات الحشد الشعبي إلى المحافظة. فيما يطالب قادة الحشد الشعبي عشائر الأنبار بممارسة الضغط على رئيس الوزراء حيدر العبادي بصفته القائد العام للقوات المسلحة لإعطاء الأوامر بدخول الحشد الشعبي إلى الأنبار. وكانت عشيرة البو فهد، كبرى عشائر الرمادي، خوّلت رئيس الوزراء حيدر العبادي اتخاذ قرار مشاركة قوات الحشد الشعبي في معارك الأنبار.

أدّتْ الانقسامات الداخلية، في الأنبار، قبل سقوط الرمادي وعلى المستوى الوطني، إلى عرقلة الاتفاق على خطة واضحة في مواجهة الدولة الإسلامية بإشراك الحشد الشعبي، أو عدم إشراكه. كما أن التعامل المصلحي للعشائر، وشكل العلاقات التي تربط رؤوسها بالعناصر الثلاثة الفاعلة، الولايات المتحدة والحكومتين المركزية والمحلية، وقيادة قوات الحشد الشعبي، لعبت دوراً مهماً في تعزيز تلك الانقسامات، إضافةً إلى الدور الذي يلعبه عامل الفساد في عمليات التسليح والدعم المالي. لكن قد يغير سقوط الرمادي من موقف الجميع، الحكومة المحلية والعشائر السُنيَّة من قادة الصحوات والسياسيين السُنَّة، والقبول بمشاركة قوات الحشد الشعبي في العمليات القتالية ضد تنظيم الدولة الإسلامية مستقبلا، إذ لم يعد امامهم من خيار بديل طالما ظلت الولايات المتحدة غير جادة في تسليح العشائر، مع موقف حكومي عاجز عن اقرار قانون الحرس الوطني لاحتواء أبناء العشائر وتأهيلهم لقتال الدولة الإسلامية.

رائد الحامد صحافي عراقي وعضو في نقابة الصحفيين العراقيين. يساهم بانتظام في صدى.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:02 ص

      الطرح غير دقيق

      سقوط المناطق كان بسبب تخاذل الموجودين على حمايتها ووصول السلاح للارهابيين يتعاون فيه اصحاب تلك المناطق اضافه الى دول مجاورة وعالميه كالولايات المتحده وماحدث في تكريت هو تصفيه لقتله وخونه مجزرة سبايكر اما مطالب من يطلقون على انفسهم ممثلين للسنه فهي دعوات ليست جديدة تنتظر في كل مرة تهيئته الجو السياسي لتخرج على السطح تتمة للمشروع الصهيوامريكي

اقرأ ايضاً