العدد 4666 - الثلثاء 16 يونيو 2015م الموافق 29 شعبان 1436هـ

عندما يتلازم الإنتقام والإرهاب العربي

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

لكل عمل في مسماه، وصف ومفهوم مادي محدد، له أسباب وتترتب عليه نتائج، التي بناءً عليها، ينال من القبول أو الرفض، بحساب العقل والحق الإنساني ما يناله، وإن أي عمل لا يأتي إلا بناءً على نية في تحقيق النتيجة، بما لا يقبل التأويل والتكييف، لربطه بأي مسمى آخر، ففي غير ذلك إما الفشل وإما الكذب ولَيُّ الحقائق، والكذب بسوء النية، ينقل فاعله من الإنسان السوي إلى الفرد المسخ الغشاش المخادع.

وبذلك فالإرهاب، هو عمل يقوم به فرد أو جماعة، لإرهاب آخر أو آخرين، فيطالهم بالتهديد والأذى والقتل، في أنفسهم وفي أهليهم، بدءًا من قطع الأرزاق، إلى المسّ بالسوء في واقعهم المعيشي، أو الاجتماعي أو السياسي أو الديني أو المذهبي أو الحقوقي، مستخدماً في ذلك ما طالته يداه من الوسائل والأدوات، سواءً مما ملك أو ما أؤتُمِنَ عليه أو ما سرقه، أو ما ناله من مُعينٍ، وذلك من خلال إصابة الآخرين إصابة عشوائية، دون تحديد المدى الإصابي، ما بين جرح أو موت، ودون تحديد المدى الإتساعي، ما بين مساحات تحوي أفراداً أو تحوي جموعاً غفيرة، ودون تحديد المدى النوعي ما بين الإنساني ومحيطه المادي، من بناء عقائدي فكري أو مكان عبادة أو إقامة أو مقر.

والإرهاب، هو الأقذر والأكثر إيذاءً للأفراد والجموع من الإنتقام، من حيث أن الإرهابي، لا يشخص الفعل في فرد أو أفراد، أساءوا لشخص الإرهابي، بل يعمّمه على كل من يصادف وجوده في مساحة فعل الإرهاب، والأكيد ترصد الإرهابي للمكان والزمان اللذين يطالان أكبر قدر ممكن من الأذى والإصابة، لأن فاعله لا يملك ضميراً ولا عقلاً، ولا هدف له سوى إفناء الغير، ولأن معاييره وأفكاره خارج نطاق العلوم والتجارب الإنسانية، وخارج حدود القوانين التي ارتضتها المجتمعات المختلفة للتعامل والتواصل، وخارج حدود نصوص المواثيق والمعاهدات الدولية التي هي الأساس في بناء مجتمع دولي متسق مع نظام عام، يحفظ السلام الدولي.

ولأنه ليس انتقاماً أو أنه خرج منه إلى الإرهاب، من حيث أن الانتقام، هو نوعٌ من ردة الفعل الغاضبة ضد فعلٍ قاسٍ سبق أن أصاب الفرد المنتقم، ليعيد الضر إلى من أضرّه ومن ساعده ومن دعم ظلمه، والانتقام عادةً ما يضمحل الشعور بجدواه كلما تمت معالجته باعتذار الجاني وتعويض المجني عليه، أو يضمحل مع مرور الزمن في حالة الجرم البسيط، لكن الظلم في جميع الأحوال، يبذر بذرة الانتقام، ما لم يتوقف ذاك الظلم ويعالج، بإعادة الاعتبار للمظلوم واستعادة حقه، سواءً في الاعتذار والتعويض أو أي منهما.

وفعل الانتقام الذي يأتي في صورة الانتقام الفردي، الذي يتسببه ظلم واقع على فرد، عندما يكون في ظل نظام اجتماعي قادر على علاجه، فإنه يسهل معالجة هذا الشعور بالضيم والمظلمة، والرغبة جراء ذلك في الانتقام، باستعادة الحق، كما أسلفنا. ولكن من أسوأ المظالم التي يصعب علاج تولد الرغبة والعزم على الانتقام جرائها لدى الأفراد، هي تلك المظالم الجماعية، المستمرة والمتكرّرة والمتراكمة، التي تطال جماعةً أو طائفةً في أسباب معيشتهم، وعلومهم ودينهم ومذهبهم وأماكن عبادتهم، من دون أن يبدو منهم أي ممارسة جماعية عدائية تجاه الآخرين، أو إنها جراء تطاول فردي منها، تؤخذ بجريرته كامل الجماعة، ما يحق للعقل أن يسميه إرهاباً.

والانتقام قد تمارسه بعض السلطات العربية أيضاً في صفته الإرهابية، في حال انفصلت عن شعبها أو فريق منه، وطالته بالتفرقة والتضييق عليه عيشه، وأمانه والتحامه بوطنه، وفي تماديها في التضييق على الحريات والمسّ بحقوق الإنسان الأساسية للمواطنين، وفي الإهمال بتضييع ثروات الوطن عبر التقاعس عن ملاحقة الفاسدين والمفسدين، في داخل هيئاتها وخارجها، وفي الاستفراد بالقرارات في ظل غياب النظام المؤسسي والقانوني، وفي ردات فعلها العنيفة والمسلحة، ضد المطالبين بالحقوق والتطويرات السياسية والاقتصادية وتحسين المعيشة، وفي اتّباعها سياسات التمييز وإفلات الجناة من العقاب، وفي حال سلك وزراء أو مسئولين ما يضرّ بالوطن والمواطنين، وتظل السلطات تحفظ لهم الوزارة إلى مماتهم، بل وفي حال الاستغناء عنهم لضرورة، يحالون إلى المجالس والهيئات الحكومية الأخرى، أو إلى المناصب الاستشارية.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 4666 - الثلثاء 16 يونيو 2015م الموافق 29 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 3:55 ص

      لطالما تساءلت

      بأي مسوغ يتصرف هؤلاء؟ أحسنت سيدي الكاتب

    • زائر 3 | 3:02 ص

      سبحان الله

      سبحان الله مقالك يذكرني بما يحدث لاشقائنا في سوريا حيث النظام ..هناك ينتقم من الغالبية الساحقة من الشعب فقط لأنهم من الغالبية العظمى من الامة و ليسوا مثل النظام من الأقليات

    • زائر 1 | 11:04 م

      كلام في الصميم

      فعلا أصيل ولد سيادي ومثلك قلائل فانت ذاكر للحقيقة وشجاع رحم الله والديك هذا اقصى ما استطيع تقديمه ولك عهد لن نستسلم لواقعها أبدا فلقد فتك بنا وبان الذي كان مخفي ويتم المجاهرة به لكن لن يكون في صالحهم أبدا أبدا فنحن سلميين كقائدنا الشيخ علي سلمان مرة اخرى رحم الله والديك

اقرأ ايضاً