العدد 4670 - السبت 20 يونيو 2015م الموافق 03 رمضان 1436هـ

ينفد التموين الطبيُّ في بُرَيْدة... والطاعون ينتشر في البحرين

«عمل الإرسالية الأميركية في السعودية» للطبيب أرميردينغ...

الطبيب ديم مع البعثة الطبية في شقراء قبل 80 عاماً
الطبيب ديم مع البعثة الطبية في شقراء قبل 80 عاماً

انتهى الجزء الأول من استعراض كتاب «أطباء من أجل المملكة... عمل مستشفيات الإرسالية الأميركية 1913 - 1955»، الصادر عن دارة الملك عبدالعزيز، للطبيب بول أرميردينغ، وترجمة الأكاديمي السعودي عبدالله ناصر السبيعي»، بذكر إحصاءات أوردها الطبيب لويس ديم، في رحلته العام 1923، خلال سبعة وعشرين يوماً، تتعلَّق بالحالات التي تمَّت معالجتها، وحالات المتابعة، وعلاج الزيارات المنزلية، والعمليات الجراحية الكبرى وكذلك الصغرى، وعدد الحقن الوريدية التي تطلَّب إعطاؤها للمرضى.

في الجزء الثاني، يُورد الطبيب ديم - في ما يورد - بأنه كان من المقرر أن يبقى الفريق الطبي في بُرَيْدة لأسبوع فقط، حتى موعد العودة إلى البحرين. ليس التموين الطبي وحده الذي في طريقه إلى النفاد هو ما يُربك المهمة. كان وباء الطاعون قد انتشر في البحرين «ففي الشهرين الأخيرين تسلَّمنا بريداً من البحرين مرتين فقط، أخبرنا البريد الأخير بانتشار وباء الطاعون».

تلقى موظفان يعملان في البيت الذي تم تحويله إلى مستشفى عدداً من الهدايا من المواطنين والمرضى، فبعد حال التحفظ عن التعامل مع الغرباء، بات أولئك العرب من البدو ودودين للغاية وطيبين.

ويواصل الطبيب ديم ذكر إحصاءات تتعلَّق بالفترة التي تم قضاؤها في «شقراء» (تحولت إلى محافظة تابعة لإمارة منطقة الرياض، وتقع على بعد 190 كيلومتراً شمال غرب العاصمة) والتي استمرت 16 يوماً «بقينا في شقراء ستة عشر يوماً، عالجنا خلال اثني عشر يوماً 953 مريضاً، وأجرينا 32 عملية جراحية كبرى، و 16 عملية جراحية صغرى، وأعطينا 19 حقنة «Neo-salvarsm»، وأجرينا لأحد المشايخ وابنه عملية فتاق، ومن بين من قابلت في هذه الرحلة الشيخ المسن إبراهيم الذي وقف شامخاً، وفي تقديري أنه من أكثر المسلمين تمسُّكاً بدينه، وهو رجل صادق، وكان قلقاً عليَّ وحاول جلَّ جهده هدايتي، وحثني على قراءة القرآن، كلام الله... نور الحياة الذي سيكون رحمة لي في هذه الدنيا وفي الآخرة. لقد كان صديقاً حقيقياً لي حتى يوم تركنا المدينة؛ على رغم عدم تمكُّن أحدنا من إقناع الآخر بتغيير دينه».

المعاملة الرائعة في عنيزة

عُنيزة التي كانت مدينة صغيرة وقت زيارات البعثة الطبية التابعة إلى مستشفى الإرسالية إلى نجد، تحولت اليوم إلى محافظة، وتعتبر تاريخية، مكتسبة أهميتها منذ القدم بسبب موقعها الجغرافي المميَّز فهي تقع في الجزء الشمالي الأوسط من هضبة نجد إلى الجنوب من مجرى وادي الرمَّة، وتحيط بها كثبان رملية من الشمال والغرب تسمى رمال الغميس؛ بينما تقع إلى الجنوب منها رمال وغابات الغضا في منطقة الشقيقة. وعنيزة من أقدم مدن منطقة القصيم، وهي روضة المزارع والبساتين ووفرة المياه وصفاء التربة.

قال عنها الطبيب ديم، بأنها من أكثر المناطق حفاوة في الاستقبال والضيافة والكرم «لم نعامل على نحو رائع كما عُوملنا في عنيزة، فقد كنا مراراً ضيوفاً على بعض الأُسَر البارزة لتناول وجبات غذائية»، وفي ما يتعلق بالمهمة التي جاءوا من أجلها يُورد في مذكراته ويومياته بأن الشوارع التي تقود إلى منزلهم، كانت دائماً تصطف بالعميان والمُقعدين والمرضى الباحثين عن فرج.

هناك، مكثوا 22 يوماً، وفي 17 يوم عمل، تم إجراء فحوصات سريرية لـ 1366 مريضاً، وإجراء 53 عملية جراحية كبرى، و 89 عملية صغرى، وإعطاء 34 حقنة، وتمَّت زيارة عدد كثير من المرضى في منازلهم. مشيراً إلى أنه «في مرات متعددة، اختلطت زياراتنا الاجتماعية مع زياراتنا العلاجية، لكن لم يكن هناك أي سجلٍّ لحفظ أسماء المرضى الذين تمَّت معاينتهم بهذه الطريقة. وعند مغادرتنا حملنا صفائح مليئة بالتمر؛ وخاصة الكعك المميز (الكليجا) للاستعانة بها أثناء السفر في الصحراء».

نفاد التموين الطبي والطاعون

في ترحال دائم. الأمراض هي الأخرى في انتشار وترحال دائم. تخف وطأتها في مكان لتثقل في مكان آخر. كان من المُقرر بحسب ديم أن يبقى الفريق الطبي في بُرَيْدة لأسبوع فقط (مدينة بريدة هي مقر الإمارة في منطقة القصيم حالياً في المملكة العربية السعودية وأكبر مدنها. وهي مدينة تجارية تقع على هضبة واسعة تنحدر من الغرب إلى الشرق بمعدل بسيط) حتى موعد العودة إلى البحرين. ليس التموين الطبي وحده الذي في طريقه إلى النفاد ما يربك المهمة. كان وباء الطاعون قد انتشر في البحرين «ففي الشهرين الأخيرين تسلَّمنا بريداً من البحرين مرتين فقط، أخبرنا البريد الأخير بانتشار وباء الطاعون». في الوقت نفسه، تلقى الفريق الطبي دعوات لزيارة الرس وحائل والمجمعة؛ إلا أن الاعتذار عن تلبية تلك الدعوات هو الرد الملائم مع التطورات المتتابعة.

في الفترة المتبقية للفريق الطبي في بُرَيْدة، بعد تمديد الفترة إلى ثلاثة أيام، تم في سبعة أيام 859 فحصاً سريرياً، و 7 عمليات كبرى و 8 عمليات صغرى، وتم إعطاء 13 حقنة.

يختتم الطبيب آرميردينغ الفصل السادس من الكتاب بإيراد تقرير الطبيب ديم؛ ذلك الذي يتعلق بعدد المرضى الذين تمت معاينتهم في الرياض، ومجموع العمليات الجراحية الكبرى والصغرى، وعدد الحقن. ويورد التقرير نصاً «إننا الآن في الرياض، وعلى حد ملائم صرنا معروفين جيداً، لكننا كنا أول الأطباء على الإطلاق الذين قدموا إلى أي من تلك الأماكن الأخرى، ومع ذلك فإن مجموع عدد المرضى الذين تم فحصهم سريرياً بلغ 6557 مريضاً، ومجموع العمليات الجراحية الكبرى التي أجريت 128 عملية، ومجموع العمليات الصغرى التي أجريت 214 عملية، وعدد الحقن 81 حقنة. وقد أمضينا في السفر؛ وخاصة على ظهور الجمال مدَّة بلغت 41 يوماً من الشهور الأربعة والسبعة أيام».

غرباً نحو الحجاز

في الفصل السابع من الكتاب الذي حمل عنوان «غرباً نحو الحجاز» حيث العام 1932، حدثت تغيُّرات كبيرة في المنطقة كلها، مقارنة بالعام 1914. الطبيب ديم نفسه يقدم ملامح من تلك التغيرات، من خلال خبراته أثناء تجواله في الجزيرة العربية في العام نفسه. ذلك ما يشير إليه الطبيب آرميردينغ.

«في مساء يوم الخميس (19 مايو 1933)، وصل مندوب من آل القصيبي (وكلاء ابن سعود في البحرين) قائلاً: إن برقية قد وصلت للتو من الملك طالباً قدومي حالاً إلى الطائف بالحجاز لمعالجة أفراد من أسرته».

في وصف إجراءات استعداده للرحلة، يتم وضع الأمتعة في قارب باتجاه الزلاق، وفي صباح اليوم التالي كان وصولهم إلى ميناء العقير. كانت السيارة هذه المرة في الانتظار والحمير ستتولى حمل الأمتعة. تستغرق الرحلة ساعتين وعشرين دقيقة لبلوغ الهفوف. المرور عبر مدن. غاصت الشاحنات مراراً. تعطل محرك إحداها. الكثبان الرملية عدوة الآلة والبشر في ذلك الجزء من صحراء العالم.

هنالك أيضاً ما أسماه ديم بـ «حوض الملح» الذي تم عبوره؛ ومن بعده عبروا حقلاً يبدو من بعد كأنه غطاء ثلج «ولكن عندما تقترب منه يتبين أنه مغطى بصوّان أبيض صغير».

استغرقت الرحلة من الرياض إلى الطائف يومين ونصف اليوم، وبلغت المسافة 600 ميل، قُطعت في إحدى وثلاثين ساعة من السير الفعلي؛ أو بمعدل عشرين ميلاً في الساعة، وقد بلغ مجموع ما تم قطعه في الرحلة بكاملها من البحرين 6 أيام؛ بينما تأخذ قافلة الجمال ما بين ثلاثين وخمسة وأربعين يوماً لقطع تلك المسافة؛ بحسب تقدير ديم.

الالتماس يُؤخر العودة

في الطائف تم تخصيص دَوْر في بناية يشغل فيها مستشفى الطائف الدور الأول منها. وقتها «كان في الطائف طبيبان؛ طبيب عام وجراح قدم من مكة منذ ثلاثة أسابيع تقريباً ليعتني بالحالة التي طُلبنا من أجلها. كان عدد المرضى قليلاً وحضورهم في فترات متباعدة؛ ولا يتجاوز عددهم خمسة وعشرين مريضاً يومياً». تغيَّرت الأوضاع بعد تخصيص مكان للعمل وغرفة للعمليات؛ إذ ازدحم المستشفى؛ ما دفع الفريق الطبي إلى إبطاء إجراءات قبول الكشف والمعاينة.

مَرَّ شهر من يوم الوصول، وطلب ديم وفريقه السماح لهم بالمغادرة، وذلك ما حدث؛ إلا أن التماساً رفعه مئتا مواطن للملك لتمديد الفترة شهراً آخر. استجاب الفريق على أن يبقى أسبوعين؛ وتم رفع التماس آخر إلى الملك لتمديد بقاء الفريق. تبرز ظروف ربما لا يد للفريق ولا حيلة له تجاهها. «أعيقت مغادرتنا بعض الوقت بسبب مرض أمير جدة، وأخيراً فُرض علينا البقاء في الرياض أياماً عدة بسبب أمر برقي ملكي لمعالجة أفراد من أسرته هناك». كأن الالتماسات لا تريد للفريق العودة من حيث جاء. الحالات التي كانت مفاجأة أيضاً!

زيارة العام 1937

قبل ذلك العام بدأت الثروة النفطية تتدفق على المنطقة. كانت البحرين هي مفتتح تلك الثروة، وأول من ستودِّعها أيضاً.

في العام نفسه (1937)، تلقى المستشفى دعوة لزيارة الرياض. كان الطبيب ويلز توماس هو المكلف بتلبية تلك الدعوة من الملك عبدالعزيز آل سعود. شريط من الذكريات يستعيده توماس: حافة الحوض الذي يحد واحة الأحساء. أسوار الهفوف وأبراجها وبواباتها. بلغوا واحدة من بوابات المدينة «حيث تركوا سياراتهم عندها مُفضّلين المشي سيراً على الأقدام إلى قصر الأمير. كانت تلك الزيارة بمثابة المقابلة الوحيدة بين ويلز والأمير المشهور عبدالله بن جلوي».

كان الداعي للزيارة الأولى إلى الهفوف مرتبطاً بابن جلوي (سعد) الذي كان يعاني من التراخوما «وبدأ يفقد بصره تدريجياً. وقد قدَّم سعد طلبه من خلال مكتب عبدالرحمن القصيبي الذي كانت عائلته بارزة في مجال التجارة في شرق المملكة العربية السعودية».

لم يبقَ الفريق الطبي في مدينة الهفوف؛ إذ تم إرساله إلى الرياض. للقاء الملك. شابت الرحلة الكثير من المشكلات والاحتجاجات أيضاً بسبب السيارة التي تم تخصيصها للفريق ولم تلبث أن تعطلت.

استئناف السير ليلاً لم يخْلُ من مفاجآت. ثم إنه لا مفاجآت في الصحراء، كل شيء برسم الحدوث. التوقف المتقطع لمرتين وثلاث لدفع الشاحنة الكبيرة وإخراجها من الرمال الناعمة.

وصل الفريق الطبي إلى بوابات مدينة الرياض مع منتصف الليل، ولأنها كانت مغلقة فتحها الإصرار من قبل الفريق الطبي.

علاج أفراد الأسْرة المالكة

كان على الطبيب ويلز توماس أن ينتظر قدوم الملك، راقب من على تل منخفض، سُحُباً من الغبار تقترب رويداً رويداً، يبدو موكب سيارات يتكون من عشر منها. الملك وولي عهده الأمير سعود. تحضر في ذاكرة ويلز زيارة الملك عبدالعزيز إلى مدينة الطائف. كان ذلك في ديسمبر/ كانون الأول. وقتها طلب الملك القيام بفحص لبصره، كي يتسنَّى طلب نظارة للقراءة «وقد تم ذلك بسهولة؛ لكن الملك استاء عندما علم أن الحصول على نظارته سيستغرق أسابيع عدة لتصل من الهند».

اتضح الغرض من هذه الزيارة: تقديم العلاج لعدد من أفراد الأسرة المالكة. الأطفال والأحفاد مثلهم مثل كثيرين كانوا يعانون من التراخوما التي كانت شائعة في المنطقة، بعض الحالات تتطلَّب علاجاً طبياً وأخرى جراحياً.

ولاختتام الجزء الثاني من الاستعراض، نورد ما كتبه أرميردينغ استخلاصاً من ملاحظات ومذكرات ويلز توماس بشأن الفتاتين المَلَكيتين «كان هناك فتاتان في حوالي الرابعة عشرة من عمرهما؛ إحداهما ابنة أخيه والأخرى حفيدة الملك، كانتا في عمر الزواج ولا ينقصهما إلا مظهرهما، فكلتاهما تعاني من ألم في إحدى عينيها، ولا ترى بها بسبب قرحة مزمنة. أزال الطبيب ويلز توماس القرحة من عيني الفتاتين، وعالج جرحهما حتى شفِيَتا، وبعدئذ أحضر مجموعة مختارة من العيون الاصطناعية للفتاتين لتجربتها. فحصتا الإمكانيات أمام المرآة، وخرج الطبيب توماس من غرفتهما لفترة وجيزة، وعندما عاد وجد أن الملك قد حضر وقد استشاط غضباً بسبب وجود عيون اصطناعية زرقاء واحدة من بين العديد من العيون الاصطناعية بنِّية اللون، وأن الفتاتين قد جربتاها وراقت لكل منهما فكرة أن يكون لها عين بنِّية وعين زرقاء. وصادف بداية حدوث الخلاف دخول الملك عبدالعزيز الغرفة مُظهراً إعجابه بالمظهر الجديد؛ لكن بعدما تبيَّن له اختلاف لون عين إحدى الفتاتين ارتاع وصرخ بقوة قائلاً: إنه لم يسبق لأحد من أفراد أسرتهم أن كانت له عيون زرقاء على الإطلاق، وأن هذا الأمر لن يتغيَّر أبداً. وبهذا هدأ الخلاف، وأقنعت كلاً من الفتاتين بعدسة بنِّية اللون». سيتناول الجزء الثالث والأخير من الكتاب الفصل التاسع الذي يحوي ملاحظات وقصصاً لسيدات من الفريق الطبي خُصصن لمعالجة النساء، وتناول أهم ما تحويه بقية الفصول.

ميناء العقير أول وأقدم ميناء في السعودية
ميناء العقير أول وأقدم ميناء في السعودية

العدد 4670 - السبت 20 يونيو 2015م الموافق 03 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً