العدد 4687 - الثلثاء 07 يوليو 2015م الموافق 20 رمضان 1436هـ

«التماسك النصي في نهج البلاغة»... دراسة لغوية لكلام علي بن أبي طالب (ع)

كتاب «التماسك النصي في نهج البلاغة»
كتاب «التماسك النصي في نهج البلاغة»

صدر عن المركز العلمي للرسائل والأطاريح دراسة علمية للأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية بجامعة البحرين عيسى الوداعي، وتحمل الدراسة عنوان «التَّماسُكُ النَّصِّيُّ في نهج البلاغة»، وهي دراسةٌ لغوية لنصوص النهج، تقدّم بها الباحث لنيل درجة الدكتوراه من الجامعة الأردنية سنة 2005.

إلى ذلك، قال الوداعي إن «(نهج البلاغة) هو جملة ما اختاره الشريف الرضي (ت 406 ه) من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وقد جعل الشريف هذا النهج في ثلاثة أبواب: أولها الخطب والأوامر، وثانيها الكتب والرسائل، وثالثها الحِكَم والمواعظ»، موضحاً أنه «قد غدا (نهج البلاغة) إمامًا يحتذيه البلغاء؛ لما يمثّله من فرادةٍ في التعبير، وبخاصّة تصدّيه لاستجلاء حقائق الوجود، وتسليط الأضواء الكاشفة على الكثير من معضلات المعرفة، فطريقته في تصوير المعاني، وتقريبها من الأفهام، وتحديدها في الأذهان تحتفظ دائمًا بمقياسٍ واحد، وقالبٍ تعبيريٍّ مفردٍ، سواء أكانت الأفكار والمعاني المعروضة في متناول الناس جميعًا، أم كانت ممّا يحتاج إلى إعمال الفكر، وبذل الجهد لإدراكها».

وبشأن المؤلف أفاد السيد عيسى الوداعي «سارت هذه الدراسة –بهديٍ من منهجِ اللسانياتِ النصيةِ- محاوِلةً الكشفَ عن تقنياتِ التماسكِ النصيّ، التي تنتظمُ نصوصَ (نهج البلاغة)، لتعطيَ بُعْدًا قرائيًّا آخرَ افتقرت إليه قراءاتُ النهجِ السابقةُ؛ فعلى الرغم من كثرة البحوث والدراسات التي اعتنت بـ (نهج البلاغة) لم تُدرسْ نصوصه من وجهة نظرٍ لسانية، ولم يتتبّع الدارسون والشارحون قضية ترابط نصوصه، والعلاقات القائمة بين القضايا في إطار النصّ الواحد، بل كانت تلك الشروح والدراسات تركِّزُ على تفسيرِ مفرداتِ النصوص، وتنساقُ وراءَ موضوعاتٍ تاريخيّةٍ، أو فلسفيّةٍ، أو عَقَدِيَّةٍ ممّا يتّصلُ بالنصّ المدروس».

وقد جعل الباحثُ لدراسته إطارين؛ قال أنّ «أولهما نظريٌّ، تتبَّعَ فيه خطوط نحوِ النصِّ العامّةِ، كالحديثِ عن أسبابِ الانتقالِ من نحوِ الجملةِ إلى نحوِ النصِّ؛ ذلك بأنّ (النحو التقليدي) يرى (الجملة) أكبر الوحدات القابلة للتحليل، في حين يرى (نحو النص) أنّ (النصّ) هو الوحدة الكبرى في التحليل والوصف اللغوي، وقد اتّكأ النصيّون في دعواهم على عدم كفاية الجملة - بوصفها معطًى مجرّدًا معزولا عن السياق والمقام – لكل مسائل الوصف اللغوي، الأمر الذي يعني الحاجة إلى جهازِ وصفٍ، يتجاوز حدود الجملة، فيقف على دلالة النصوص، والبنية التي تحكمها».

مردفاً «يضاف إلى ذلك رغبة النصيين في فهم اللغة ضمن أساليب التعبير، فقد تنامى توجّه اللغويين، في العقود الأخيرة، إلى تحليل النصوص والتراكيب في وقتٍ واحد، وذلك على اعتبار أنّ اللغةَ لا يمكن أنْ تُفْهَمَ بصورةٍ شاملةٍ ودقيقةٍ بمعزلٍ عن فَهْمِ أساليب التعبير المختلفةِ في النصِّ الواحد، ومقارَنَةِ بعضِها ببعضٍ، ونَشَأَ من هذا التوجّهِ ما يسمّى نحو النصّ».

وقد وقف السيد الوداعي على اختلاف النصيين في القواعد التي يمكنها وصف النص، وبيّن ثلاثة اتجاهات: «يرى أولها أنّ للنصّ خصائصَ تخالفُ خصائصَ الجملةِ، ممّا يحتّم وضع نحوٍ للنصِّ مغايرٍ لنحوِ الجملة، أما الاتجاه الثاني فيذهب إلى تماثل بنيتي الجملةِ والنصّ تَماثلاً يجعلُ من الممكنِ أنْ يوَسَّعَ نحوُ الجملةِ لِيَشْمَلَ مجالَ النصِّ»، مشيراً إلى أنه «قد بَرَزَ اتجاه ثالثٌ يُوَفِّق بين هذين الرأيين، تزعمّه (ديك)، الذي يرى أنّ نحوَ النصِّ ما هو إلا امتدادٌ لنحو الجملة، لكنْ على أساسِ أنّ نموذجَ بنيةِ الجملةِ يمكنُ أنْ يُعَدَّ نموذجًا جزئيًّا للنصِّ ككل».

وبيّن الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية بجامعة البحرين السيد عيسى الوداعي رأيه في هذه القضية، فهو يرى أنّ «معطيات (نحو الجملة) تنقسم قسمين أساسيين: يقوم الأولُ منهما بإحكامِ بناءِ الجملةِ الواحدةِ، فيوضِّحُ العلاقاتِ بين مكوِّناتِها، من حيثُ النواةُ الإسناديّةُ وتوابِعُها، ولا يَخْرُجُ هذا القسمُ من القواعدِ عن حدودِ الجملةِ، كالخَبَرِ والتوكيدِ، وغيرهما. أمّا القسمُ الثاني من تلك القواعد فتكونُ له قوّةُ الخروجِ عن إطارِ الجملةِ الواحدةِ، فَيُسْتَعْمَلُ –حينئذٍ- في رَبْطِ قضايا النصِّ بعضِها ببعضٍ».

موضحاً أنه «يُنْظَرُ عند تحليلِ النصّ، إضافةً إلى ذينك القسمين، في العلاقاتِ الدّلاليةِ التي تربطُ قضايا النصِّ بعضَها ببعضٍ، كما يؤخذُ في الحسبانِ سياقُ إنتاجِ النصِّ وهدفُهُ، وحالةُ كلٍّ من المرسِلِ والمتلقّي».

وقد جعل الباحث همَّه في الإطار النظريّ الأول الكشفَ عمّا يرتبط بمصطلح (التماسك النصيّ) من قضايا، فابتدأ بالحديث عن النصّ، ثمّ انتقل إلى تحديد مصطلح التماسك نفسه، محاولا تتبّع ما ورد عند الباحثين العرب الأقدمين، وعند الغربيين، وعند المحدثين من الباحثين العرب، وانتقل بعد ذلك إلى دراسة مستويات التماسك النصيّ الأربعة: المعجميّ، والنحويّ، والدلاليّ، والتداوليّ.

أمّا الإطار الآخر فتطبيقيّ؛ إذ صدر الباحث فيه عمّا استدخله من قضايا؛ ليشفَّ عنه في قراءة إضافية للنهج، فقسّم العمل في هذا الإطار قسمين:

أولهما للتماسك الشكليّ في نهج البلاغة، ويختصّ بدراسة التماسك المعجميّ، والتماسك النحوي، وقد تناول الوداعيّ في التماسك المعجمي قضية (التكرار)، الذي قسمه قسمين: أطلق على أولهما اسم (تكرار التنامي)، في حين سمّى الآخر (تكرار التبئير)، كما تناول قضية (المصاحبة المعجمية) مركّزًا على التضاد، ومبرِزًا دوره في بناء تماسك النص.

أما التماسك النحوي، فقد أداره الباحث على قاعدتين، هما (قاعدة التوسيع) التي يندرج تحتها العطف والوصف، و(قاعدة الدمج) التي يندرج تحتها الإحالة والحذف.

وبيّن الوداعي أنّ هاتين القاعدتين مبنيتان على (الجملة الأولى) في النص؛ لما لها من أهمية في الوحدة النصية من حيث الموضوع والتركيب.

وقد جعل المؤلف عيسى الوداعي القسم الثاني من دراسته التطبيقية مرتبطًا بالتماسك الداخليّ في نهج البلاغة، وقسمه كذلك قسمين: يختصّ أولهما بدراسة التماسك الدلاليّ، وقد تتبع فيه عددًا من القضايا الدلالية، المتصلة بالتماسك النصي في النهج، كقضية وحدة الموضوع، وقضية التماسك الدلالي في إطار الوحدة النصية الواحدة؛ إذ وجد الباحث أنّ نصوص النهج مبنية وفق ما سمّاه (الترتيب التدريجي للأحداث)، كما تتبّع الباحث في هذا القسم بناء الموضوعات في الوحدة النصية، فقد وجد أنّ الإمام – عليه السلام – يعتمد ثلاث تقنيات، هي: تحويل علاقات الإسناد، والاشتقاق من لفظ المسند أو المسند إليه، وفكّ المركّب الإضافي.

وختم الوداعي دراسته بالتركيز على دور السياق في إحداث التماسك النصي، وبخاصّة في تلك النصوص التي يبدو من ظاهرها التفكّك، وعدم التماسك.

ويلاحظ على الدراسة غناها بالنصوص التطبيقية؛ إذ لم يكتفِ الباحث بالتنظير، بل لجأ إلى تحليل نصوصٍ كثيرةٍ من (نهج البلاغة)، ممّا يجعلها دراسةً جديرة بالقراءة والفحص.

السيدعيسى الوداعي
السيدعيسى الوداعي

العدد 4687 - الثلثاء 07 يوليو 2015م الموافق 20 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 5:21 م

      شكرا لكم استاذي الفاضل على هذا البحث الذي نرى فيه تجديدا للتراث اللغوي العربي، وربطا بينه و بين نظرية النص الحديثة، اذ المتعارف عليه لغويا عند اهل النحو الثراثيين أن النحو العربي انتهى التدوين فيه و ابتكار قواعده بموت سيبويه وكأنهم حاكمونا و اصدروا احكاما مسبقة عن اللغة العربية بعدم تجددها فكتابكم هذا هو وصلة بين الجيلين أطال الله عمركم و غفر لكم وترككم بعقل سليم خادم و مكوّع للغة العربية . و شكرا

    • زائر 7 | 9:11 ص

      سلام الله على الأمير

      بالفعل...نحن بحاجة إلى دراسة تراثنا من منظور لساني حديث..بارك الله فيك سيدنا

    • زائر 6 | 8:39 ص

      قال رسول الله صل الله عليه وآله

      ياعمار إذا سلك الناس كلهم واديا وسلك عليا واديا آخر فاسلك الوادي الذي سلكه علي )) سلام الله عليك يا امير المؤمنين ..

    • زائر 4 | 7:26 ص

      من أراد النجاة فليتمسك بنهج الامام علي سلام الله عليه .

      _____________________________________________

    • زائر 3 | 6:43 ص

      السلام عليك يا أمير المؤمنين

      السلام عليك يا أمير المؤمنين .. رحم الله والديكم ، احسنتم

    • زائر 2 | 5:51 ص

      دراسة مهمّة

      تكمن أهميّة هذه الدراسة في أنها تبرز عظمة بلاغة الإمام (ع) من منظور حداثوي.. كل التوفيق للدكتور عيسى الوداعي

    • زائر 1 | 4:27 ص

      الإمام علي

      سلام الله عليك يا ابا الحسن

اقرأ ايضاً