العدد 4691 - السبت 11 يوليو 2015م الموافق 24 رمضان 1436هـ

بعض ملامح الدولة المدنية

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

إن المنظور العلماني أو العلمي المتزن، لتناسقات الدولة المدنية في الجانب الاجتماعي، الذي يُدار بمعايير المدنية، يتأتى بالإنطلاق من التمهيد والتأسيس، والانتهاء بالبناء والتشييد والتطوير المستمر، لعلاقة متسقة متكاملة، تقيم لكل ذي شأن شأنه، فيما بين المكونات المجتمعية المختلفة في الدولة، سواء تلك العقائدية في شقيها الديني والفكري، المتمثلة في جميع تفرعات الأول الدينية والمذهبية وتفرعات الثاني الحزبية والفردية، أو من الناحية الأصولية والقبلية، فكل تلك الفروقات تذيبها جميعاً الدولة المدنية، بمجرد ما يتصف الأفراد والجماعات بالمواطنة، المبنية على أساس من القانون.

فمن لحظتها يتساوى الجميع أمام القانون في الحقوق والواجبات، وتنطبق على الجميع دون مفاضلة أو تمييز، كل المفاصل الدستورية، بالممارسة المبنية على النص، في نواحيها السياسية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية، التي ترسم الحدود فيها القوانين، والتي تقوم على تسخيرها وتوفيرها للمواطنين، سلطات الدولة المدنية، بما يجعل المواطنين أصحاب الحق الأصيل في ثروات بلادهم وعطاءاتها المادية والخدمية، يتقاسمونها تساوياً لقاء المواطنة المتساوية.

لماذا الدولة المدنية دون غيرها؟ لأنها هي الجامعة تحت مظلة مبادئها الإنسانية، لجميع المكونات المجتمعية، في علاقة تكاملية متساوية الأخذ والعطاء، على صعيد الحقوق والواجبات الفردية، وحفظ الحقوق وقبول واحترام الآخر، في العلاقة بين الجماعات، سواء الدينية المختلفة في طوائفها وفروعها المذهبية، أو المدنية من الجماعات أو الأحزاب، في ظل الكرامة الإنسانية والحرية والمساواة.

هذه السمات الحقوقية الثلاثة، التي ينشدها الجميع من البشر، صعب على أصحاب العقائد الدينية تحقيقها للمجتمع، ليس بالعيب على العقيدة ذاتها أو على إنسانية متبعيها من عامة الناس، لا بل هي العقيدة العميقة تاريخياً، في نفوس القائمين على تلك الأديان من رجال الدين، فيما يُصافُّون ذاتهم إلى مصاف الأنبياء، والبعض يتواصف بأنهم جند الله، ليقطعوا على الناس محاسبتهم، والناس إن فعلوا ذلك وحاسبوهم، فهم أعداء الله وأعداء الدين، ويحل عليهم القصاص من تقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف، إلى قطع الأعناق، بما يخلق حالة من الشقاق المجتمعي متمثلة في الفرقة والطائفية، التي تسقط الدولة المدنية، لصالح الحكم المستبد، سواء من رجال الدين، أو الباطش بالدين ورجاله وجميع فئات المجتمع، ولكن لكل عنده دوره.

تواترت تلك النزعة لرجال الدين، في جميع الأديان التي توالت على بعضها من اليهودية إلى المسيحية إلى الإسلام، كل دين يقوم على محاربة أتباع الدين الذي قبله من بعد تكفيرهم، فلم يكن هناك تعايش ما بين أتباع هذه الأديان، في المساحة الجغرافية ذاتها، إلا ما ندر بحكم الضرورة إلى حين، والمتقدم من ذلك كان في التقاتل بين هابيل وقابيل، ثم التقاتل بين القائمين على الديانات المختلفة، والمتأخر بما نرى أسوأه اليوم من التقاتل بين المذاهب الفرعية التي أساسها الدين الواحد نفسه.

إلا أنه أيضاً من التطرف المقيت، أن يعتقد البعض من مُدَّعي العلمانية والمدنية، حين يفسر المبدأ المدني العلماني، الذي يدعو لعدم زج الدين في إدارة الدولة، وألا يكون الدين أساساً للتحزب وممارسة العمل السياسي، بالدعوة إلى نفي دور الدين وتهميش رجال الدين في المجتمع، بمثل ما تنفي السلطات غير الديمقراطية معارضيها وتُسقط جنسياتهم.

فليست هي الدولة المدنية التي تتصف بإقصاء مكون مجتمعي ومنع مساهمته في بناء المجتمع، بل هي البديل لهيمنة فرقة بعينها على المجتمع، سواء كانت دينية تتعاطى وإياه بتكفير الآخر، والحكم بنصوص مستمدة من حالة مجتمعية تعود لأربعة عشر قرناً مضى، أو أي فرقة كانت مدنية أو عسكرية أو قبلية، تُقصي بالقوة الجبرية مكونات المجتمع الأخرى، من التداول السلمي وإياها لسلطة إدارة الدولة.

تلك الجهة أياً كانت من مكونات المجتمع، فهي يجب ألا تنزع في أحكامها وقراراتها، في إدارة شئون الدولة إلى أهواء أفرادها أو عقيدتهم، بقدر ما يحكم الجميع دستور الدولة العقدي، الذي يقره جميع مواطني المجتمع استفتاءً من بعد التكليف الشعبي الخاص لصياغته، وذات الآلية لما يتعلق بالتعديل والإلغاء والإضافة، بما ينبني على أساس الحقوق العامة المدنية والسياسية، والأحقية المواطنية في الكرامة والحرية، والمساواة بمعيار حق المواطنة.

ورغم أي كان المكون المجتمعي المتولي إدارة الدولة، فهو المُحاكًم حال مَيَّز بين المواطنين أو فاضَل بينهم، بما يتجاوز به الدستور، وهو المُنتَخَب عبر صناديق الانتخاب المحكومة بنظام انتخابي قائم على مبدأ الصوت الانتخابي الواحد لكل مواطن. أما دور الدين ورجال الدين في المجتمع فله مقام آخر.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 4691 - السبت 11 يوليو 2015م الموافق 24 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 11:33 ص

      زائر 1

      انت واجد مستاء من ... لولا الاسلام شان انت الحين تسب........... الدين الصحيح هو الحل السياسى للمعاملة ويه الشعوووب يعنى دين محمد واله والعلماء الافاضل الي يخشون الله مو.........اتباع الخرده ............ الله يصلحك ونور طريقك الى الحق اللهم صلى غلى محمد واله قولو هادى الصلاة تفلحوا فى دنياكم وابتعدوا عن الفتن ومحد دمر هاده البلد ال... الي مايخافون من الله

    • زائر 2 | 1:00 ص

      صرنا نشم الكباب ولا نضوقة

      ....................... صح السانك استاذي

    • زائر 1 | 12:39 ص

      الدولة المدنية هي الحاضنة لجميع الاطياف وتمنع استغلال القبيلة أو الدين

      الكل سواسية ونواتها الأحزاب المدنية التي تمثل جميع أطياف الشعب ولا تمنع أي مواطن بسبب وظيفته في البلد أو مركزه الديني أو العائلي أو القبلي أو أي لون آخر وتمنع استغلال أي مركز الجميع يشترك بصفة خادم الشعب ولا إقصاء لأحد هذه تمثل جذور الوحدة الوطنية وتماسك المجتمع

اقرأ ايضاً