العدد 4697 - الجمعة 17 يوليو 2015م الموافق 01 شوال 1436هـ

"توم بيترز"... مفكر عالمي مجدد أحدث هزة في علم الإدارة متمسكاً بالقيم...

في منتدى الفكر الإداري: إداريون يدعون لتغيير النظرة القديمة للتدريب والاستفادة من عمالقة الفكر

جلسة نقاش في «منتدى الفكر الإداري» بشأن أفكار المفكر العالمي توم بيترز - تصوير : محمد المخرق
جلسة نقاش في «منتدى الفكر الإداري» بشأن أفكار المفكر العالمي توم بيترز - تصوير : محمد المخرق

خصصت «الوسط» جلسة نقاش في «منتدى الفكر الإداري»، بشأن شخصية وأفكار المفكر العالمي في مجال الإدارة والتميز توم بيترز وآلية الاستفادة منها، إذ رأى إداريون واختصاصيون حضروا الجلسة أن بيترز هو مفكر أحدث هزة في علم الإدارة خلال فترة تصل إلى 32 عاماً، وأن أفكاره ألغت الأفكار القديمة بشأن الإدارة والاستراتيجية وأحدثت نقلة نوعية من خلال الإيمان بأن النجاح مرتبط بالنظم المرتبطة بالقيم المشتركة (ثقافة المؤسسة) وتمكين الموظفين وتميز الأفراد الرياديين.

ورأوا أن كثيراً من المؤسسات الحكومية والخاصة اليوم تغفل أهمية التدريب، وأن كثيراً من المؤسسات تعزف عن التدريب بسبب تفشي «ثقافة العيب» وخجل بعض المسئولين من الاعتراف بحاجتهم للتدريب المستمر، داعين إلى تغيير النظرة القديمة لمفهوم التدريب والاستفادة من عمالقة الفكر امثال توم بيترز.

وقد أدار الجلسة رئيس تحرير صحيفة «الوسط» منصور الجمري، والذي رأى أن المنتدى يمثل نوعاً من الاستنارة في الأفكار التي من شأنها أن تسهم في التأثير بشكل إيجابي على الأعمال والمؤسسات والحياة العملية بشكل عام، فيما بين أن اليوم يوجد نخبة من البحرينيين تمارس وتمتهن وتعمل في قطاع التدريب والتطوير والتعليم ويوقنون تماماً بأن الفكر العملي والإداري هو مزيج من علوم متداخلة كالفلسفة والاقتصاد وعلم الاجتماع وعلم النفس والإحصاء وغيرها.

وبين أن الفكر الإداري من وجهة نظر أميركية يقوم على الفلسفة البراغماتية، إذ تركز النظرية على أن الصحيح يأتي بفائدة عملية، وفي الوقت الذي تطرق إلى تجارب تطور الفكر الإداري في أوروبا، بين أن النقلة النوعية له انطلقت من أميركا، إذ استخدم في كل مناحي الحياة، ولاسيما في إدارة الشركات والاقتصاد والاجتماع والسياسة وبات مرادفاً للمعرفة العملية.

وتحدث عن بيترز، وهو محور المنتدى، إذ أشار إلى وصفه بأستاذ الأساتذة في الإدارة والأكثر شهرة اليوم بين المتحدثين في علم الإدارة ومتخصص في الفكر الإداري وصاحب نظرية ويمتاز بالتواضع، وفي الأساس هو مهندس مدني وذلك يفسر كونه شخصاً عملياً يبحث دائماً عن الحلول العملية، وعمل في البحرية الأميركية والتي تقوم على تنفيذ المهمات الخاصة والجديدة وغير المسبوقة ولا تتبع إرشادات روتينية والاستعداد للأمور غير المتوقعة وهو الأمر الذي أثر بشكل كبير على شخصيته وأفكاره.

وتابع أن بيترز انتقل للعمل كمستشار في العام 1974 في ماكينزي والتي تعد مؤسسة رائدة في عالم الاستشارات الخاصة بإدارة الأعمال، فيما عهد له بعد ثلاث سنوات بما يعرف بمشروع «الشركة المتفوقة» والذي يدور حول البحث عن الصفات المميزة التي تميز الشركة المتفوقة في الأداء عن أية شركة أخرى. وقد انضم إلى المشروع مستشاران آخران من «ماكينزي» وكان أحدهما «روبرت ووترمان»، مبيناً أن ذلك نتج عن ظهور إطار تخليل الشركات المعروف بـ 7S Framework «سفن إس»، وأطلق بيترز كتابه الأول والشهير تحت عنوان «في السعي وراء التفوق» في العام 1982 الذي أدخل الثقافة أو القيم المشتركة وجعلها أساساً للاستراتيجية وللقيادة.

وقال الجمري:» طرح بيترز في كتابه أفكاراً تدور حول أن الأساليب الإدارية القديمة باتت فاشلة وأن التخطيط الإداري القديم غير مجدٍ وأنه بات من الضرورة الاستعداد للمخاطر واكتشاف الوضع كما يحدث والدخول عليه بسرعة وإعطاء الحلول وقيادته وريادته»، مستدركاً بأن بيترز طرح مسألة الثقافة في القيادة والتي تتطلب ثبات القيم المحورية والجوهرية.

وبين أنه طرح في كتابه مع ووترمان الذي استطاعا به أن يتجاوزا كل كتب الإدارة الأخرى من حيث المبيعات بملايين النسخ، 8 صفات للشركات الناجحة وهي أن الشركة والإدارة الناجحة تنحاز للعمل في صنع القرار ولا تخنق نفسها بالروتين وأنها قريبة من الزبائن وتخدمهم باستمرار وتمكن الرواد على جميع المستويات داخل المؤسسة، كما وتؤمن بأن الإنتاجية تتحقق من خلال العاملين وليس النظم، وأن الإدارة تباشر الأعمال بنفسها وملتزمة بالقيم وتتمسك بجوهر الأعمال التي تتميز بأدائها، إلى جانب بساطة ومرونة الهيكلية التنظيمية وقدرتها على القيام بعدد من المهمات.

وأضاف أن بيترز يعتبر من رواد مدرسة ما بعد الحداثة والتي تنتعش على التغيرات المفاجئة ولا تخاف من الفوضى والتي تأتي بأفكار جديدة وتنسف كل ما هو قديم. غير أن بيترز لا يتسق نهجه مع ما بعد الحداثة في ظل إيمانه بالقيم المشتركة والثابتة، لأن ما بعد الحداثة ترى أن القيم غير ثابتة... متطرقاً إلى كتابه الذي يتسق تماماً مع ما بعد الحداثة والذي أطلقه تحت عنوان «الانتعاش من الفوضى» في العام 1987، وعليه أسهم في إحداث هزة في علم الإدارة مع تمسكه بالقيم.

ومن جانبها، علقت نجاح صنقور، بأن الكتاب المشار إليه يعني العمل والمثابرة أثناء الفوضى وإحداث ما هو أكبر من الانتعاش وصولاً إلى الازدهار، فيما رأت أن بيترز يعد أهم المفكرين المجددين والذين أخذوا كل النظريات الإدارية في الفكر الإداري وأضافوا عليها ما هو جديد في ظل تمسكه بالقيم، وقد لخص فكره على هيئة مذكرات شخصية تضم نظريات إدارية تحت عنوان «أشياء أؤمن بها»، والتي تضم 54 نصيحة.

وأشارت صنقور إلى أن بيترز يرى أن التميز لا يجب أن يقتصر على الجانب العملي وإنما يجب أن يطول الجانب الشخصي وأن الإدارة الناجحة لابد وأن تستقطب الأذكياء وتؤكد على التمسك بأخلاقيات العمل مهما اختلفت الخلفيات والتوجهات للفرد.

وبدوره مدرب التنمية البشرية جاسم الموالي، تحدث عن آخر كتب بيترز والذي نشر في 2010 تحت عنوان «الأشياء الصغيرة الكبيرة»، وبين أن المقصود بذلك العنوان أن أموراً صغيرة لا تكلف الكثير من الوقت والمال تؤتي نتائج كبيرة، فيما ذكر أن الكتاب يضم 163 طريقة للسعي للامتياز.

وأشار إلى أن من هذه الطرق تلك التي تتحدث عن الإدارة بالتجوال، عارضاً تجربة شركة أي بي أم، إذ قال: «صنعت الشركة نوعاً من الحواسيب وواجهوا مشكلة تكمن في انطفاء الحاسوب بعد 6 ساعات من العمل وكادت المشكلة تعصف بالشركة وجن جنون المدير نظراً لتلقي الشركة عشرات الآلاف من المكالمات من زبائن يشتكون من المشكلة وتناول الصحف للمشكلة، وفي يوم من الأيام مر على أحد المهندسين وسأله عن المشكلة فقال له لا توجد مشاكل وقد تعاملنا معها فاستغرب المدير، وسأله عن الطريقة، فقال ممكن أن نضع مروحة صغيرة بدولار وحللت المشكلة، فتم عقد اجتماع طارئ وتم إصدار قرار بوضع مروحة داخلية في الحواسيب وحلت المشكلة».

وتابع أنه قرأ في التجربة اليابانية أن المدير العام في اليابان لا يعيش في برج عاجي وإنما يعيش بشكل اعتيادي مع الناس ويمارس حياته معهم والغريب أنه كثيراً من الشركات اليابانية يعمل المدير معهم، الأمر الذي يؤثر بشكل مباشر وإيجابي على العمل كرفع التكلفة وزيادة حماس العاملين وغيرها.

وعرض مقتطفات لتوم بيترز، منها دعوته إلى تفعيل زيارات المديرين والمسئولين لمواقع العمل فضلاً عن ضرورة تدريس فن الاعتذار ومعرفة خطواته إلى جانب تطرقه إلى كتاب مدير الـ 20 ثانية وضرورة إعطاء الفرد المجال للحديث وفن الإنصات.

أما الرئيس التنفيذي لمجموعة «أوريجين» لإدارة وتنظيم المؤتمرات والندوات أحمد البنا، فقد أشار إلى أنهم قاموا باستضافة بيترز خلال يونيو/ حزيران من العام الماضي (2014) في ندوة تحت عنوان «البحث عن التميز الشخصي والمؤسسي»، وقال: «خلال أكثر من 30 عاماً الماضية برز نجم توم بيترز من خلال زخم من المعرفة والمعلومات المبنية على النظريات الإدارية».

وتساءل عن مدى وآلية الاستفادة من فكر بيترز بالنسبة للقياديين والأفراد في جميع المستويات، إذ رأى أن سيرة حياة المفكر العالمي بيترز مبنية في البداية على البحث والتركيز على الأفراد، معولاً في ذلك على أن السبع نقاط الخاصة به نصفها يختص بالنظم والنصف الآخر بالأفراد وعليه ف‘نه يركز بشكل كبير على الفرد كسبيل لتحقيق أفضل إنجاز، على حد قوله.

وتابع أنهم وخلال استضافتهم بيترز رأى أنه لابد من وجود نظام إداري ممتاز وأفراد أذكياء ومن دونهما لا يمكن الوصول لمرحلة التميز، فضلاً عن تركيزه على أهمية التواصل ومهاراته ومهارة الثقة بالنفس والآخرين وثقتهم بك والاهتمام بالزبائن الداخليين والخارجيين.

وبين أن بيترز تحدث أيضاً على أهمية السرعة في الإنجاز، ومسألة فشل بعض المؤسسات بسبب البطء في الإنجاز والأداء وربط ذلك بعملية التدريب والتنمية، مشيراً إلى أهمية تصحيح المفهوم السائد بشأن التدريب.

وتابع البنا أن كثيراً من المؤسسات الحكومية والخاصة اليوم تغفل أهمية التدريب والاستفادة من عمالقة الفكر في ظل وجود نقص كبير في مراكز البحث.

وأضاف أن بيترز يرى أهمية استثمار التدريب في مواجهة الأزمات وعملية التحفيز، وقال البنا: «الفكرة ليست في معرفة ما قاله بيترز وإنما كيفية الاستفادة مما قاله وعكس ذلك على حياتنا ومؤسساتنا».

وأردف ان نهج توم بيترز يعتمد على التعليم والتدريب والتنوع وعدم الخوف من الفوضى والاختلاف وإنما الاستفادة منه واعتباره أمراً طبيعياً، في ظل التركيز على إدارة ذلك الاختلاف واستخدامه للتميز والانتعاش وإحداث التغيير.

وعلقت صنقور على ضرورة استثمار كل الظروف في إحداث تغيير إيجابي في الفرد والمؤسسة، ورأت أن التميز عدوى والفشل مرض، وأن وضع الاستراتيجيات مهم ولكن تنفيذه هو الأهم وهو أساس في ريادة الأعمال.

أما مدير معهد «الوسط» للتدريب والتطوير (WTDI) علي العصفور، فقد طرح مداخلة في المنتدى بشأن نظرة المؤسسات الحكومية والخاصة في البحرين إلى المهارات الإدارية والتي تختلف كلياً عما هو مطروح في أعمدة عمالقة الفكر، ورأى أن المهارات الإدارية في البحرين بالنسبة لكثير من المعنيين تعتبر سلعة قديمة.

وتساءل عن آلية تسويق ما يطرح من أفكار فيما يتعلق بالجوانب المتعلقة بالمهارات الإدارية، وكيفية اختيار المؤسسات بين الشخص الإداري أو المتمتع بمهارات.

وعلق جعفر علي ناصر بأننا انتقلنا من مرحلة تصنيع المنتج إلى تسويقه، مشيراً إلى أن بيترز تحدث عن أمور كثيرة في العالم الإداري لابد من النظر إليها بعين الأهمية وتفعيلها، في حين تساءلت ليلى العرب عن مدى إيمان الشركات والمؤسسات بتنمية المهارات الإدارية أم أن ثقافة التدريب غير منتشرة وآلية إعادة بناء تلك الثقافة داخلها إلى جانب تساؤلها عن مسئولية المدربين في ذلك.

وطرح عبدالنبي مرهون مداخلة تساءل فيها عن مدى إمكانية وجود مفكر إداري بحريني، فيما طرح رئيس جمعية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عبدالحسن حسن مداخلته والتي قال فيها إن المفكر توم بيترز يفكر بشكل مغاير وهو ظاهرة في الفكر الإداري وأسهم في إحداث نقلة نوعية في الإدارة والتميز وقمة الإتقان، مستدركاً بأن المفارقة أن الإسلام جاء بكل ما نتحدث عنه قبل 1400 سنة.

وأضاف أن بيترز ركز على الأفراد بالدرجة الأولى وأن النجاح هو نجاح مشترك وقد يكون هناك مدير ناجح في مؤسسة ما وقد لا ينجح في أخرى والسبب فريق العمل والعكس، فيما تحدث عن أسباب فشل المدير الذكي والتي منها على سبيل المثال اتخاذ القرارات الفردية.

وعلق البنا على ما وصف في المنتدى بـ «انحسار» دور المهارات الإدارية والتدريب، إذ قال: «المشكلة بكل صراحة واختصار في ثقافة العيب وعزوف كثير من المسئولين وفقاً لتلك الثقافة عن التدريب على رغم من حاجتهم إليه»، طارحاً نماذج لمسئولين في شركات عالمية تخطوا تلك الثقافة وتحلوا بالمهارات الإدارية، ما أسهم في نجاحهم.

وعلق الموالي على عدم وجود مفكرين في البحرين، إذ قال: «مازلنا بعيدين عن ذلك والمتواجد مفكرون من أميركا وبريطانيا واليابان، والمشكلة تكمن في أن المدربين الذين طرحوا أنفسهم كأسماء في العالم العربي يعتمدون على النقل».

أما ناصر حسن ناصر فقد تساءل عن الفائدة التي تم جنيها باستضافة المفكر توم بيترز بعد رحيله عن البحرين، وعلق البنا: «كثير من المسئولين لديهم ثقافة العيب كما ذكرنا سلفاً ولكن حينما يوجد مفكر عملاق بحجم توم بيترز فإن ذلك بالضرورة سيدفع المسئولين للحضور والاستفادة وهذا ما حدث بالضبط وحضورهم مهم لإحداث التغيير في المؤسسات والشركات».

وعلق الجمري بأن المشكلة اليوم بروز مفكرين يحملون فكراً تلفيقياً وتكون لديهم شعبية، منتقداً ربط الفكر الإداري بالخلفية الدينية والمجتمع يتحمل جزءاً من المسئولية كونه يعطي القبول لذلك الفكر التلفيقي، وفي المقابل في الغرب هناك فصل بين ما يحمله المفكرون وخلفياتهم الدينية أو العقائدية أو السياسية وحينما يطرحون أنفسهم يطرحون أنفسهم كمفكرين في علم الادارة والاقتصاد بصرف النظر عن خلفياتهم.

ورأى أن العالم العربي بحاجة لهزة ثقافية لإنتاج مفكرين يطرحون أنفسهم كمفكرين بعيداً عن خلفياتهم الاجتماعية أو الدينية.

أما الخبير في التنمية الإدارية محمود التوبلاني، فتساءل عن مدى تطبيقنا النظريات الإدارية المطروحة، إذ قال: «لا ضرر إن أنتج الغرب مثل هذه النظريات وقمنا باستيرادها، ولكن الأهم هو تطبيقها بعد ذلك على أنفسنا ومؤسساتنا وللأسف مازلنا بعيدين عن إنتاجها واستهلاكها على حد سواء».

العدد 4697 - الجمعة 17 يوليو 2015م الموافق 01 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً