العدد 4704 - الجمعة 24 يوليو 2015م الموافق 08 شوال 1436هـ

أوروبا تطلب من اليونان ما لا يرضاه الكثيرون لأنفسهم

يفرض الاتفاق الجديد الذي توصلت إليه أوروبا لإقالة اليونان من عثرتها جرعة مكثفة من الانضباط في الالتزام بالموازنة وسلسلة تدابير لتحرير الأسواق يقول منتقدوها إن قلة من زعماء أكبر دول غرب أوروبا هي التي تجرأت على طرحها على الناخبين.

وفي غمزة موجهة لرئيس فرنسا الاشتراكي الذي لعب دوراً أساسياً في التوصل للاتفاق اليوناني في 13 يوليو/ تموز الجاري بعد محادثات طوال الليل في بروكسل قال كزافييه برتران أحد قادة المعارضة المحافظة في فرنسا: «فرانسوا أولوند جيد جداً في إبلاغ الآخرين بكيفية تنفيذ إصلاحاتهم».

وأضاف برتران الذي شغل منصب وزير العمل في حكومة الرئيس نيكولا ساركوزي من 2007 إلى 2012 «فما الذي ينتظره إذا عمل ذلك في فرنسا؟»

وكانت حكومة ساركوزي كافحت لتحقيق وعودها في الحملة الانتخابية لتطوير ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.

وعلى رغم أن زعماء منطقة اليورو يتهربون من اتهامات بازدواجية المعايير من خلال الإصرار على أن الالتزام بالتدابير الصارمة له ما يبرره في سبيل إنقاذ اليونان من الانهيار فإن مثل هذا الهمز واللمز يظهر مدى تباين الإصلاح في منطقة العملة الأوروبية الموحدة التي تضم 19 دولة منذ إطلاق اليورو العام 1999.

وفي حين أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تمكنت للمرة الأولى منذ العام 1969 من تحقيق التعادل بين الإيرادات والمصروفات في الموازنة فهي تواجه دائماً انتقادات أنها لم تفعل شيئاً يذكر على مدار عشر سنوات قضتها في السلطة لتحديث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو منذ تولت السلطة خلفاً لجيرهارد شرودر الذي خرج في انتخابات 2005 بعد تطبيق سلسلة من الإصلاحات العمالية المؤلمة.

وإذا نفذت أثينا المطلوب منها للفوز بصفقة الإنقاذ الجديدة التي يبلغ حجمها 84 مليار يورو فإنها ستحول الاقتصاد اليوناني من صورة الابن المارق في أوروبا إلى واجهة مشرقة للإصلاح.

وتأتي هذه الإصلاحات في الوقت الذي تواصل فيه اليونان العمل بتخفيضات قاسية في الإنفاق كانت عاملاً في تحقيق فائض صغير في الموازنة الأولية قبل خدمة الديون للسنة الثانية على التوالي في 2014 في تناقض صارخ مع ما دأبت عليه فرنسا من مخالفة قواعد العجز.

ولأن الأوقات العصيبة تتطلب تدابير صعبة فإن دائني اليونان يستجيبون على اعتبار أن هذا ما يحدث عندما يصل الدين الوطني إلى 177 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ويصبح واحداً من كل أربعة في سوق العمل عاطلاً بسبب تعثر الاقتصاد.

غير أنه في الوقت الذي كان رئيس وزراء اليونان أليكسيس تسيبراس يتأهب فيه لطرح مجموعة جديدة من التدابير على البرلمان الأربعاء كان خليقاً بالكل أن يتذكر أن جانباً كبيراً من الإصلاحات المطلوبة من اليونان ثبت أنه ينطوي على مخاطر كبيرة من الناحيتين الاجتماعية والسياسية.

بينما كان محتجون يلقون الحجارة والقنابل الحارقة في الخارج كان النواب اليونانيون يقرون في الأسبوع الماضي الدفعة الأول من إجراءات التقشف المنصوص عليها في اتفاق بروكسل بما في ذلك التدابير الفورية لتحسين القدرة على مواصلة صرف معاشات التقاعد في الأجل الطويل.

وعلى رغم أن قلة فقط هي التي ستبدي رأياً مغايراً في مدى أهمية إصلاح نظام المعاشات الذي يستنزف ما يقرب من عشرة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً من موازنة الدولة أي أربعة أمثال المعدل الساري في منطقة اليورو فقد ثبت أن تحقيق التوازن لحسابات معاشات التقاعد أمر مراوغ في مختلف أنحاء القارة التي تتزايد فيها أعداد كبار السن.

وأثارت الخطوة التي اتخذها ساركوزي العام 2010 لرفع سن التقاعد القانوني سنتين ليصبح 62 عاماً أكبر احتجاجات في الشوارع في فرنسا منذ سنوات. وقد أجرى أولوند المزيد من التعديلات لكن العجز السنوي لصندوق معاشات العاملين بالدولة سيصل إلى 9.2 مليارات يورو بحلول العام 2020.

وتفرض خطة الإنقاذ أن يشترط القانون أن يكون سن التقاعد 67 عاماً بحلول العام 2022 أي قبل سبع سنوات من المهلة التي منحتها ألمانيا لنفسها لتحقيق الهدف نفسه بقانون سنته العام 2007.

ويظهر التفاوت أيضاً في إصلاحات السوق التي يتعين على اليونان تطبيقها بما في ذلك خطوات رفع القيود عن التعاملات أيام الأحد وتحرير قطاعات الألبان والمخابز والصيدليات.

وتقوم هذه الإصلاحات على أساس مجموعة تدابير تمثل أفضل الممارسات وضعتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وقد أشادت المنظمة في ملخص تنفيذي بإمكانيات النمو من خلال هذه التدابير وأشارت إلى مساهمتها في تحسين الاقتصاد الأسترالي في التسعينيات.

غير أن تطبيقها في منطقة اليورو متفاوت إلى حد ما.

وعلى رغم أن إحدى التوصيات الواردة في هذه التدابير تتمثل في تحرير قنوات التوزيع بالصيدليات فإن الصيادلة في فرنسا يحتفظون بحق احتكار بيع الأدوية الشائعة الاستخدام التي لا تتطلب وصفة طبية.

ونظم الصيادلة إضراباً استمر يوماً واحداً في وقت سابق من العام الجاري دفاعاً عن هذا الحق.

ومازال البيع والشراء أيام الأحد ممنوعاً في ألمانيا بخلاف بعض الاستثناءات المحددة. وهذا أحد الأسباب التي تجعل محطات القطارات تبدو في كثير من الأحيان مثل مراكز التسوق.

وفي فرنسا يجوز لرؤساء البلديات الآن السماح للمتاجر بفتح أبوابها أيام الأحد حتى 12 مرة في السنة. غير أن الحكومة اضطرت لاستخدام وسيلة دستورية لإقرار هذا القانون في البرلمان من دون تصويت بسبب معارضة بين النواب الاشتراكيين أنفسهم.

وقال رئيس رابطة أثينا لتجار التجزئة فاسيليس كوركيديس عما يشتبه أنها دوافع ظاهرية لفرض مثل هذه الإجراءات على اليونان: «يريدون خنق المتاجر الصغيرة حتى يمكن دخول المتاجر الدولية الكبيرة».

* اليونان ليست وحدها على طريق الإصلاح

ينفي مسئولو الاتحاد الأوروبي الاتهامات بازدواجية المعايير ويجادلون بأن اليونان تخلفت كثيراً عن ركب الإصلاح التدريجي في بلدان أخرى بمنطقة اليورو لدرجة أنها أصبح عليها التعجيل بالإصلاحات للحاق بما فاتها.

وقالت اللجنة الأوروبية في بيان بالبريد الإلكتروني: «مازالت الشركات في اليونان تواجه من القواعد التنظيمية والقيود أكثر من أي دولة أخرى عضو في الاتحاد الأوروبي أو منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

وأشارت إلى جهود تبذل في إسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وقالت إن اليونان ليست البلد الوحيد الذي يعمل على إصلاح نظام معاشات التقاعد فيه.

ويتردد هذا المنطق بقوة أكبر في دول الكتلة الشرقية الشيوعية السابقة التي قطعت شوطاً إضافياً في تطبيق الإصلاحات الصارمة اللازمة لضمان عضويتها في منطقة اليورو.

وتقول بولندا إن نظام معاشات تقاعد العاملين في الدولة قابل للاستمرار في الأجل الطويل حتى مع ارتفاع نسبة كبار السن بين السكان. لكن ذلك سيتحقق على حساب قيمة المعاشات، إذ إنها قد تنخفض إلى ما يبلغ 20 في المئة من المرتب النهائي بحلول العام 2060.

وتقول الدول الشرقية المنضمة حديثاً لليورو إن معاشات التقاعد لديها أقل من نصف متوسط المعاشات اليونانية البالغ 833 يورو شهرياً. أما فيما يتعلق بالجانب التنظيمي تقول هذه إن بعض مجالات اقتصادها أكثر انفتاحاً بالفعل منها في غرب أوروبا.

ففي سلوفاكيا استغل مستثمرون قوانين الملكية المتحررة مثل القوانين التي طولبت بها اليونان في بناء سلاسل صيدليات تتمتع بطول ساعات العمل في حين أن بعض المنتجات التي لا تحتاج لوصفة طبية تباع خارج الصيدليات. كذلك فإن البيع والشراء قانوني أيام الأحد في سلوفاكيا مثلما هو الحال في بلغاريا ورومانيا وغيرها.

وقال رئيس وزراء استونيا تافي رويفاس الذي انضمت بلاده لمنطقة اليورو العام 2011 لصحيفة هاندلسبلات الألمانية في مقابلة نشرت يوم الأربعاء: «ليس في الاتفاق ما لم تنفذه دول أخرى بالفعل».

ويشكو المسئولون عن رسم السياسات في الاتحاد الأوروبي منذ سنوات من قيادات الدول الأعضاء التي تتشدق بالإصلاحات في مؤتمرات بروكسل ثم تنكص على عقبيها في بلادها عندما يقف في مواجهتها أصحاب المصالح.

العدد 4704 - الجمعة 24 يوليو 2015م الموافق 08 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً