العدد 4713 - الأحد 02 أغسطس 2015م الموافق 17 شوال 1436هـ

حديقة شانديغار الصخرية.. من أبرز معالم الهند بعد تاج محل

تعد ثاني أشهر المواقع الأكثر شعبية في الهند بعد تاج محل. ويزورها في كل يوم الآلاف من الناس، حيث إن الحديقة الصخرية لشانديغار التي تضم الآلاف من أعمال الفسيفساء الفنية للبشر، والحيوانات، والطيور، والشخصيات العامة. ومن أبرز المعالم هناك حشد من الفتيات الراقصات المصنوع من الزجاج المكسور، حسبما أفادت صحيفة الشرق الأوسط يوم أمس الأحد (2 أغسطس / آب 2015).

 

ظل نيك شاند سيني مختفيا عن أعين السلطات لما يربو على عقدين من الزمان. وهو فنان عصامي توفي مؤخرا، لكنه لم يدرس الفنون، وكان يعمل بيد واحدة. وكان يحلم ببناء «مملكة الإله» من الفخار المكسور، والأواني الفخارية، والصخور، والزجاج، وغير ذلك من مواد البناء والأدوات البدائية.

واليوم، تعتبر «الحديقة الصخرية» في شانديغار التي تشتق اسمها من اسم الفنان نيك شاند سيني، معترفا بها كواحدة من عجائب الدنيا الحديثة.

قبل شهور من وفاته حينما التقى مراسل «الشرق الأوسط» بالرجل العجيب داخل حديقته الشاسعة التي تبلغ 40 فدانا، كان هناك عدد لا يحصى من الأعمال الفنية والمنحوتات المصنوعة من مواد النفايات تنتشر في طول الحديقة وعرضها. وهنا يمكن لأي أحد أن يتجول في المكان ويستنشق هواء مختلفا تماما، ويحيي المشاهد المتنوعة التي تفاجئ الزائر مع كل خطوة يخطوها داخل المكان.

مساحات مترامية الأطراف من الأراضي الخضراء، وشلالات المياه الصناعية بين الوديان والخلجان مع مسرح مفتوح يوجد في الوسط، والأراجيح والأعمدة الضخمة، وعدد هائل من القردة والدببة والفتيات القروية المنحوتة، وحتى تلك القرية القديمة التي توجد في قلب الساحة المبلطة، وفي إحدى البقاع، يوجد ذلك التكوين المدهش: سلاسل من الأنابيب الإسمنتية الشبيهة بالحبال الملتوية والملتفة التي تتدلى لأسفل في تكوين لا نهائي. تصاميم فنية من السيراميك المكسر والتجهيزات الكهربية المستنفدة وأغطية الزجاجات وكتل الرماد والأساور الزجاجية المكسورة تتحول جميعها إلى تجسيدات خيالية.

يعد موقعا مثيرا للإعجاب حقا، والمثير للإعجاب أكثر منه هي قصة العقود الأربعة التي قضاها نيك شاند سيني في تشييده. فلقد تذكر الفنان في العقد العاشر من عمره تسلله سرا في ظلام الليل حينما كان يبلغ 18 عاما من عمره لبناء حديقته العجيبة. ولقد قال في تواضع، لم يكن هناك إلهام معين بل كان مشروعا من قبل الآلهة. لم يكن هناك تخطيط مسبق، كان يشكل النفايات كما لو كانت روح ما تسيطر عليه.

بدأت رحلة نيك شاند الإبداعية في فترة الخمسينات حينما كان يعمل مفتشا متواضعا للطرق في شانديغار. كان في ذلك الوقت الذي وظفت الهند المتحررة مهندسا معماريا سويسريا يدعى لو كوربوزييه لتصميم مدينة شانديغار، وكانت أول مدينة مخطط لها في الهند، عقب أعمال العنف الدامية التي قادت إلى تقسيمها عام 1947، شرعت الهند آنذاك في بناء عاصمة لولاية البنجاب (التي ذهب نصفها إلى باكستان) تنشأ من بين الحطام الذي نال عشرات القرى. ولقد فر نيك شاند أيضا من قريته الأم في باكستان إلى الهند.

ومن أطنان من مواد البناء والقمامة التي أعقبت عمليات البناء الضخمة للمدينة الحديثة الجديدة، جمع شاند بعناية ما اعتبره قطعا للأحجار الكريمة من الفخار والزجاج والبلاط وحتى قطع المراحيض المكسورة، والتي استخدمها بمهنية فنية عالية لصناعة منحوتات للرجال والنساء، والجنيات والشياطين، والأفيال، والجمال، والقرود، والآلهة. اختار واديا في ضواحي المدينة لبناء حديقة المنحوتات السرية خاصته، وهو السر الذي حافظ عليه طيلة 18 عاما.

قال نيك شاند راويا قصته «كنت أجمع القطع من أكوام الخردة المنتشرة في جميع أنحاء المدينة بعد خروجي من عملي، وأنقلهم بالدراجة إلى ممر منعزل في الغابة على مشارف المدينة».

جمع شاند، بين عام 1958 وعام 1976، القطع الفخارية المكسورة، وإطارات الدراجات القديمة، وجير الأفران، ونفايات الورش المعدنية، ومصابيح الإضاءة منتهية الصلاحية، وأحواض المراحيض المتخلص منها، ونفايات المصاهر الحديدية، وبراميل قطران الفحم الفارغة، وقطع الأخشاب والأسلاك.

بالنسبة إليه، كان لكل شيء فائدته. ومع مرور السنوات، ازداد حجم الغابة التي يحتفظ فيها بالأشياء التي يجمعها، ولم تعد كافية لاستيعاب مملكته من المنحوتات بالحجم الطبيعي: من الحيوانات، والبشر، والمخلوقات الخيالية.

يجلس في كوخه بعد العمل، يحرق إطارات الدراجات حينما يختفي الضوء الطبيعي، ويعمل على دراسة اكتشافاته الأخيرة ليرى ما الذي يمكنه فعله بها. أطلت الدببة إليه من بين إطارات الدراجات، وتحولت مقاعد الدراجات إلى صفوف من العارضات، وزين الشعر المستعمل من محلات مصففي الشعر منحوتاته البشرية، ووفرت نفايات الإسمنت قواعد التماثيل.

كانت تمر عليه الثعابين والدببة والقرود وكان كثيرا ما يشعل الإطارات ليبقيهم بعيدا عنه. وقال في ابتسامة هادئة «كانت النار التي أشعلها في المساء لأعمل في ضوئها تجتذب الحشرات وتعرضت للدغ منها مرات كثيرة. لم أكن أشعر بالخوف حينما كان ينبغي أن أشعر به، كيف يمكنني العمل في قلب الغابة في المساء؟».

تزايدت أعداد هائلة من الأشكال حوله بمرور الوقت، كتائب كاملة من الطيور. واستمرت مساحة إمبراطوريته في الاتساع. وبعد مرور ما يقرب من عشر سنوات أو نحوها، ترك زوجته وطفليه في سرية، وبعد ذلك عملوا جميعا سويا فيما أطلق عليه اسم «الحديقة الصخرية». كانوا جميعهم حريصين على سرية العمل - فإن حياتهم كلها، كما كانوا يعتقدون، تتوقف على ذلك. قال شاند «كنت خائفا أن أطرد من عملي بسبب التعدي على أراضي الدولة. لم تكن إلا هواية. لم أكن أتوقع أبدا أن يشاهدها الناس».

ظلت السلطات لا تعلم بحديقة شاند الصخرية الآخذة في الاتساع حتى عام 1975. حيث علم كبير مهندسي المعمار بالمدينة بأمر حديقة شاند الذي ائتمنه على سرها، ولقد كان المسؤولين مذهولين من اكتشاف 12 فدانا كاملة من التماثيل، والساحات والشلالات الصناعية والممرات التي كان شاند يعكف على صنعها في كل ليلة بعد عودته من عمله.

ورغم عدم قانونية حديقة شاند السرية - والتهديدات الأولية بتدميرها - استجابت سلطات الدولة لمشاعر الرأي العام المحلي وسمحت للمشروع بالتوسع، حتى أنهم ربطوا لشاند راتبا شهريا وطاقم عمل من 50 عاملا حتى يكرس نفسه لمنحوتاته وأعماله. في عام 1976، افتتحت الحديقة الصخرية للجمهور، وبدأت منحوتاته وتماثيله من البشر والحيوانات والمخلوقات الخيالية في اجتذاب الاهتمام المحلي والدولي. حصل شاند على الكثير من الجوائز المحلية، ولكن على المستوى العالمي، حصل على ميدالية فيرميل الكبرى من الحكومة الفرنسية.

عمل شاند على تشييد «حديقة خيالية» (تماثل الحديقة الصخرية) في كولومبيا، ولقد اعتبر يوم 5 أكتوبر (تشرين الأول) يوم نيك شاند في مقاطعة كولومبيا الأميركية. ثم قام شاند بزيارة الكثير من الدول الأخرى وفقا لدعوات وصلته، ومن بينها ألمانيا وإسبانيا وواشنطن وباريس وغيرها. ووصلت تماثيل شاند إلى مختلف المتاحف حول العالم، بما في ذلك متحف الأطفال الوطني في واشنطن، ومتحف الفنون الشعبية الأميركية في نيويورك، ومعرض ريبا في ليفربول.

قدمت أستراليا فيلما عن شاند، بينما نشرت فرنسا كتاب من 500 صفحة حول الحديقة الصخرية. وكان هناك الكثير من الإشارات الدولية إلى أعماله الفنية.

يمكن الدخول إلى الحديقة السحرية من خلال سلسلة من الأماكن المنخفضة والمصممة كما يقول شاند حتى يمكن للزائر أن يشعر بمزيد من سحر المكان من خلال الممرات الملتوية، والقليل من الزوار يدركون أنهم على بعد خطوات قليلة فقط من المكان الذي دخلوا منه. يقول شاند في ارتياح «حينما يخرجون، فإنهم يبتسمون».

لا يزال كوخه الذي بناه في فترة الستينات موجودا حيث كان يقضي الساعات الطويلة من العمل حتى وقت قريب، وكان كوخا من الطين ومحلا للتأمل.

تستمر الحديقة في ترتيبها الزمني منذ نشأتها. تبدأ ببعض الأشكال الطبيعية، مثل الصخور التي بلا شكل معين، من أجل مراقبة المشهد العام مما يدفع بالزائر في نهاية الأمر إلى مجال معماري كبير وواسع.

ثم هناك الباحات المفتوحة بجوار الممرات المزينة بالتماثيل، ثم غرف الملك والملكة ذات الأفيال والجمال. والحديقة بأكملها، في واقع الأمر، مصممة لتبدو مثل مملكة ذات مداخل وقناطر مشيدة من أكياس الإسمنت القديمة.

 





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 7:47 ص

      لا يوجد وجه للمقارنة

      لا يوجد وجه للمقارنة بين تاج محل وبين حديقة الصخور ولا تعد من أشهر الامكان في الهند وهذه مبالغة كبيرة في تقييم هذا الموقع

    • زائر 2 | 1:36 ص

      هذه المواضيع تحفيزية للجيل الجديد

      الجيل الجديد يحتاج الى نبراس يحتذي به، و يخلصه من ارق الراحة و السهر وراء التلفزيون تحت هواء المكيفات، الهنود شعب فقير لكنه مجد مجتهد على عكس الكثيرين من أهل بلادي

    • زائر 1 | 12:53 ص

      ايوه

      شكرًا للوسط الموضوع في غاية الروعة كثرو من مواضيع شبه القارة الهندية

اقرأ ايضاً