العدد 4714 - الإثنين 03 أغسطس 2015م الموافق 18 شوال 1436هـ

الابتسامة في عِزّ الصيف

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

يختار البحرينيون السفر هرباً من حرارة الطقس أملاً بالحصول على نسمة هواء باردة وطمعاً بأيام أكثر سعادة وأقل همًّا وتنغيصاً. السفر متعة للروح وراحة للأجساد المتعبة، «تفريج همٍّ واكتسابُ معيشةٍ وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجدِ» على ما يُروى.

لكن البحرينيين لديهم 70 فائدة أخرى للسفر تدفعهم للذهاب بعيداً ولو لبعض الوقت يستنشقون هواءً نقياً قبل أن يعودوا مجددا لمواجهة حالة «الانهاك المتواصل» في واقع ملبّد بسحب المجهول وانعدام الأمل، وليتعايشوا مع أخبار الموقوفين الجدد، دائما هناك جدد، والخلايا والطابور الخامس والتفجيرات الحمقاء والأسلحة المخبأة.

لكني اخترتُ أن أقصد بيروت في رحلة أدبية على مركب ورقي مع (ذكريات الأدب والحب) لسهيل إدريس (ت 2008م) الذي أنشأ مجلة الآداب سنة 1953م، وأسس بالاشتراك مع نزار القباني دار الآداب البيروتية سنة 1956. وقد وجدتُ نفسي منساقاً مع النص اللذيذ الذي لا يخلو من شحنة سخرية وحلاوة وطلاوة، لولا أنني شعرت أن القسم الثاني من العمل لايوازي الاول في تدفقه وموهبته، فقد كان نصاً بارداً مفرطا في تسجيليته، وهو أقرب الى الحشو الممل منه الى مذكرات أديب في قامة صاحب (دار الآداب).

وتدلّك مذكرات صاحب (الحي اللاتيني)على دروس رائعة في الكفاح الشخصي من أجل بلوغ الهدف وإصابة النجاح، فقد دخل سهيل عالم الأدب من بوابة الصحافة، التي لم يحبها يوماً، فقد كان حانقاً على هذه المهنة التي تأخذه بعيداً عن التفرغ الكامل للقصة والرواية، لكنه كان يستمتع ببريقها وما تتيحه له من نوافذ وأبواب يتعرف عبرها على رجال الفكر والسياسة والأدب والفن في بيروت الخمسينات المأهولة بالموهبة والجمال والعبقرية، ومع ذلك فقد ظل وفياً لحبه والتزامه بالأدب ساعياً وراء مجد أدبي ينتظره وقد أدركه.

وكما جاء للأدب من بوابة الصحافة؛ كذلك دخل الصحافة من بوابة المشيخة والمعاهد الشرعية، وقد ساهم مع عمالقة آخرين في الارتقاء بلغة الصحافة اللبنانية وجماليتها وتشييد دعائمها كمدرسة صحافية لها سماتها المتفردة وأسلوبها المشرق.

وكان من أطرف ما يتذكره سهيل عندما كان محرراً برلمانياً لجريدة بيروت لثلاث سنوات، أن رئيس مجلس الوزراء سامي الصلح كان يخطب بلكنة تركية يحبها النواب ويتفكهون بها، وخصوصا حين يحضر وهو شبه سكران. وخطب ذات يوم في المجلس فقال:

قال محمد أفندي (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)... وهنا قاطعه أحد النواب الحافظين للقرآن فقال: بل هذه، يا سامي بك، آية كريمة قالها الله باشا!

فانفجر مجلس النواب بالضحك وتلعثم سامي بك.

ومن الطرائف التي يرويها إدريس أن سامي بك هذا عاد ذات ليلة إلى منزله وهو ثمل، برفقة أحد حراسه، فعجز عن إدخال المفتاح في قفل البيت، وحين حاول مرافقه أن يساعده، رفض قائلاً:لا، لا... أنا أفتح الباب، بس أنت ثبّت لي البناية شوية!

ولأنني من الذين يرون أن الحياة قصيرة ولا يجب أن نملأها بالأحزان والمنغصات؛ لذا طربت للنصيحة التي ساقها الأديب اللبناني سعيد تقي الدين لسهيل حين نصحه بالخروج عن المألوف والتمتع بالحياة: «اخرج الى الحياة وعُبَّ منها. نوّع حياتك. أنت مسلم تصلي في الجامع كل يوم. عال! رح الأحد القادم الى الكنيسة، واحضر القداس، وانشق عبير مبخرة الكاهن. كيف تأتي الى المكتب؟ ماشياً؟ تعلق بالترامواي مرة بعد مرة، واركب التاكسي في بعض الاحيان، تعلم الرقص، تضارب مع عبدالستار الطرابلسي، ترحم على الانتداب بقصيدة، اسهر الليل كله، نم النهار كله!»، ويمضي تقي الدين في نصائحه الساخرة والحكيمة محرضاً صديقه على أن يكون أديباً حقيقياً يعبّ من نهر الحياة أكثر مما يستوحي من نصوص الكتب ويبني خياله من صفحاتها الميتة.

المستقبل هو ما تتمناه، وتخطط له، وتعمل لأجله، يقول طاغور: «المستحيل لايقيم الا في أحلام العاجز»، وسهيل إدريس الذي بدأ شيخاً وانتهى أديباً ملأ الحياة الأدبية في دنيا العرب لم يكن من هؤلاء العاجزين.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4714 - الإثنين 03 أغسطس 2015م الموافق 18 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 8:37 ص

      مقال ممتاز

      سلمت أناملك ياأباعلاء دائماً تتحفنا بمقالاتك المميزة بارك الله فيك وشكراً جزيلاً

    • زائر 1 | 12:33 ص

      بيروت

      متى يأتي اليوم الذي تتحرر فيه بيروت من براثن الاحتلال الفارسي

    • زائر 2 زائر 1 | 1:32 ص

      زائر 1متى تتحرر لعقول وتبتعد عن لطبول

      عجيبة بيروت

اقرأ ايضاً