العدد 4714 - الإثنين 03 أغسطس 2015م الموافق 18 شوال 1436هـ

رئيس قسم التحقيقات الاستقصائية في «صنداي تايمز»: مقابلة مع البغدادي ستكون "خبطة العمر"

صحيفة الشرق الأوسط (3 أغسطس 2015) 

تحديث: 12 مايو 2017

حاولت أن أقدم لكم أكبر قدر ممكن من المعلومات من خلال الأسئلة المطروحة. وكما أوضحت لكم عبر الهاتف الأسبوع الماضي، أخشى أنه لن يمكنكم نشر صورتي الشخصية برفقة الموضوع لاعتبارات الأمن والسلامة.

يمكنكم استخدام نسخة من صحيفة «صنداي تايمز» إذا رغبتم، أو شعار الصحيفة، أو ربما التقاط صورة للمبنى الجديد في لندن بريدج. أرجو أن يكون ذلك مفيدًا لكم.

ومنصبي الحالي هو كبير رئيس قسم التحقيقات الاستقصائية في الـ«صنداي تايمز»، ولقد التحقت بالعمل في الصحيفة متدربًا حديث التخرج في سبتمبر (أيلول) 1998، ولقد توليت مناصب عدة في قسم الأخبار بالصحيفة، ومن بينها مراسل النقل ثم مراسل الإعلام وبعدها توليت منصب نائب رئيس تحرير قسم الأخبار وكذلك التحقيقات الاستقصائية.

كنت على خطوط الجبهات الأمامية في الحروب لتغطي أخبار الإرهاب والمتطرفين في المملكة المتحدة. كيف كانت تلك التجربة بالنسبة إليك؟

- كانت تجربة تغطية أخبار «لندنستان» والإرهاب والمتطرفين في المملكة المتحدة من أروع تجارب حياتي قاطبة. يقع في قلب المسألة السبب الرئيسي وراء حياة أولئك الناس في بريطانيا في المقام الأول، الذين من المرجح أن يكونوا قد تلقوا التعليم في المدارس الحكومية ويتمتعون بمزايا الديمقراطية، مثل حرية التعبير وحرية العبادة، والدافع أو الحافز لأن يلحقوا قدرًا من الأذى بالمجتمعات الغربية. يثير ذلك كثيرًا من التساؤلات المهمة حول مدى تماسك وصلابة المجتمع والتكامل فيما بينه، وسياسات الحكومة، وكما أعتقد، في نهاية المطاف، حالة الإنسان ذاته. وتغطية مثل تلك التقارير الإخبارية لا يخلص من المخاطر بأي حال ولقد واجهت بكل تأكيد قدرًا معقولاً من العداء من جانب المتطرفين في الماضي والتهديدات العارضة التي أتلقاها من وقت لآخر!

عقب ترحيل أبو قتادة وأبو حمزة من المملكة المتحدة هل تعتقد أن مصطلح «لندنستان» لا يزال يحمل زخمًا معينًا؟

- أعتقد أن مصطلح «لندنستان» لا يزال يحمل زخمًا كبيرًا حتى اليوم. ويبدو أن كثيرًا من البذور المغروسة على يد المتطرفين في لندن إبان حقبة التسعينات قد تنمو حاليًا لتلتف حول عنق بريطانيا ومن ورائها الغرب. وذكرت في آخر قصتين لي حول المتطرفين التونسيين الذين عاشوا في المملكة المتحدة، والذين كانوا من تلامذة أبي قتادة، والذين يرتبطون أيضًا حاليًا بالمذبحة المروعة التي وقعت قبل شهر للسائحين البريطانيين في مدينة سوسة التونسية.

لقد لعبت دورًا مهمًا في تغطية ثورات الربيع العربي. فما رؤيتك لما حدث؟ وبعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام، هل تشعر بالإحباط أو بخيبة الأمل حيال التقدم المحرز من قبل دول ما بعد الربيع العربي؟

- إنه وضع مخيب للآمال بحق أن نرى ما حدث في أعقاب ثورة الربيع العربي. إن سوريا تقبع في خضم فوضى عارمة، ويبدو أن تأخر إحراز التقدم الاقتصادي في تونس يدفع بكثير من الشبان المحبطين لأن يقعوا فريسة في أيدي المتطرفين.

 تواصل الكتابة في الآونة الأخيرة عن المقاتلين الأجانب المسافرين إلى سوريا. فما الذي يثير اهتمامك على وجه الخصوص في هذا الموضوع؟

- كما ذكرت آنفًا، إن أكثر ما يثير فضولي هي الدوافع التي تحفز الشباب الصغير الذي نشأ وتربى في بريطانيا على الانضمام المفاجئ للجماعة المتعطشة لدماء البشر مثل «داعش» والسعي، في بعض الحالات، لتنفيذ الهجمات على موطنها أو على المواطنين. ما الذي يدفع فتاة من شرق لندن تبلغ 15 عامًا من عمرها ومتفوقة دراسيًا لأن تعتقد أنه أمر جيد للغاية لأن تتحول إلى عروس لمتطرف في مدينة الرقة؟ ما الذي حدا بمحمد إموازي لأن يصبح «جون المتطرف» ويقطع بيديه رؤوس الرهائن البريطانيين؟ إن جزءًا من ذلك لا بد يرجع إلى «الشعار» الذي رفعه تنظيم داعش عن ذاته واستخدامه المتقن للغاية لوسائل الإعلام الاجتماعية، وهو الأمر الذي لم نشهد له مثيلاً من قبل وبتلك الدرجة المزرية لأن تكون أداة من أدوات التطرف.

في أواخر فترة التسعينات، كان جل تركيزي منصبًا على تأثير الدعاة في المساجد والحلقات الدراسية، مثل أبو قتادة وأبو حمزة، ولكن جهود التطرف والتجنيد تجري على قدم وساق عبر «تويتر»، وهي في غالب الأمر ما تتم على أيدي شبان حديثي السن من الذين تمكنوا مؤخرًا فقط من الالتحاق بغيرهم في سوريا أو العراق.

بوصفك صحافيًا لدى صحيفة «صنداي تايمز»، وهي من الصحف المعروفة وواسعة الانتشار، كيف ساعدك ذلك أو لعله سبب لك إعاقة ما في مسار أعمالك؟

- إن العمل في صحيفة مشهورة قد يفتح لك، أحيانًا، الأبواب ويتيح لك قدرًا من المصداقية لدى الدوائر الحكومية والوزارات. ومع ذلك، ومن واقع حقيقة أن صحيفة «صنداي تايمز» تتبع تيار يمين الوسط، قد يتميز ذلك في بعض الأحيان بقدر من الصعوبة في بناء الثقة والمصداقية لدى المتطرفين ولدى عائلاتهم. وإنني دائمًا ما أوضح خلال محاولتي عقد اللقاءات مع أولئك القوم أن هدفي الأصيل هو محاولة تفهم سلوكيات الأشخاص وليس تأنيبهم أو وصمهم بالعار جراء أفعالهم. من الأهمية بمكان في مهنتي الحفاظ على الموضوعية بقدر الإمكان كمراسل صحافي.

كيف بدأت مشوارك المهني في مجال الصحافة؟

- دائمًا ما كنت اهتم بالأخبار والقضايا المعاصرة وقت المراهقة، ولكنني اتخذت منحى الجدية حيال مهنة الصحافة بعد عملي محررًا إخباريًا في الصحيفة الجامعية بجامعة نوتنغهام. ولسوء الحظ، فإن كل صحيفة محلية راسلتها سعيًا وراء تعاقد لوظيفة أو فرصة للتدريب عقب التخرج، خذلتني، ولقد أصبت بإحباط شديد لدرجة أنني شرعت في ملء استمارات التوظيف لدى مؤسسات محاسبية بدلاً من الصحافة! ومن حسن الطالع، جاءتني وظيفة محرر مبتدئ لدى صحيفة أسبوعية آسيوية ناطقة بالإنجليزية تدعى «العين الشرقية». وهناك صقلت مواهبي الصحافية لمدة عامين كاملين قبل الانتقال إلى برنامج تدريب الخريجين لدى صحيفة «صنداي تايمز» في عام 1998.

متى أحسست بأنك تخيرت لنفسك بالفعل المهنة الصحيحة؟

- كان ذلك حين أدركت أنهم قد يدفعون لي راتبي لكوني فضوليًا وأكتب القصص حول حياة أناس آخرين!

ما أولى قصصك الصحافية؟ ومتى تم نشرها؟

- أعتقد أن أولى مقالاتي للصحافة الوطنية كانت في عام 1995 وكنت حينها في عملي لدى صحيفة الـ«تايمز» وطُلب مني تغطية مؤتمر صحافي في السفارة الأرجنتينية في لندن وكان يدور حول الحقوق النفطية في جزر فوكلاند! وكانت أولى مقالاتي قاطبة لصحيفة «صنداي تايمز» في سبتمبر 1998، وكانت، بصورة مناسبة، تدور حول الرجال التابعين لأسامة بن لادن وأذرع تنظيم القاعدة في لندن الذين خضعوا للتحقيقات على أيدي محققي سكوتلاند يارد حيال تفجيرات السفارتين في شرقي أفريقيا من ذلك العام.

ما الذي تستمتع بعمله أكثر الوقت؟

- إذا ما فسرت سؤالك هذا بشكل صحيح، فإنني ما زلت أعشق مطاردة الناس بحثًا عن قصة ما والذهاب حتى أبواب منازلهم في زيارات مفاجئة لسؤالهم وأطلب منهم الحديث معي. لا تزال تلك مهارة جيدة إذا كانت تعمل بشكل جيد.

ما القصة أو المقابلة التي تنتظر الكتابة عنها؟

- يا له من سؤال عسير.. مقابلة حصرية مع أبو بكر البغدادي سوف تكون شيئًا جيدًا، بافتراض أنه لا يزال على قيد الحياة، أو مع محمد إموازي، جلاد «داعش» المعروف باسم «جون المتطرف»، لسوف تأتي بمردود كبير هي الأخرى.

حصلت على كثير من الجوائز المرموقة تكريمًا لعملك، ولكن هناك جائزة واحدة فقط هي أكبر مفخرة لديك؟

- للأسف، لم أحصل على أي جوائز مناسبة. ولكن هذا العام كنت على قائمة المرشحين لجائزة «المراسل الصحافي للعام» لدى حفل توزيع الجوائز الصحافية من فئة «الأخبار العاجلة» في الجوائز الصحافية البريطانية، وكلاهما يعنى بعملي حول المتطرفين البريطانيين في سوريا. ولقد كانت وسيلة طيبة للتكريم.

مرت الآن أكثر من ثلاث سنوات على الصراع السوري، ومع بروز تلك القصة على الصفحات الأولى والأخبار العاجلة منذ بدايتها: هل هناك فرصة لأن يصيب الملل وسائل الإعلام؟

- لا أعتقد ذلك. لقد تطورت القصة الإعلامية في وسائل الإعلام البريطانية من تلك التي تدور حول الرئيس الأسد إلى التي تتناول تنظيم داعش، والتهديد الذي يشكله على بريطانيا والغرب. ومن العار أن ذلك التحول صارت له الأسبقية إثر مقتل مئات الآلاف من الأبرياء في سوريا، ولكن الأمن القومي هو الاحتمال الأرجح بالتغطية في الصحافة البريطانية. وبكل تأكيد، تهيمن جهود ديفيد كاميرون لنشر القوات الخاصة البريطانية (SAS) لمحاربة «داعش» على الصفحات الأولى للصحف اليوم.

 ما تقييمك لتغطية صحيفة «صنداي تايمز» لأخبار الإرهاب والمتطرفين؟

- من واقع خشيتي لأن أكون متملقًا لصحيفتي، فإنني أعتقد أن تغطية صحيفتنا لذلك الموضوع كان أكثر شمولاً من أغلب وسائل الإعلام الأخرى في المملكة المتحدة. وذلك لأسباب ليس أقلها أنني واحد من بين ستة صحافيين لدى «صنداي تايمز»، ومن بينهم أيضًا هالة جابر المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، الذين يهتمون بذلك الموضوع كثيرًا. ورغم ذلك، فإنني أقول إن صحيفة الـ«إندبندنت» كانت جيدة للغاية في تسليط الضوء على تلك الظاهرة ومن مراحلها المبكرة.

التغطية الصحافية للقضية الفلسطينية يشوبها كثير من الانحياز، سواء كنا نتحدث عن الانحياز لإسرائيل في الغرب أو الانحياز لفلسطين، ما رأيك؟

- تلك قضية معمرة، وحتى هيئة الإذاعة البريطانية نالها اللوم لكونها إما من المؤيدين لفلسطين جدًا أو المؤيدين لإسرائيل للغاية في مختلف الأحيان. إنها قضية صعبة بحق. وكل ما يمكنني قوله إنه بوصفك مراسلاً صحافيًا يتعين عليك الالتزام بالموضوعية والمهنية في عملك بقدر الإمكان.

من الصحافي المفضل لديك–على المستويين المحلي والدولي؟

- أخشى أن هناك كثيرًا من الأسماء اللامعة في المملكة المتحدة والعالم العربي. ولكنني أعجب كثيرًا بأولئك الذين يذهبون للخطوط الأمامية لتغطية أخبار الصراعات حيث تكون سلامتهم على المحك، وأولئك الذين يحاولون العثور على الحقيقة المجردة في دول تقمع حرية التعبير وحرية الصحافة.

كم عدد الساعات التي تقضيها في العمل كل أسبوع؟ وهل يفسح لك ذلك مجالاً للراحة الشخصية؟

- إن ذلك يختلف باختلاف العناصر على أجندة الأعمال، ولكن–في المتوسط–دعني أقول إنها 60 ساعة في الأسبوع. وأيام الجمعة والسبت هي أكثر الأيام شغلاً بالنسبة لصحيفة تصدر أيام الآحاد من كل أسبوع. وأخشى أنني مثل معظم الصحافيين أقضي كثيرًا من وقت فراغي في قراءة الصحف والمجلات والتقارير على الإنترنت، ولذا فلا يتاح لي وقت الراحة الشخصية كما يحلو لي دائما!

ما رأيك في الإعلام المطبوع مقابل الإعلام على الإنترنت؟ وهل تعتقد أن الأنماط الجديدة من الإعلام تغتال الأنماط القديمة منه؟

- أعتقد أن كلا النمطين يمكن أن يتعايشا جنبًا إلى جنب. ومن الناحية الشخصية، ما زلت أحب ملمس الحبر الأسود على أصابعي. وأعتقد بالتأكيد أن الإعلام المطبوع، مثل صحيفة «صنداي تايمز» و«دير شبيغل» و«نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، لديها ما يكفي من الموارد لتتفوق في تحقيقاتها الصحافية. ومع ذلك، أعجبني كثيرًا موقع (فايس–Vice) الإخباري من واقع تغطيته للمتشددين. وأرى أن موقع (باز فيد–Buzzfeed) يستثمر بشكل كبير في نقل وتغطية الأخبار. والوقت كفيل بأن يخبرنا أي من تلك الأنماط يستحق الجدارة تجاريًا.

ما المدونة أو الموقع الإخباري المفضل لديك؟

- لا أزال أتابع موقع هيئة الإذاعة البريطانية الإخباري في أغلب الأوقات. ولكن، وعلى نحو متزايد، أرى أن موقع «تويتر» هو الأفضل من حيث الأخبار الفورية العاجلة، في المملكة المتحدة وفي الخارج.

ما النصيحة التي تقدمها لصغار الصحافيين الذين يبدأون أولى خطواتهم في تلك المهنة؟

- كن صبورًا، ومثابرًا، وعنيدًا، وكن دائمًا على استعداد لقبول رفض الآخرين لك، والأهم من كل شيء، كن صادقًا مع ذاتك.

من قدوتك في عالم الصحافة؟

- من باب الأمانة، هناك عدد لا يحصى من الصحافيين والمحررين الذين أعجب بهم كثيرًا. وإذا ما تخيرت شخصية واحدة بعينها، أعتقد أنها سوف تكون ماري كولفين، المراسلة الأجنبية السابقة لدى «صنداي تايمز»، التي لاقت حتفها في سوريا على يد قوات بشار الأسد في 2012. فقد ساعدتني في أولى مقالاتي بالصحيفة وكانت ذات كرم بالغ على الدوام مع الصحافيين الناشئين من حيث النصيحة والوقت. وما كانت تخاف من شيء، وحققت فارقًا كبيرًا. وفي كل مرة أرى بائع الجرائد السريلانكي يحدثني عن الراحلة ماري، وكيف أنها سلطت الضوء بجهودها على مآسي أقلية التاميل في بدايات الصراع هناك، ويبكي متأثرًا لذكراها!

ما الخصائص التي ينبغي في رأيك أن يتمتع بها كل صحافي ناجح؟

- العزم، والإصرار، والتواضع، والاستعداد لتحدي السلطة. ولا يكتفي بـ«لا» كإجابة.

ما النصيحة التي تقدمها للصحافيين العرب الناشئين على وجه التحديد؟

- لن تختلف كثيرًا عما قلته آنفًا: كن صبورًا ومثابرًا وعنيدًا، وكن مستعدًا لأن يرفضك الآخرون، ولكن بمزيد من الأهمية، كن صادقًا مع نفسك. وبالنسبة لأولئك الذين ترفض عائلاتهم عملهم في الصحافة، أقول لهم إن الصحافة في مثل أهمية الطب أو القانون أو السياسة، على الرغم من أن العائد المادي من ورائها ليس كبيرًا!.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً