العدد 4726 - السبت 15 أغسطس 2015م الموافق 30 شوال 1436هـ

تضارب القرارات في أمر القطن المصري يبرز مشاكل أوسع في رسم السياسات

وقف المزارع محمد خليل وسط شجيرات القطن في حقله فلم يظهر منه سوى نصفه الأعلى والغضب البادي على وجهه. فبعد أن أصدرت وزارة الزراعة المصرية قراراً من شأنه منع تصدير القطن لمساعدة المزارعين المحليين اعترض مجلس الوزراء فجأة على هذه الفكرة وألغاها.

وكان ذلك أحدث حلقة في سلسلة من المؤشرات على التراجع في قرارات السياسات الاقتصادية والتأجيلات في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي.

وقال خليل الذي يستأجر قطعة أرض من الدولة لزراعة القطن عالي الجودة في شبراخيت بدلتا النيل «لا أصدق ذلك. قبل أسابيع فقط قالوا لنا لا تقلقوا من القطن المستورد».

ويمثل مثل هذا التضارب في صنع القرار أيضاً عرضاً من أعراض مشاكل أوسع في رسم السياسات تؤثر على مصر التي تكافح لتنشيط اقتصادها وجذب استثمارات خارجية بعد سنوات من الاضطراب منذ عام 2011.

فرض السيسي بعضاً من الإصلاحات القاسية مثل تقليص دعم الوقود الذي يستهلك شريحة ضخمة من ميزانية الدولة وحصل بذلك على ثناء صندوق النقد الدولي. لكنه ركز جانباً كبيراً من سياساته الاقتصادية على مشروعات ضخمة مثل حفر قناة جديدة لتوسيع قناة السويس ومشروع إقامة عاصمة جديدة.

من ناحية أخرى واجهت مبادرات أخرى من الدولة مشاكل. فقد تراجعت الحكومة عن خطط لبدء تحصيل ضريبة على أرباح التعاملات في البورصة في مايو/ أيار كانت تمثل عنصراً أساسياً في برنامج الإصلاح وذلك بعد أن شكا المتعاملون في البورصة من أن الضريبة ستعرقل الاستثمار.

كما أرجأت الدولة البدء في تطبيق العمل ببطاقات للوقود كان الهدف منها خفض فاتورة الطاقة الحكومية كذلك لم تحدد حتى الآن موعداً لبدء العمل بضريبة القيمة المضافة.

ويمثل القطن المشكلة تمثيلاً جيداً. ففي يوليو/ تموز اتخذت وزارة الزراعة قراراً من شأنه منع استيراد القطن من أجل زيادة الإنتاج المحلي. وتزرع مصر أنواعاً عالية الجودة من القطن طويل التيلة الذي كان يعرف فيما مضى بالذهب الأبيض لما يدره عليها من دخل، لكن الإنتاج يتراجع منذ سنوات.

وقالت الوزارة في بيان إن الهدف من قرار وقف الاستيراد «حماية الإنتاج المحلي من القطن وحل مشاكل تسويقه... وإعادة تأهيل مصانع الغزل والنسيج لاستيعاب القطن المحلي وتحويله إلى صناعات تغطي الإنتاج المحلي».

وأضافت أنها تحرص على استعادة القطن المصري لمجده السابق على كل المستويات.

وبعد ثمانية أيام ألغى مجلس الوزراء هذا القرار دون أن يذكر سبباً باستثناء القول إن ذلك يأتي في إطار تطوير زراعة القطن ودعم مزارعيه.

وألقى هذا التراجع بظلال الشك على التزام الحكومة بتنشيط القطاع الذي كان في وقت من الأوقات أفضل سلع التصدير في مصر ومازال يمثل جانباً كبيراً من القطن الفاخر المستخدم في حياكة الأقمشة الفاخرة في مختلف أنحاء العالم.

وقال وليام جاكسون من كابيتال إيكونوميكس إن سياسة القطن «تزيد من الإحساس العام بأن عملية رسم السياسات في مصر لا تخضع فيما يبدو لقدر كبير من التحليل قبل التنفيذ». وأضاف أن التخبط في رسم السياسات يجعل من الصعب على المستثمرين وضع خطط مستقبلية.

وشكك تاجر يعمل في مجال السلع الأولية في الخطوة التي أخذتها وزارة الزراعة. وقال التاجر «لا يمكن للوزارة أن تفرض شيئاً كهذا من جانب واحد دون أن يكون لديها البيانات التي تظهر أنه سيفيد أكثر مما يضر».

ولم ترد الوزارة على طلبات للتعليق. غير أن أصحاب مصانع النسيج الذين أزعجهم قرارها شنوا حملة معارضة لقرار حظر الاستيراد الذي من شأنه حرمانهم من إمدادات القطن المستورد الرخيص.

ويوم الاثنين أوضح بيان صدر عن مكتب رئيس الوزراء أن المجلس الأعلى للقطن المؤلف من ممثلين لوزارات وهيئات الصناعة قال إنه سيعمل على تنسيق سياسات القطن آخذاً الطلب على القطن في الخارج وفي السوق المحلية في الاعتبار.

في شبراخيت الواقعة على مسافة 150 كيلومترا شمالي القاهرة لا يزرع سوى القطن طويلة التيلة من نوع «جيزة 88». ويشعر المزارعون من أمثال خليل في تلك المنطقة بأنهم تعرضوا للخيانة بعد ما تلقوه من وعود بأن محاصيلهم ستحل محل الواردات.

وكان هؤلاء المزارعون تلقوا ضربة في يناير/ كانون الثاني الماضي عندما قالت الحكومة إنها لن تدفع بعد الآن دعماً يبلغ 350 جنيهاً مصرياً (45 دولاراً) للقنطار (ما يعادل 160 كيلوجراماً) من القطن عالي الجودة.

العدد 4726 - السبت 15 أغسطس 2015م الموافق 30 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً