العدد 4738 - الخميس 27 أغسطس 2015م الموافق 13 ذي القعدة 1436هـ

هل نتجه نحو مستقبل بلا وظائف؟

الوسط – محرر المنوعات 

تحديث: 12 مايو 2017

بالانتقال من الدراجة الهوائية إلى المحرك البخاري، ومن السيارة إلى المسبار الفضائي "نيو هورايزونز" العابر للكواكب والقادر على إرسال صور عالية الدقة عن كوكب بلوتو وأقماره، ومن العداد إلى أجهزة الكمبيوتر الفائقة التي تعمل بسرعة "إكساسكيل"، نكون قد قطعنا شوطاً طويلاً في إشباع شغفنا باستخدام التكنولوجيا. وتُعد الابتكارات هي الدافعة لإحداث تغيُّرات سريعة في مجال التكنولوجيا اليوم، حيث نعيش في عالم دائم التغيُّر تكنولوجياً.

وفي العام 1965 افترض المؤسس المشارك لشركة "إنتل"، جوردون مور أن عدد الترانزستورات في الدائرة المتكاملة سيتضاعف كل 18 إلى 24 شهراً. وعُرِف ذلك بقانون مور الذي يصعب تجاهل آثاره في أي جانب تقريباً من جوانب حياتنا اليومية. وأصبح بمقدور الناس الوصول إلى المعلومات بسهولة أكبر بتكلفة أقل. وتتأثر القوى العاملة حالياً بظاهرة العولمة، ولم يعد هناك سوى مجالات قليلة لم تتأثر بعد باستخدام التكنولوجيا.

لكن طبيعة تكنولوجيا المعلومات والاتصال، التي تتسم بأنها واسعة الانتشار سريعة التطور، تثير مخاوف من الاستغناء عن المزيد من العاملين واحتمال اتساع نطاق الفجوة الاقتصادية بين الأغنياء والفقراء. فالتطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي يعيدان تشكيل الهيكل التقليدي لمجتمعنا بشكل سريع.

تشمل المجالات التي تهيمن فيها أجهزة الكمبيوتر على الوظائف التقليدية، على سبيل المثال، الطب الإشعاعي وهو مجال في الطب يتطلب سنوات عديدة من الدراسة المكثفة للتخصص فيه. وهناك أنظمة، كالتي تصنِّعها "بي دي فوكال بوينت"، تستطيع تفسير الصور الطبية والبحث عن الاختلالات مثل الأورام بسرعة ودقة تفوق استطاعة البشر.

وأدى التقدُّم في معالجة اللغات الطبيعية إلى إنشاء أنظمة الاستجابة الصوتية التفاعلية الذكية التي بدأت تحل محل مراكز الاتصال التقليدية والموظفين اليدويين، مما ينتج عنه ارتفاع مستوى الكفاءة وانخفاض تكاليف التشغيل للمؤسسات. وتزعم "آي بي سوفت" أن بمقدور برنامجها الإدراكي (أميليا) العمل مع موظفي مراكز الاتصال من البشر وأنه قادر على التعلُّم والفهم مثله مثل الإنسان.

ولدى شركات الصناعات التحويلية في الصين، مثل "فوكسكون"، خطط لاستبدال 1.2 مليون عامل بعمال آليين (روبوت) لتظل قادرة على المنافسة. ويلحق ارتفاع أجور العمالة، في بلدان مثل فييتنام وإندونيسيا، الضرر بأرباح شركات مثل "نايكي" التي تبحث بالفعل عن بدائل لاستبدال الأيدي العاملة بأرباح رأسمالية.

ومن المحتمل أن يكون لظهور السيارات ذاتية القيادة آثار ضخمة على الوظائف وخلق فرص العمل. وتقدِّر دراسة إجمالي الوظائف المفقودة بسبب قيادة السيارات آلياً بنحو 10 ملايين وظيفة في السنوات العشر إلى الخمس عشرة المقبلة. ويمكن لتداعيات التحول إلى السيارات ذاتية القيادة أن تحدث أثراً متتابعاً على طائفة من الصناعات المساعدة مثل سوق تأمين السيارات، وسوق تمويل السيارات، وصناعة مواقف انتظار السيارات، وسوق قطع غيار السيارات مع توقف الطلب على هذه الخدمات.

وفي حين يجري فقدان الوظائف بسبب استخدام الأنظمة الآلية، فإن مؤيدي وجهة النظر المقابلة يرون أن التقدُّم التكنولوجي يتسبب في خلق العديد من الوظائف الجديدة. ويرون أن المكاسب على صعيد الإنتاجية والتكلفة التي تحققت من خلال استخدام الأنظمة الآلية ترتد إلى الاقتصاد بما يساعد المواطنين على الحصول على الخدمات بتكاليف أقل، وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة في وفورات المستهلكين وإنفاقهم مما ينتج عنه المزيد من فرص العمل في سوق السلع الاستهلاكية.

وأدت التكنولوجيا والابتكارات إلى زيادة مستوى الرخاء في العديد من البلدان النامية. فقد تحولت الفلبين والهند إلى مركزين عالميين رئيسيين للتعهيد يعمل بهما مئات الآلاف من الأشخاص. وأحدثت أنظمة الدفع عبر الهاتف المحمول، مثل برنامج الأموال المحمولة (M-PESA) في كينيا، ثورة في المعاملات المصرفية للشخص العادي، فيما أدت أنظمة الرسائل مثل نظام "رويترز ماركت لايت" إلى تحسين الإنتاجية الزراعية في الهند من خلال تزويد المزارعين بمعلومات عن أسعار السوق وأحوال الطقس والمحاصيل.

وساهمت التكنولوجيا في زيادة الإنتاجية، فقد بشّرت حقبة ما بعد الحرب العالمية بتسارع وتيرة معدلات التوظيف، وزيادة رواتب العمال، وارتفاع مستويات الرخاء.

لكن منذ السبعينات، تعصف ظاهرة غريبة بسوق العمل الأميركية.

فمتوسط راتب العامل بلغ ذروته في في العام 1973 وتراجع على مدار العقود اللاحقة (مع التعديل حسب معدل التضخم). وبينما تظهر إنتاجية العمالة ورواتب العمال العاديين بالقطاع الخاص وجود ارتباط تام ظاهرياً بين عامي 1948 و1973، فإن الهوة بينهما تتسع عاماً بعد الآخر منذ العام 1973 مما يشير إلى تراكم الثروة في أيدي أصحاب مؤسسات الأعمال والمستثمرين خلافاً لمتوسط راتب العامل بالصناعة.

إضافةً إلى ذلك، هبطت حصة العمالة من الدخل القومي الأميركي منذ السبعينات.

من بين النظريات العديدة التي تم طرحها لتفسير الظواهر أعلاه، أنه لا يمكن بالتأكيد تجاهل الدور الملحّ الذي تلعبه تكنولوجيا المعلومات والأنظمة الآلية. وفي كتابه "صعود الروبوتات: التكنولوجيا والتهديد بمستقبل بلا وظائف"، يقول مارتن فورد إن ظهور تكنولوجيا المعلومات تسبب في استبدال العمالة بدلاً من زيادة قيمتها، مما يؤدي إلى تزايد التفاوت في الدخل بين العمال الذين يمتلكون المهارات اللازمة للتكيُّف مع التحولات التكنولوجية الهيكلية وغيرهم ممن يفتقرون إليها.

وبات يُنظر إلى الروبوتات بدرجة كبيرة على أنها آلات يمكنها أداء أعمال روتينية متكررة غير إدراكية. لكن الآلات بدأت تحاكي بالفعل القدرات البشرية.

وبالجمع بين الذكاء الاصطناعي والبراعة ورؤية الآلة ثلاثية الأبعاد (التي قد تعود جذورها إلى لعبة الفيديو نينتندو وي)، تستطيع الروبوتات التي تصنِّعها "إنداستريال بيرسيبشن"، وهي شركة مقرها في مقاطعة بالو ألتو (استحوذت عليها غوغل)، تمييز الصناديق ونقلها وترتيبها في تسلسلات معقدة، وهي مهارة بشرية لم تتم محاكاتها من قبل.

وفي العام 2012، قامت شركة "أمازون" بشراء أنظمة "كيفا"، وهي شركة عاملة في إنتاج روبوتات المستودعات حيث تنتج روبوتات ذاتية التشغيل لنقل المواد في المستودعات الكبيرة. ولا تزال شركة "أمازون" تجري كذلك اختبارات لاستخدام طائرات من دون طيار في توصيل الشحنات.

سواء كنا سنواجه خطر تلاشي الوظائف في المستقبل أم لا، فإن مستقبل الوظائف والمهارات يواجه بلا شك تحديات جديدة في عصر الابتكار التكنولوجي الهدّام. وتتطلب هذه الاتجاهات اتخاذ إجراءات عاجلة من جانب الحكومات للتوفيق بين الوظائف والمهارات لضمان تحقيق الرخاء الاقتصادي المشترك وإتاحة تكافؤ الفرص للجميع.

 





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً