العدد 4740 - السبت 29 أغسطس 2015م الموافق 15 ذي القعدة 1436هـ

لماذا لا يرى البعض جمال الحياة وروعة الوجود؟

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

ضحك إبليس على سؤال باحث عن حقيقة الوجود، وقال: «سأجيبك...عندما خلق الله الإنسان (آدم)، أخرج قلبه من صدره، ونظر إليه نظرة تجلى فيها جلاله وكماله، وقال له: عبادتك أن تراني في كل شيء».

ثم نظر إبليس في عيني السائل وقال: «أما أنا فهدفي هو أن أحجب قلب الإنسان عن رؤية الله في كل شيء».

فقال السائل: «كيف؟».

فأجاب إبليس: «بالتشدد، فالتشدد ردائي الذي أحجب به قلب الإنسان، فيعجز عن رؤية جمال الحياة وروعة والوجود، وبالتشدد لا يرى الإنسان إلا الوهم، وهم الكرامة، وهم الشرف، وهم العدل، وهم الحق، وهم (الفرقة الناجية)، وهم لا حدود له... وبهذا الوهم يقتل معنى كل فضيلة باسم الفضيلة نفسها».

فلم يفهم السائل، فقال له إبليس سأريك على أرض الواقع ردائي. فحرّك إبليس يده فانكشف مشهد، رجل اسمه سمير جالس أمام موظف البنك، يطلب منه إعادة جدولة القرض، قائلاً: «قد دفعت 70 في المئة من القرض ولم يتبق إلا القليل، وفي الوقت الحالي تم تسريحي من العمل، ولهذا أطلب جدولة القرض حتى أتمكن من تسديده». فرفض موظف البنك، وخاطبه بلهجة متشدّدة: عليك أن تدفع القسط، وإلا حوّلنا القضية إلى القضاء.

فتودّد سمير للموظف، إلا أن الموظف يزداد تشدداً، وزاد من حدة تهديده، وأخذ الأوراق وقدّمها لمحامي البنك ليرفع دعوى قضائية.

ثم حرّك إبليس يده ليكشف عن المشهد الثاني في المحكمة، فإذا سمير يتوسل القاضي قائلاً: «سعادة القاضي، أنا سأدفع للبنك، لكن على البنك أن يتعاون ويعيد جدولة القرض حتى أتمكن من التسديد وفق الظروف التي أعاني منها».

فتشدّد القاضي وقال: «القانون هو قانون ونحن نطبق العدل، ومن لا يلتزم بتسديد ديونه يُعاقب، وبما أن كل الأدلة باعترافك، تثبت أنك لم تلتزم بتسديد المتبقي من القرض، سنحكمك بالسجن 10 سنوات».

ثم حرّك إبليس يده، وكشف عدة مشاهد، ثم خاطب السائل قائلاً: «أرأيت ماذا فعل التشدّد، بالتشدّد خسر البنك أمواله، لأنه بالسجن لن يستطيع سمير دفع المبلغ، ولو جدول البنك القرض لاسترجع أمواله... كما أن القاضي بتشدّده في تطبيق القانون قتل معنى العدل باسم العدل، فحكمه لم يرجع أموال البنك، وتسبّب بمشكلة أخلاقية تتعلق بجوع وتشرّد أبناء سمير، فلم يكن لهم عائل بعد سجن أبيهم».

نظر إبليس إلى عين سمير وقال: «قد ملأتُ حياة البشر بالتشدّد، في السياسة ستجد الصقور يلبسون ردائي، وفي الدين ستجد حرّاس التراث يلبسون ردائي، وفي العلم ستجد صنّاع الدمار يلبسون ردائي، وفي المجتمع ستجد الجهال يلبسون ردائي...».

فقال السائل: «لم أدرك أن التشدّد، يحجب الإنسان عن رؤية الحقيقة، ويُفقده الحكمة والصواب، ويجعله يتخذ سلوكاً هادماً للحياة...غير مستوعب كيف للتشدّد أن يحجب الإنسان عن رؤية الله في كل شيء».

فردّ إبليس: «الله يوجد أينما وُجد الحب والخير والفضيلة والجمال... فإذا رأيت إنساناً يطعم يتيماً فهذه رحمة، والرحمة هي تجلٍّ من تجليات الله، وقس على ذلك في كل إحسان وفضيلة... ولكن الحب، والخير، والفضيلة لا يمكن أن تراهم إذا سكن التشدّد قلبك، فالتشدّد سيحجبك عن رؤيتهم ومن ثم لن ترى تجليات الله».

فقال السائل: «لماذا تخبرني بحقيقة التشدّد، وأنت عدوي؟».

فتبسم إبليس قائلاً: «حتى لو انكشفت لك الحقائق، فإنك ستتبعني إلى حيث ضياعك في ظلمات الجحيم، فحجاب التشدّد لا أحد يستطيع التخلّص منه إلا بقوة الحب الإلهي ومحبة الوجود، ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان، وهذه القوة لا يصلها إلا قليل من البشر، ولهذا لا أخاف من قول الحقيقة لأعدائي».

وختم إبليس بقوله: «الحياة خلقها الله في غاية الجمال، وفيها من السعادة ما يفوق الخيال، وكل من لا يرى هذا الجمال فهو يلبس ردائي (التشدد) وهو لا يعلم، فإذا لم تكن سعيداً فأنت تلبس ردائي، وأتحداك من أن تتمكن من خلعه».

فتوجّه السائل نحو القرية مسرعاً، ليحرّر الناس من رداء إبليس، فشاهد طفلاً يلعب بالكرة، فسقطت الكرة على ورودٍ أمام حديقة منزل فأتلفتها، فخرج صاحب البيت بصراخ، وتشدّد في موقفه وهمّ بضرب الطفل، فجاء والد الطفل، فتشدّد في موقفه، وهمّ بضرب صاحب البيت، فتوجّه السائل لفك النزاع بينهم وهو يقول لهم: «اهدأوا، وكل شيء يُحل بالتفاهم، ولا تتشددوا، فإن التشدد سيحجب عنكم الحكمة، ويفقدكم فعل الصواب...».

فقالوا له: أنت ما دخلك؟ فقام صاحب البيت وضرب السائل صفعةً على وجهه، وقام والد الطفل أيضاً بركل السائل، حتى أغمي عليه.

فتح السائل عينيه، فإذا هو على سرير المستشفى، وبجانبه إبليس يبتسم ويقول له: «هذا عقاب من يحاول محاربة التشدّد ونزع (ردائي)، وهذه المرة حاولت أن تنزع ردائي في علاقات اجتماعية ونجوت، في المرة القادمة إذا حاولت نزع ردائي في السياسة أو الدين فستكون عقوبتك الخيانة والمقاطعة أو القتل... هل فهمت؟».

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 4740 - السبت 29 أغسطس 2015م الموافق 15 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:42 م

      جميل جدا

      مقال جميل جدا، و المفترض أن أوصل الرسالة لنا جميعا كبني آدم أن نتعامل بإنسانية لا كحيوانات مفترسة مع بعضنا..

    • زائر 2 | 12:49 ص

      مقال جميل

      مقال جميل، وواقع التشدد غريب عجيب ليت البشر قادرين على التخلص منه،
      لن اكون متشددا بعد الان :-)

    • زائر 1 | 12:45 ص

      احسنت

      روعة المقال

اقرأ ايضاً