العدد 4740 - السبت 29 أغسطس 2015م الموافق 15 ذي القعدة 1436هـ

مفهوم العنصرية...وكيفية تحسس ممارساتها عملياً

رضي السماك

كاتب بحريني

لطالما ارتبط مفهوم العنصرية والتمييز العنصري بممارسته ضد السود تحديداً، وعلى الأخص في الولايات المتحدة، أو كما كان الحال في ظل النظام العنصري للبيض المدحور في جنوب إفريقيا، بيد أن العنصرية باتت اليوم مفهوماً أوسع من ذلك التعريف الضيّق طبقاً للمواثيق الدولية والثقافة الإنسانية العالمية المعاصرة. وبحسب تعريف الويكيبيديا للتمييز العنصري «فإن التمييز عنصرياً قد يتم ضد أي شخص على أسس إثنية وثقافية وحتى لو لم تكن له صفات جسمانية مميزة، كما تظهر بصورة غير واعية لدى الأشخاص الذين يعلنون التزامهم بقيم التسامح والمساواة «. أما الموسوعة السياسية لعبدالوهاب الكيالي واثنتي عشرة من كبار الباحثين الساسيين العرب فقد جاء من ضمن شروحاتها للعنصرية بأنها تعتبر «غطاء فكرياً وتبريراً علمياً كاذباً للهينمة والاستغلال والاضطهاد كما أنها كثيراً ما تكون وسيلة خداع لتغطية المشاكل الاجتماعية الحقيقية ولشق صفوف المحكومين والمضطهدين وفق سياسة فرّق تسد».

ولأن العنصرية لا تقتصر على العرق أو البشرة بل تنسحب على العقيدة أو الثقافة العنصرية الإقصائية، فبفضل تحالف الدول العربية ودول عدم الانحياز ودول المنظومة الاشتراكية السابقة أصدرت الأمم المتحدة عام 1975 قراراً تاريخياً باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، وهو القرار الذي لم يهدأ لإسرائيل وأميركا بال إلا بعد أن تمكنتا من الحشد له في الأمم المتحدة ليتم إلغائه في مطلع تسعينيات القرن الماضي إثر تعاظم التفكك العربي وانهيار المنظومة الاشتراكية. لكن ثمة فارق بين أن يستوعب المرء مفهوم العنصرية وبين أن يجرّب أن يكون واحداً من ضحاياها ولو لبرهة من الزمن تبعاً للمفاهيم المتقدم ذكرها، بمعنى أن يستوعبها ويتحسس بنفسه ممارستها بحقه بالمعايشة على أرض الواقع، فنحن نفهم جيداً العنصرية ضد السود في أميركا، أو كما كانت في ظل جنوب إفريقيا، أو كما تمارسها إسرائيل بحق مواطينها عرب 48، لكن استيعابنا للمفهوم بعمق ليس كمن مورست عليه العنصرية وذاق وتجرع مراراتها حتى الثمالة.

قبل فترة وجيزة شاهدت فيلماً وثائقياً تحقيقياً عن العنصرية ضد السود في الولايات المتحدة، وحيث تُشاع مقولة بأنهم يُعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، ولما كان يوجد العديد من البيض المتضامنين معهم فقد قرر أحدهم أن يخوض غمار تجربة أن يكون أسود لمدة عام لتلمس الممارسات العنصرية بحق إخوته في المواطنة السود، فعمد إلى صبغ وجهه وأطرافه باللون الأسود بعملية شديدة الاتقان أشبه جراحية حتى بدا للناس تماماً كواحد من السود الأميركيين، وبعد مضي سنة من تجربته المثيرة خلص إلى أن السود في المجتمع الأميركي ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية بل من الدرجة العاشرة. وبناء على المفهوم الواسع لكل أشكال العنصرية الآنف ذكره فإننا وإن أيقنا ممارسات إسرائيل العنصرية الصيونية بحق مواطينها عرب 48، كمواطنين من الدرجة الثانية، فإنك لن تستطيع أن تقنع من يماري في هذه الحقيقة، جهلاً لا مكابرةً، إلا إذا طلبت منه أن يندس في وسط عرب 48 متنكراً كواحد منهم واختلط بالمجتمع اليهودي وتعامل مع مؤسسات إسرائيل الرسمية حينها سيخرج بانطباع بأنهم مواطنون ليسوا من الدرجة الثانية بل وربما العاشرة إذا ما عرفنا بأن هناك درجات من التمييز العنصري ضد فئات أخرى من اليهود السود والسفارديم ناهيك عن طبقاتهم، ويمكنك أن تقيس على ذلك فيما يتعلق بأشكال العنصرية الأخرى بحق أي فئة إثنية أو قومية أو دينية أو طائفية. وجميع هذه الأشكال العنصرية نجد لها ممارسات على أرض الواقع في عدد غير قليل من البلدان العربية والإسلامية التي تحكمها أنظمة استبدادية، سواء أكانت ممارساتها العنصرية إثنية أو قومية أو طائفية أو خلافها.

للأسف، فإن هذه الأنظمة تكابر وتستميت عبثاً في نفي ممارساتها العنصرية لتتجمل أخلاقياً حتى لو كان يعلمها القاصي والداني أو كانت موثقة بالصور والأرقام وأفلام الفيديو لدى أشهر وأكبر المنظمات الحقوقية العالمية المعروفة بنزاهتها وتجردها، بل لا تتعجب إذا ما نفاها مثقفو الأنظمة الشمولية الذين يعلنون التزامهم بقيم التسامح والمساواة على حد تعبير موسوعة «الويكيبيديا» مادامت العنصرية بكل أشكالها، بحسب تعريف موسوعة الكيالي السياسية، «وسيلة خداع لتغطية المشاكل الاجتماعية الحقيقية ولشق صفوف المحكومين والمضطهدين وفق سياسة فرّق تسد»، ومادامت تنتفع منها الأقلام المنافحة بعدم وجودها.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4740 - السبت 29 أغسطس 2015م الموافق 15 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 1:55 ص

      شكراً جزيلاً

      مقالك قمة في الروعة والدقة لوصف العنصرية العصرية وملامحها في جميع أقطار العالم وفي المجتمعات العربية خاصة..

    • زائر 2 | 1:42 ص

      موجود والكيلو بربع

      لدينا متوفر في السوق المحلي والكيلو بربع مجرد ان تكون من طائفة معينة فحرام عليك امور كثيرة هي من حق كل مواطن في كل بلد

اقرأ ايضاً