العدد 4763 - الإثنين 21 سبتمبر 2015م الموافق 07 ذي الحجة 1436هـ

كتب مفقودة... وأخرى ضيعناها!

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

يذكر المؤرخ محمد علي التاجر (ت 1967م) في معرض حديثه عن الشيخ حسن ابن الشيخ محسن البلادي الذي تصدّر للافتاء سنة 1795م (1209هـ) ثم هاجر من البحرين – ضمن أسراب المهاجرين - إلى الهند وقطن في (حيدر آباد) حتى وفاته. يذكر أن لوالده (الشيخ محسن بن سليمان) كتاباً في تاريخ البحرين بعنوان: «الجوهر الغال في تاريخ أوال»، والتاجر ينقل هذه المعلومة شفاهية عن الطبيب الشيخ أحمد الرفاعي الذي كان يملك هذا الكتاب، لكن أحد الأحسائيين استعاره منه ولم يُرجعه! (منتظم الدرين: 1 / 408).

لا نعرف فحوى الكتاب وما تضمنه من معلومات تاريخية قد تمثل - فيما لو تم العثور عليه - كشفًا تاريخيًّا ومعرفيًّا مُهمًّا، لكن الأكيد أن كتاباً في تاريخ البحرين كُتب في القرن الثامن عشر الميلادي لابد أن يحمل في جعبته وبين دفتيه معلومات مثيرة عن ماضي بلدنا، وخصوصاً أن الكتابة التاريخية كحقل علمي مستقل لم تحظَ بالاهتمام لدى النخبة المتعلمة أوالمشتغلين بالتحصيل العلمي – وهم رجال الدين في الغالب - إلا بما له صلة بالعلوم الدينية وأحداث التاريخ الإسلامي، وأولى المحاولات المبكرة في دراسة تاريخ البحرين كانت على يد محمد بن خليفة النبهاني في كتابه (التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية) الذي تناول فيه تاريخ البحرين حتى العام 1922. وهذا ما يدلل على القيمة الكبيرة لكتاب الشيخ محسن البلادي المفقود باعتباره أسبق من كتاب النبهاني بمئة سنة على الأقل.

ومن غير المستبعد أن يكون هذا الكتاب قد آلت ملكيته إلى ذريّة هذا القارئ الأحسائي الجاحد، فكثيرٌ من النفائس المخطوطة ظلت حبيسةً للقماطر وخزائن الكتب ردحاً طويلاً من الزمن إلى أن قيّض الله لها من يُخرجها من العتمة إلى فضاء النور.

فقد ظل كتاب «قلائد النحرين في تاريخ البحرين» للأديب ناصر بن جوهر الخيري (ت 1925) نحو ثمانين عاماً مخطوطاً وتم اعتباره في حكم المفقود، حتى أن الباحث الراحل مبارك الخاطر (ت 2001) بذل جهوداً مضنية في السنوات الأخيرة من حياته في سبيل العثور على النسخة الخطية للكتاب دون أن يسعفه الحظ في الحصول على مبتغاه، وكان الخيري قد كتب مسودة الكتاب وأودعها قبل وفاته عند صديقه (علي بن خليفة الفاضل) خوفاً من وقوعها بيد المستشار بلغريف، وسلّم (الفاضل) هذه المخطوطة إلى صديقه الشاعر خالد الفرج الذي نقلها بعد خروجه من البحرين إلى القطيف ثم إلى الكويت في العام 1928م. والكتاب نشرته مؤسسة «الأيام» للنشر بخط مؤلفه، وصدر بطبعة حديثة ومنضدة محدودة الانتشار عام (2013).

وعلى ذكر المستشار، فلا بأس أن نذكر أن تشارلز بلغريف كان يبدي ولعاً غير عادي بتاريخ البحرين، هذا ما يكشف عنه هو في مذكراته ويومياته، فقد كان يستغل أوقات فراغه في الرسم أو الكتابة التاريخية وتدوين اليوميات، ونراه في (فبراير / شباط من العام 1931) مشغولاً بتدوين معلومات لكتاب له في (تاريخ البحرين)، يقول في اليوميات: «أمضي فيه الكتاب] بشكل جيد، لكن ينبغي عليّ كتابة نسختين منه، واحدة كاملة بكل المعلومات التي حصلت عليها والأخرى صالحة للنشر»! (يوميات بلغريف، ترجمة مركز البحرين لحقوق الإنسان، ص 52). وكان يصرح باستفادته من ذاكرة صديقه ونديمه الوجيه عبدعلي بن رجب. يقول: «في المساء جاء عبدعلي زائراً، فجعلته يتحدث لي عن تاريخ البحرين، وأنا أدون ما يقوله». وتتكرر هذه الجلسات في الأماسي الطويلة، وكان المستشار مفتوناً بأحاديث بن رجب الذي كان الراوية الأنيس لهذا البريطاني صاحب الكلمة النافذة، وعنه كان يقول بلغريف: «كان مدهشاً في كلامه عن أيام زمان البحرين وتجارة العبيد والبنادق الملعلعة والحروب في البحرين، في تلك الأيام كان البحرينيون المعدمون يقضون أوقاتاً صعبة».

ومهما يكن من أمر، فإن بقاء الإرث التاريخي البحريني المخطوط رهيناً للإهمال والتجاهل تُساهم فيه عواملُ عِدّة، أبرزها جهل الأبناء بالقيمة العلميّة لما تركه الآباء والأجداد من تراث ينطوي على أبعاد ثقافية وتاريخية بالغة الأهميّة، ثم هناك «غياب الوعي» شبه التام لدى المؤسسات الرسميّة بأهمية حفظ وإحياء هذا التراث الثقافي جمعاً وحفظاً وتحقيقاً وعرضاً ودراسةً، ناهيك عن ضمور الوعي الاجتماعي لدى عامة الناس تجاه تراثها، بل والتعاطي البارد لدى النخب المثقفة والواعية مع هذا التراث وإيلائه ما يستحقه من اهتمام ورعاية.

ربما تكون المسئولية مضاعفة على عاتق المؤسسات الثقافية الرسمية والأهليّة على حدّ سواء، وعلى رأسها مركز عيسى الثقافي الذي يُفترض به أن يُشكل لُجنة دائمة مهمتها البحث عن هذا التراث المخطوط واستنساخ ما يمكن استنساخه ووضعه تحت يد الباحثين وتصرفهم، فالحاجة ماسة إلى بذل المزيد من الجهود الثقافية في التعريف بتراث البلد الثقافي والعلمي بنحو يوازي الجهود المبذولة من قبل هيئة الثقافة والآثار في اهتمامها بالمعالم الأثرية وإدارة المتاحف في بلدنا.

إن ميراثنا التاريخي من الكتب المخطوطة يعاني مرتين، مرة حين نُحجم عن تقديمه بطريقة محببة للأجيال الشابة، ومرة أخرى حين لا نكلّف أنفسنا عناء البحث عن الضائع منه، وفي كلا الحالين يكون هذا الميراث الإنساني: إما مفقوداً لسنا نكترث لضياعه، أو حاضراً لكن كجثة هامدة لا حياة فيها، وإن كان ميراثاً حيًّا قتلناه بالإهمال والتغافل تاركين لغيرنا من الباحثين الأغراب والمستشرقين مهمة الغوص في ثناياه درساً واستيعاباً.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4763 - الإثنين 21 سبتمبر 2015م الموافق 07 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:03 ص

      اعادة نظر

      تحياتي استاذ وسام المقال دعوة ممتازة . لكننا نعرف ان موضوع التاريخ هو موضوع صراع وحتى اخفاء او التخلص من المخطوطات يأتي ضمن هذا الصراع والتاريخ المكتوب والمطبوع فيه كثير من التزوير والتجيير . اما بالنسبة لكتاب النبهاني فهو مكتوب من وجهة نظر معينة وكتاب الخيري فيه كثير من الحذف وربما النسخة الحقيقة هي اير النسخة المعروفة .المهم هذا موضوع طويل وجدالي . يوسف مكي

اقرأ ايضاً