العدد 4763 - الإثنين 21 سبتمبر 2015م الموافق 07 ذي الحجة 1436هـ

اللاجئون وأوروبا... بين النكبتين الفلسطينية والسورية

رضي السماك

كاتب بحريني

هل كان الضمير الأوروبي والغربي عامةً الذي ظل طوال ما يقرب من سبعة عقود في سبات شتوي عميق بحاجة إلى ظهور ميلان كردي فلسطيني ما بين اللاجئين الفلسطينيين الذين شردتهم اسرائيل في عام النكبة 1948 ليستفيق ولو نصف استفاقة على مأساتهم الانسانية لو قرروا النزوح على قوارب الموت إلى شواطئ أوروبا بدلاً من دول الجوار العربي؟ وهل كانت أوروبا الغربية ستقر بعدئذ حقّاً بعدالة قضية الشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في العودة إلى وطنه الذي شُرّد منه، وفي تقرير المصير وإقامة دولته الوطنية المستقلة، وصولاً إلى بناء موقف اوروبي - غربي ضاغط على اسرائيل لحملها على الانسحاب على الأقل من أراضي القسم الذي خصصته الأمم المتحدة من نصيب الدولة الفلسطينية في قرار التقسيم الذي صدر عن الأمم المتحدة العام 1947؟

أما كان موقف وسطي معتدل كهذا من شأنه أن يختصر رحلة الآلام الطويلة للشعب الفلسطيني ويُجنِّب منطقتنا العربية عامة كل هذه المآسي والكوارث التي ما فتئت تعصف بها من حروب ونزاعات منذ انشاء اسرائيل، وتحولها الى عنصر مزعزع للاستقرار والأمن في المنطقة وزرع بؤر التوتر بفعل دأبهاعلى قمع حركة التحرر الوطني الفلسطينية المشروعة، ناهيك عن نزعاتها العدوانية التوسعية في عالمنا العربي.

وهكذا فإنه إذا كانت أزمة اللاجئين الفلسطينيين هي وليدة التواطؤ الأوروبي الغربي مع الحركة الصهيونية العالمية في دعم هجرة اليهود المنظَمة إلى فلسطين لإحلالهم كشعب جديد محل شعبها العربي الأصلي الذي جرى تشريده وإقامة الدولة العبرية الصهيونية الجديدة بالقوة العسكرية على ترابه الوطني، فإن أزمة اللاجئين السوريين هي وليدة نظام قومي شمولي اتخذ من القضية الفلسطينية شعارًا قوميّاً ديماغوجيّاً يستمد منه الشرعية «الثورية» المزعومة للتهرب من استحقاق الشرعية الدستورية الديمقراطية لشعبه، وما كان لهذا النظام ان يُعمّر كباقي الأنظمة القومية، لولا بقاء القضية الفلسطينية من دون حل طوال هذه الفترة الطويلة. بيدَ أن المطاف انتهى به إلى التسبب في خلق أزمة لاجئين دولية جديدة، لكن من ابناء شعبه هذه المرة، قرباناً لتشبثه الاستبدادي المريض بالسلطة من دون تقديم من جانبه أدنى تنازل جدي نحو حل داخلي توافقي مع شعبه وقواه المعارضة المعتدلة بما ُيجنب بلاده التدخلات الأجنبية وشرور كل هذه المأساة ذات الفصول الكارثية الدامية التي جرت على يده وأيدي الجماعات الأجنبية المسلحة.

وكما تصح تلك التساؤلات الافتراضية عن أحداث تاريخية كبرى، كنكبة 1948، والتي مثّلت مأساة اللاجئين الفلسطينيين احدى تداعياتها التي تسير وفق سيرورة موضوعية مستقلة بعيداً عن السيناريوهات والأماني المفترضة، فإنها تصحُّ أيضاً على مأساة تدفق اللاجئين الحالية الى أوروبا والذين جلهم من سورية، فما أغنى الدول الأوروبية، وخاصة الغربية، عن هذه المشكلة أصلاً لو أنها تبنت منذ بدايات الأزمة السورية سياسات عقلانية رشيدة لا تنساق وراء السياسات الأميركية الغبية المتهورة التي ألقت بكل ثقلها للتدخل المباشر في تلك الأزمة الداخلية البحتة، بما في ذلك مساندة دخول مختلف الجماعات المسلحة الإرهابية الى الأراضي السورية من تركيا تحت عنوان: «دعم المعارضة السورية وحماية الشعب السوري من بطش نظامه المستبد»، وما أفضى إليه كل ذلك من تداعيات وحشية وكوارث رهيبة متواصلة دفع ويدفع الشعب السوري وحده أثمانها الباهظة جدّاً من دمائه ولحمه وتشرده وما لحق عمرانه من خراب مريع شامل.

وإذ لا يلوح في الأفق حلٌّ قريبٌ جذريٌّ لأزمة اللاجئين السوريين في اوروبا، بل هؤلاء سيزدادون وسيبقون فيها ما بقيت القضية السورية بدون حل عادل، تماماً كمأساة اللاجئين الفلسطينيين التي لن تنتهي إلا بحل شامل ودائم للقضية الفلسطينية، فلا مناص إذاً لأوروبا من الإقدام على مراجعة شجاعة لسياساتها الراهنة والاستقلال في مواقفها عن الولايات المتحدة غير المتضررة من مشكلة اللاجئين، ومن ثم الضغط على الأخيرة بالدفع نحو حل نهائي ودائم يأخذ بتلازم المسارين الفلسطيني والسوري في حل مشكلة اللاجئين، وحقهم في العودة إلى بلديهما، وترك الحرية لكلا الشعبين في تقرير مصيره بنفسه بعيداً عن التدخلات الخارجية، وبما يفضي على وجه الخصوص إلى إلزام اسرائيل بالاستجابة إلى قرارات الشرعية الدولية بانسحابها من كل الأراضي المحتلة العام 1967، والاعتراف الكامل بحقوق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وضمان حق العودة لكل اللاجئين إلى وطنهم، والانسحاب من الجولان المحتل، ومن دون ذلك فإن على الشعوب الأوروبية أن تدفع ضريبة لامبالاتها بالسياسات الخارجية الخرقاء لحكوماتها في «الشرق الأوسط» المنساقة خلف السياسات الأميركية، بل وأن تتوقع تفاقم خطر أزمات الإرهاب واللاجئين معاً ليس في المنطقة العربية فحسب، بل وامتداده إلى عقر دارها مادامت تصر على التمسك بسياساتها التقليدية الأنانية التي تخدم في المقام الأول مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية ومصالح حلفائها العرب في المنطقة حتى لو كان ذلك على حساب مصالح واستقرار الشعوب الأوروبية والعربية معاً.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4763 - الإثنين 21 سبتمبر 2015م الموافق 07 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً