العدد 4771 - الثلثاء 29 سبتمبر 2015م الموافق 15 ذي الحجة 1436هـ

مؤدى المركزية السياسية واختزالها في جماعة

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

حينما ننادي بالدولة المدنية الحديثة، القائمة على التعدد، العرقي والديني والثقافي، والمتوحد في الإنسانية والمواطنة، المنسجم بالكرامة والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، ومبدأ أن الدين لله والوطن لمواطنيه، فإنما نخشى، من دونها وخلافها، على المجتمع، من تبعات حالة محتملة، بقدر ما نأمل الاستحاطة بحالة مبتغاة.

الحالة الأولى، هي إطالة أمد المرحلة القائمة على مركزية القرار، في أيدي الأفراد، واستمرارها على هذا المنوال، ومن ثم توارثها، مهما كانت الأصول والأعراق أو الدين، أو حتى العلم والخبرة والنجاحات، بما يتوهمه البعض من الجاهلين، ويستميت من أجله البعض من المستفيدين، ويتماهى معه البعض من المغرضين، للاعتقاد والتعميم بجدوى النظام السياسي القائم على هذه القاعدة الحكمية، لتحقيق الاستقرار المجتمعي، فيطيلوا أمدها بالسرمدية.

إلا أن واقع الحال، ما لم يكن الحكم، شراكة بين مكونات المجتمع، يساهم الجميع في تشكيل سلطات الدولة، بحكم الكفاءة المنتجة، لأمن الوطن والمواطنين وخدمتهم جميعاً، على قدم المساواة، دون تمييز وتفرقة وطائفية، عرقية أو دينية أو مذهبية، وكذلك بناء سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومؤسساتها السيادية، ومؤسساتها الإستراتيجية والتخطيطية، في المجالات المالية والاقتصادية والاستثمارية، وتلك الخدمية أيضاً، مالم تقم على التأسيس والتخصيص بمواطنيها ولهم، والعطاء لجميعهم متساوين، دون الغير، فإن المآل المستقبلي، القريب أو المتوسط أو البعيد، (سيكون التغيير لا محالة).

ذلك التغيير حين يكون مفاجئاً، سيدفع المجتمع بجميع أطيافه، قبله قريباً أو بعيداً، وفي حينه، كُلَفه غالياً، لتطال الكُلَف البشرية والمادية، في بناه التحتية والفوقية، التي ستُهْدَر في صراعات وسرقات الأفراد، الذين تفرزهم عادة مرحلة الحكم المركزية، مهما كانت حسناتها الظاهرية فيما سبق، ففي مثل هذه الحالات، مما تجلى في دول معروفة للقاصي والداني، والمعني والمهتم، وهي من النتائج الطبيعية لمثل تلك الحالات، أن تنشأ في المجتمع جماعات وأفراد طفيليون، يقتاتون على تفقير الآخرين، حتى في دمائهم، قبل إنسانيتهم ومواطنتهم وحقوقهم وقوت يومهم.

وذلك نتيجة انفراط دور مؤسسات الدولة الحقيقي وتحللها، ليغدو المجتمع في عموميته، مُداراً بالفوضى الصراعية، بين أقطاب الأفراد من السلطات المنحلة، ومن النازعين من الأفراد لتولي سلطات الدولة، الذين ستراهم قادمين من أقبيتهم الدينية والمذهبية ومن سرادقهم السياسية، على أفراس التضليل المعلوماتي، والسياسي والحقوقي، بنهج العنف والحرب والبطش والتنكيل، من أجل الانفراد بمقدرات الدولة، دوناً عن القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والأفراد، العاملين على الإسهام في بناء الدولة المدنية الحديثة، لإقامة دولة المساواة والاستقرار.

الحالة الثانية: أن يخطط أفراد النخبة الحكمية المركزية، لمرحلة انتقالية للدولة المدنية الحديثة، من أجل تطوير أداء الدولة، القضائي والحقوقي والتشريعي والتنفيذي، وتطوير القوانين، والإجراءات والمعاملات التنفيذية، وتدريب أفراد سلطات ومؤسسات الدولة المختلفة، وتوطينهم على حسن أداء مهامهم وواجباتهم الوظيفية، واستبدال بعض المسئولين والقيادات، المستعصين على التحول المدني الديمقراطي، بمواطنين آخرين قادرين أن يكونوا قدوة للآخرين، في تطبيق معايير الدولة المدنية الحديثة، وأهمها المواطنة المتساوية، وتكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون، وفي الحقوق والواجبات، وفي القدرة على التثقيف والتدريب، لمن هم أدنى منهم مرتبة وظيفية، بما يقود الأفراد الى الاقتراب، من عقلية العيش الآمن، والاحترام المتبادل مع الآخر، في مجتمع متعدد الأصول والأعراق، والأديان والمذاهب، بما يجمع الأفراد في الصفة المواطنية.

ومن أجل الارتقاء بالمجتمع وأفراده، في المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، لقبول مبدأ تداول السلطة من خلال تداول المسئولية الوظيفية، عبر الترقي والتنقلات، من موقع الى آخر، وتغيير الوزراء بما لا يطول على الفصل التشريعي الواحد، إلا ما ندر من أجل الخدمة العامة الضرورية، ولا يتعدى ذلك مدة الفصلين التشريعيين، وعدم تدخل الدولة أو سلطاتها أو مؤسساتها أو أفرادها، في شئون مؤسسات المجتمع المدني، وقبول مخرجات صناديق الاقتراع بما يتيح تداول مجالس إداراتها، ودعمها مادياً ولوجستياً، وتوفير المقرات المناسبة لعملها، وإلزام وتسخير إدارات مؤسسات الدولة للتعاطي الإيجابي مع مؤسسات المجتمع المدني وخاصة السياسية والحقوقية منها، بما يدعم استقلاليتها وأداء دورها في خدمة المجتمع.

والبدء في علاقة التكامل، بالتشاور وإعداد الدراسات والبحوث والاستبيانات، والاستعانة بالمختصين كلاً في مجاله، بين المؤسسات التشريعية والحكومية والقضائية من جهة، وبين مؤسسات المجتمع المدني، المختصة كلاً في شأنها.

هذه الحالة المرتجاة، تحتاج الشفافية في القرارات، وإعلان مواعيد الاستحقاقات، وقبول النقد وحرية التعبير الفردي والجماعي والتظاهر، وقبله الشروع الرسمي من قبل الدولة، في فتح باب الحوار المجتمعي، بينها ممثلة بالحكم والحكومة وقوى المجتمع الموالية لها، وبين القوى السياسية المعارضة، دون إقصاء أي طرف بدعوى عدم تسجيله الرسمي، فالتسجيل لاحق على الحوار.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 4771 - الثلثاء 29 سبتمبر 2015م الموافق 15 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 10:26 ص

      الدولة المدنية الحديثة والديمقراطية كباقي دول العالم

      أساسها الأحزاب السياسية المدنية التي تقبل جميع المواطنين في عضويتها بعض النظر عن العرق أو القبيلة أو المذهب وهذا بداية الحل

    • زائر 5 | 4:53 ص

      المشكله الكبرى

      في البعض يتشدق ويتفلسف ويقول دولة المؤسسات والقانون بس تعال نشوف التطبيق على ارض الواقع ....

    • زائر 4 | 4:15 ص

      بعض المواطنين

      المشكلة أن بعض المواطنين لم يتسنى له معرفة والاقتناع بالدولة المدنية التي لا تميز بين مواطن واخر بالخصوص ف المناصب الحساسة فتراهه يرفض تلك الفكرة كل الرفض معللا بانها مفسدة للدولة الحالية.

    • زائر 3 | 1:48 ص

      تؤذن في خرابة

      لا يمنع التذكير ولا يمنع المحاولة بطرق السلمية لانتزاع الحقوق والمشاركة في القرار لن يمر زمن طويل كما مر حاليا ان تكون هناك دول تقود مواطنيها او رعاياها بالنار والحديد عدد هذه الدول قليل سيأتي الدور عليها من قبل حماتها وقبل فوات الأوان حان وقت الترتيب

    • زائر 2 | 1:31 ص

      أرى أن الدول الخليجية بعيدة كل البعد عن الدولة المدنية

      أي دولة مدنية ونحن ابسط الحقوق اصبحت بالنسبة لنا حلما صعب المنال

    • زائر 1 | 1:14 ص

      الوطن نحن ونحن الوطن وغير بلا وطن

      منطق قديم حديث يتمثل في اختزال فئات معينة للوطن فهم خلق الله المختار والوطن خلق من اجلهم ولا حق لاحد في ارض الوطن ولا خيراته الا من فضيلهم

اقرأ ايضاً