العدد 4803 - السبت 31 أكتوبر 2015م الموافق 17 محرم 1437هـ

الشريعة الأخلاقية بين الصورة والمعنى

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

الشريعة الأخلاقية هي جوهر الإنسانية، والحاكمة على سلوك الإنسان، وهي التي تعطي الشرعية لنوايا وأفعال وأقوال الإنسان، فهي فطرة الله التي فطر الناس عليها، ولا شرعية لأي فعل أو قول يتعارض مع فطرة الله.

وجميع البشر سواء كانوا متدينين أو ملحدين يتفقون على الشريعة الأخلاقية، من حيث المعنى والجوهر؛ لأن الجوهر ثابت، لكنهم يختلفون من حيث الصورة والشكل، إذ الصورة متغيرة وتغيرها خاضع للزمان والمكان.

فمثلاً، احترام الوالدين، قبل ألف سنة في البلاد الصحراوية، من بر الوالدين يقوم الابن برش أرضية غرفتهما بالماء حتى تبرد. هنا المعنى الأخلاقي هو بر الوالدين، أم الشكل هو رش الماء في غرفتهما.

لكن الآن في عصرنا، يعتبر رش الماء في غرفة الوالدين، من العقوق، تخيل ابنك يرش الماء البارد على سريرك كل يوم؟! ماذا سيكون حكمك عليه، ستعتبره مجرماً عاقّاً، وذلك أن في زماننا هناك «مكيف»، والبِرُّ، هو أن يقوم الابن بتشغيل «المكيف» حتى تبرد الغرفة. فالمعنى الأخلاقي هو «بر الوالدين»، أما الصورة هي «تشغيل المكيف».

فالمعنى ثابت سواء كان في عصرنا أم في العصور الماضية أو المستقبلية، فمعنى بِرّ الوالدين جوهر ثابت، لكن صورة بر الوالدين هي شكل متغير خاضع لتغيرات الزمان والمكان.

حتى في عصرنا الشكل مختلف، الابن عندما يشغل المكيف في غرفة والديه في فصل الصيف الحار، يعتبر من البر، لكن تشغيل المكيف في شتاء شديد البرودة يعتبر من العقوق.

مثال آخر، في زمان يموت الناس فيه من الجوع، يعتبر عمل الإنسان في مزرعة مقابل الغذاء بدون أجر (بدون نقود)، عملاً إنسانيّاً، بل يعتبر من عمل الخير تشجيع أصحاب المزارع على ضم أكبر عدد ممكن للعمل فيها مقابل الغذاء، وذلك للحفاظ على حياتهم.

فالمعنى الأخلاقي هنا هو «حفظ حياة الإنسان وكرامته من ذل الجوع والموت»، أما الصورة الأخلاقية: فهي «توظيف الفرد مقابل الغذاء».

لكن في عصرنا، وفق ظروف الزمان والمكان الذي نعيشه، يعتبر تشغيل إنسان مقابل الغذاء جريمة ضد الإنسانية. تخيل أن صاحب العمل يوقف راتبك الشهري، ويعطيك بدله كيساً من الرز والسكر، هنا أنت ستصف صاحب العمل بالظلم وستعتبر ذلك إهانة لكرامتك.

في عصرنا، الصورة الأخلاقية هي «إعطاء العامل نقوداً كأجر شهري»، أما إعطاؤه غذاء مقابل العمل، فيعتبر استغلالاً مخالفاً للأخلاق.

ومشكلة مجتمعاتنا أنهم ينظرون إلى من عاشوا في الزمان الماضي وفق معايير الزمان الحاضر، وهو ما يؤدي إلى فهم ناقص وأحكام تفتقر إلى الصحة، أو يتشبثون بالصورة، ويعتبرون الصورة هي المعنى والجوهر.

مشكلتنا في الصورة، وليس في المعنى، وتصبح المشكلة أكثر تعقيداً حينما تتعلق الصورة بمسائل أو مواقف في السياسة والدين، والفكر الذكوري القبلي.

معنى وجوهر الأخلاق ثابت منذ خلق الإنسان حتى اليوم، لكن الصورة والشكل متغير، ومجتمعاتنا بحاجة إلى إعادة النظر في المنظومة الأخلاقية التي تتحكم بسلوكه من حيث «الصورة والشكل»، وعليه أن يتأكد هل هي تعكس المعنى والجوهر أو تخالفه وفق معطيات الزمان الحاضر وليس الزمان الماضي.

وإذا لم يتم تصحيح شوائب الصورة والشكل في المنظومة الأخلاقية وفق معايير الزمن الحاضر، فستكون مجتمعاتنا تسير في طريق يبعدها عن الحياة والسعادة، وفي مسار يبعدها عن المسيرة الإنسانية الهادفة إلى بناء مجتمعات قائمة على الخير والنور والفضيلة.

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 4803 - السبت 31 أكتوبر 2015م الموافق 17 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 9:33 ص

      وهل هذا ينطبق على حجاب المراة؟

      هل يمكن اعتبار تحرر المرأة وخلع الحجاب جزء من تغير شكل الحكم

    • زائر 1 | 7:58 ص

      الثابت والمتحول

      الخير والنور والفضيلة كجوهر انساني لنية العمل او الفعل او القول لايعد امرا ثابتا بل متحولا من ناحية الشكل والمصداق والمسألة هو في شرعنة التنوع بداعي تغير الزمان

اقرأ ايضاً