العدد 4805 - الإثنين 02 نوفمبر 2015م الموافق 19 محرم 1437هـ

أعلام في التسامح والسلام... مجلّة «التسامح» العُمانيّة

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

يقترب العالم رويداً رويداً من الاحتفال السنوي باليوم العالمي للتَّسامح (16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015)، وذلك على وقع الحروب والانتشار المتزايد لظاهرة التطرف المذهبي والديني والعرقي. وحريٌّ بنا أن نتذكّر بعض توصيات إعلان اليونسكو لهذا اليوم العالمي؛ إذ احتوى حزمة من الاقتراحات لترسيخ مبدأ التسامح في العالم، من أهمّها الضخُّ الإعلاميُّ نحو تعزيز مبادئ التسامح والاعتدال والعيش المشترك.

ولئن كان لبعض الدول الغربية قصبُ السبق في هذا الضخّ الإعلامي من أجل نشر قيم التسامح والحوار مع الآخر ونبذ العنف، فإنّ بعض الدول العربية قد ساهمت منذ مطلع القرن الواحد والعشرين في إصدار مجلات وإنشاء منابر إعلامية ورقية وإلكترونية تعمل في سياق نشر ثقافة التسامح والعيش المشترك وتأصيلهما. ولعلّ مجلّة «التسامح» العمانية، من أبرز الأمثلة على ذلك.

شرعت مجلة «التسامح»، التي تُصدرها وزارة الأوقاف والشئون الدينية في سلطنة عمان، في الظهور في شتاء 2003، وهي فصلية، فكرية، إسلامية، تسعى إلى تكريس خطاب إسلامي متوازن؛ فقد جاء في المقال الافتتاحي من عددها الأول توضيحاً للضرورات الدافعة نحو هذا الخطاب الجديد؛ إذْ يقول مستشار التحرير خليل الشيخ في الافتتاحية: «إن أبرز الدوافع لصدور التسامح تتمثل في قناعتنا بأن الفكر الإسلامي يحتاج إلى مزيد من المنابر الفكرية الراقية، التي تصنع مساحة حرَّة للكتابة الجادة، البعيدة عن التجريح والابتذال والإسفاف، وتسهم في ترسيخ الوعي الفكري لدى القارئ، وتعيد الأمل إلى المسار الحضاري لهذه الأمة الذي غدا مسكوناً باليأس والإحباط، وتسهم في إزالة العوائق التي تكبل الفكر، وتعطل الاجتهاد، بعيداً عن الخطاب الحماسيّ وبلاغته وما يتحلّى به من وثوقيّة قاطعة».

وتشدك مجلة «تسامح» شكلاً بروعة غلافها وجودة طباعتها ورقيّاً وجمال تصميمها إلكترونيّاً، ومضمونًا بتعدّد مواضيعها الفكرية وراهنيّتها وتجدّدها؛ حيث لم تسلم أركانها من التغيير، فقد توزعت موضوعاتها في عددها الأول بين سبعة أقسام رئيسية ثم عرفت تطورا في أركانها باستبدال ركن بآخر أو إضافة ركن أو حذف آخر حتى استقرت مع العدد الثالث عشر على ما يأتي: الافتتاحية «حديث التسامح»، المحور الرئيس للعدد، فركن الدراسات، ثم ركن وجهات نظر، فآفاق، ومدن وثقافات، وأخيرا الإسلام والعالم.

كما تجذب القارئ المتخصص من خلال كوكبة الكتاب الذين تنشر لهم أعمالهم الفكرية، وهم نخبة متنورة من الأكاديميين العرب تتسم كتاباتهم بالعمق والانفتاح ومحاولات استيعاب الآخر (المسلم) المختلف.

ومن هؤلاء الكتّاب حسن حنفي ومحمد عمارة ورضوان السيد ومحمد الحداد وجابر عصفور، وهاشم صالح ومحمد أركون، وبعض المستشرقين مثل ويلفرد مادلونغ، وغيرهم، إضافة إلى مقالات وحوارات مترجمة لكتاب غربيين.

ومن عناوين المحاور التي وقع تدارسها في أعداد المجلّة: التسامح، والحوار، والفكر السياسي، واللغة، والأخلاق، والمجتمع المدني، والإصلاح، والحرية، والمواطنة، والعقل، والدين والدنيا، والأصولية، والقبيلة والإثنية، والشرعية، والقانون.

وفي تطور لافت غير مفاجئ لمجلة «التسامح»، توقّف صدورها بعنوان «التسامح» لتتحوّل إلى «التفاهم»؛ فقد طرحت هيئة التحرير عددها الحادي والثلاثين تحت اسم التفاهم، من دون تغيير في سياساتها التحريرية، وقال رئيس التحرير عبدالرحمن السالمي في افتتاحية العدد «عندما نشأت مجلة التسامح، في مطلع القرن الحادي والعشرين، كان للأخذ بهذا المصطلح اعتباران: اعتبار الاختلاف بين المسلمين، وضرورة تجاوز تلك الخلافات إلى رحابة الإسلام، واعتبار العلاقات الجديدة بين الإسلام والديانات الأخرى، وبخاصة الأديان الإبراهيمية في شتى مذاهبها ومدارسها».

وأضاف «رأينا بعد عقد من العمل والنقاش أن نتقدم خطوة أخرى على درب التعارف القرآني الواسع والعميق، بالمصير إلى تسمية المجلة في المرحلة التطويرية الجديدة بـ «التفاهم»، ولا يعني ذلك أن الخلافات انتهت، بين المذاهب الفكرية أو بين الأديان، لكن هذا التغيير يعني أنّ للحوار والنقاش هدفا واضحا تماما وهو الوصول إلى التفاهم أو اللقاء على قواسم مشتركة نعمل على تأكيدها وتعظيمها».

وهكذا فإنّ مجلة «التسامح» / «التفاهم» سعت ومازالت إلى ترسيخ خطاب إسلاميّ قوامه التسامح والتفاهم وحق الاختلاف وتعددية وجهات النظر مع احترام الآخر في مذهبه أو دينه أو عرقه. كما تعمل المجلة جاهدة على إعادة الاعتبار للاجتهاد من أجل تجديد الفقه والفكر الإسلامي في مواجهة العصر ومتغيراته، لعلّها بذلك تعالج مواطن الخلل التي أدّت إلى انزلاق الخطاب الإسلامي إلى تحليل سفك الدماء وقتل الأبرياء وترهيب الآمنين وتشريدهم.

إنّ هذه المجلة تجسّد طرحا فكريا مستنيرا بعيدا عن التعصب نحن في أمسّ الحاجة إليه. لكن ما قد يؤخذ على هذه المجلة هو توجّه كتاباتها نحو نخبة فكرية ما يجعل أثرها محدودا في أوساط الشباب وعامة الناس المتأثرين بالخطاب المتعصب الإقصائي الذي تنشره الفضائيات هنا وهناك.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4805 - الإثنين 02 نوفمبر 2015م الموافق 19 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 6:03 ص

      التسامح العمانية

      مجلة ممتازة قرأت منها نماذج

    • زائر 1 | 11:29 م

      نقد سليم 100%

      إنّ هذه المجلة تجسّد طرحا فكريا مستنيرا بعيدا عن التعصب نحن في أمسّ الحاجة إليه. لكن ما قد يؤخذ على هذه المجلة هو توجّه كتاباتها نحو نخبة فكرية ما يجعل أثرها محدودا في أوساط الشباب وعامة الناس المتأثرين بالخطاب المتعصب الإقصائي الذي تنشره الفضائيات هنا وهناك.

اقرأ ايضاً