العدد 4829 - الخميس 26 نوفمبر 2015م الموافق 13 صفر 1437هـ

الخوف مصنع الفشل

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

يقول شمس التبريزي معبراً عن بعض حالات الخوف: «رأيتُ حشوداً من الناس في ذعرٍ وهلع. تقدمت... خوَّفوني. قالوا: حذَارِ ففي الداخل تنينٌ يستطيع أن يجعل العالم كله لقمةً واحدة. لم أُعِر الأمر أهمية، تقدمتُ أكثر. رأيتُ باباً حديدياً ضخماً مغلقاً. قال أحدهم: هنا التنين ذو الرؤوس السبعة، فلا تَحُمْ حول الباب. اندفعت، كسرتُ القفل ودخلت. رأيتُ دودةً صغيرةً سحقتها تحت قدمي، وخرجت»!

في كثير من الأحيان يكون الخوف غير مبرر، يجعلنا نتوقف عند كثيرٍ من الخطوط الحمراء التي نصنعها بأيدينا لأننا لا نستطيع معرفة الآخر: شيئاً أو شخصاً أو شعوراً كان. وفيما نُوهم أنفسنا أننا نحاول التقدم، نجد هذه الحواجز تأخذنا إلى الوراء من غير أن نعي إلى أين تتجه خطواتنا. وكما قيل سابقاً: «الإنسان عدو ما يجهل»، فإن ما يجهله يخيفه بقدر ما يعاديه، حتى وإن كان هذا العدو مجرد وهمٍ صنعه غيره وصدقه.

الخوف حالةٌ ذهنية، متى ما استقرت في وجدان الشخص فإنها تسيطر على عقله فلا يقوى على الحركة أو التفكير إلا بها ومن خلالها، وكأنها مرآة لكل ما سيقوم به أي منا.

يجعلنا الخوف نتوقف عن التفكير فيما وراء هذا الشعور ولا يمكننا بوجوده أن نتخيل شكل الحياة من غير مما نخافه، فكم من شخصٍ توقف عن التقدم لأي وظيفةٍ بسبب خوفه من المواجهة؟ وكم من دولةٍ بقيت قابعة في مستواها الاقتصادي لخوفها من مواجهة دولٍ كبرى تسيطر على العالم؟ وكم من مؤسسةٍ صغيرةٍ بقيت كذلك لأنها تخشى المنافسة مع من يسيطرون على السوق في نفس مجالها؟ وكم من كاتبٍ خبأ كثيراً من كتبه لعقود؛ لأنه يخاف الفشل ويخاف أن ترى كتاباته النور فيما يتكلم الإعلام عن فلان وفلان من المشهورين في نفس مجال كتابته، فيخسر جهده وماله واسمه؟ وكم من شعوب بقيت مضطهدة لخوفها من مواجهة أنظمتها بعد أن سمعت وقرأت ما تقوم به هذه الأنظمة ضد كل من يخالفها؟

والخوف عدوٌ وبائي؛ إذ من الممكن أن ينتشر في نفس الوسط إن شعر به أحدهم واستعمله وهو ما نجده جلياً في عالم الطفولة. فطرة الطفل ألا يخاف، ولكن ما إن يرى والديه يخشيان شيئاً حتى يبدأ لا شعورياً بتقليدهما، وما إن يعبر أحد أقرانه عن خوفه من أمر ما حتى ينتقل إليه هذا الخوف، وهو ما تذكره كثير من القصص التراثية والتجارب العلمية حول الإنسان والحيوان فبدأت السينما تأخذه كموضوع أساسي في قصصها وتبني عليه أفلاماً كاملة كفيلم «العدوى» الذي أنتجته هوليود.

من المهم ألا نربي أطفالنا على الخوف؛ كي لا يكرروا أخطاءنا، ومن المهم قبل هذا أن نحاول التخلص من عقدنا ومخاوفنا كي نستطيع تربية أجيال قادرة على تغيير ما لم نستطع تغييره، فمن يتصرف بدافع الخوف يظل خائفاً، ومن يتصرف بدافع الثقة يتطور كما يقول السينمائي الألماني روجر فريتس.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4829 - الخميس 26 نوفمبر 2015م الموافق 13 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:59 ص

      من كلام الامام علي عليه السلام

      وقال عليه السلام: إِذَا هِبْتَ أَمْراً خفت منه.">(1)فَقَعْ فِيهِ، فَإِنَّ شِدَّةَ تَوَقِّيهِ (2) أَعْظَمُ مِمَّا تَخَافُ مِنْهُ.
      1- هِبْت أمراً: خفت منه.
      2- تَوَقّيه: الاحتراز منه.

    • زائر 2 | 10:50 م

      عبد علي البصري

      اذا خفت من شيئ فدخل فيه

    • زائر 1 | 10:02 م

      جميل

      الخوف امر وهمي أصلا

اقرأ ايضاً