العدد 4833 - الإثنين 30 نوفمبر 2015م الموافق 17 صفر 1437هـ

البحث في التاريخ المحلي وقضاياه

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

صدرت حديثاً خمسة كتب عن مركز أوال للدراسات والتوثيق ضمن السلسلة التي يصدرها المركز في بيروت تحت عنوان «أبحاث في تاريخ البحرين»، والكتب الخمسة توزعت بين رسائل علمية، وأبحاث وأعمال تحقيق لمصنفات تراثية.

والحدث بحد ذاته يشير إلى ظاهرة ثقافية أخذت تبرز بإلحاح غير مسبوق في المشهد الثقافي البحريني، وهي تزايد وتيرة حركة التأليف في حقل الدراسات التاريخية، و»توطين» البحث في تاريخ البحرين بعد أن ظل ردحاً من الزمن حقلاً علمياً يُغري الباحثين العرب والأجانب فحسب.

إننا نشهد تنامياً كمياً ونوعياً للأنشطة الثقافية التي تتخذ من قضايا التاريخ البحريني محوراً لبرامجها وفعالياتها، ولعل جمعية تاريخ وآثار البحرين من أبرز وأنجح مؤسسات المجتمع المدني اهتماماً بالمسائل التاريخية وللدكتور عيسى أمين دورٌ رائع جداً في قيادة نشاط الجمعية، وللجمعية موسمٌ ثقافيٌّ سنويّ يُحاول قدر الإمكان أن يستضيف ضمن فعالياته الباحثين والمهتمين للمشاركة في إلقاء محاضرات ثقافية وتاريخية متنوعة، ولقد أخذت الكثير من الأندية الرياضة والثقافية تتنافس في هذا المضمار.

كما وللصحافة المحلية دورُ كبير في نشر الكثير من المقالات والدراسات، وتظهر في هذا الإطار مقالات خليل المريخي، وحسين محمد حسين، ومحمد حميد السلمان، ومهدي عبدالله، وتقي محمد البحارنة وآخرين، بينما يفضل بعض الباحثين والمهتمين أن ينشر ما يكتبه في وسائل التواصل الاجتماعية، وهنا تظهر جهود نخبة واعدة من النشطاء الشباب في هذا الصعيد وهم كثر.

غير أن ما يُلاحظ إجمالاً على المشهد الثقافي المحلي فيما يتعلق بالتعاطي مع حقل التاريخ، وهو حقل جديد كلياً على البحرينيين بالمناسبة، جملة من الأمور بالإمكان إيجاز بعضها في التالي:

- بروز الهاوي في مقابل المتخصص: إذ يلاحظ بروز طبقة كبيرة من المهتمين الهواة بمتابعة ودراسة القضايا التاريخية وهذا أمر إيجابي بحد ذاته، لأن «الهاوي» اليوم قد يتحول إلى «متخصص» غداً إن أحسن استغلال مواهبه وأبدى الجديّة الكاملة في تنظيم معارفه وأثبت كفاءته العلمية في إعداد البحوث والدراسات وأتيحت له الفرصة للمشاركة بشكل فعلي في النقاشات والأنشطة الثقافية والتاريخية التي تجري بين الحين والآخر.

- الفردية في مقابل العمل المؤسسي: لعل أكبر المشاكل التي تحدّ من تعميق وتطور تجربة البحث التاريخي في البحرين هي «سيادة الروح الفردية» في العمل البحثي التاريخي، وغياب مظاهر العمل كفريق عمل جماعي، ولدينا تجربتان ماثلتان تستحقان الإشادة: الأولى تبنتها جمعية العاصمة للثقافة الإسلامية التي أصدرت حتى الآن خمسة أجزاء من الموسوعة المصورة لتوثيق الحياة العمرانية والاجتماعية لمدينة المنامة «ملامح»، أما التجربة الثانية فتتمثل في الكتاب المأمول صدوره قريباً حول قرية النويدرات بإشراف الدكتور عبدعلي محمد حسن الذي تم إعداده من قبل مجموعة من الباحثين المتخصصين في تاريخ القرية. وهذه تجارب ناجحة يمكن الاستفادة منها واتخاذها نموذجاً لما يجب أن يكون عليه العمل الجماعي القائم على رؤية المؤسسة، وبالطبع أنا لستُ من دعاة التخلص من المؤلف، فهناك باحثون على جانب كبير من الكفاءة والمقدرة على إنتاج أعمال علمية متميزة وناجحة، والإبداع بطبيعته فردي، لكنني أؤكد على ضرورة إشراك الشباب المهتمين بقضايا التاريخ في فرق عمل بحثية تُذلل لهم المصاعب وتأخذ بيدهم في هذا الطريق وتعطيهم خلاصة تجارب من سبقوهم من مضمار البحث التاريخي، وبذلك نحصل على نتائج إيجابية وسريعة.

- الانكفاء في مقابل التواصل والانفتاح: ويتضح في عزوف الباحثين الجادين في القضايا التاريخية عن الإعلام والحضور المباشر في قلب المشهد الثقافي المحلي، وهذا «الاحتجاب الاختياري» للباحث المتخصص يفتح المجال واسعاً أمام تداول وانتشار ثقافة تاريخية «شعبية» لا تتوفر على الشروط والدقة المطلوبة في مسائل حساسة كمسائل التاريخ.

- طغيان الاهتمامات التراثية والفلكلورية على حساب دراسة وتحليل الأحداث والمراحل التاريخية؛ فقد برز لدينا باحثون ومهتمون كثر في مجالات دراسة التراث الشعبي في حين ظل مجال البحث التاريخي يعاني الإهمال والنقص والضعف والترهل، وبقي عدد الباحثين دون المستوى المطلوب.

إن ضعف البحث التاريخي في البحرين يعود إلى أسباب يمكن إجمال بعضها في النقاط التالية:

الأول: غياب التراكم المعرفي للأبحاث الأكاديمية، وهذه مهمة تقوم بها الجامعات الوطنية في كل بلد يتعامل بتقدير وإجلال لتاريخه، أما في البحرين فهناك نقص فادح وغير مبرر بل ومعيب جداً لهذا التراكم المعرفي، فالموضوع التاريخي لا يشكل هاجساً فعلياً لجامعة البحرين ولا لغيرها من الجامعات الوطنية الخاصة، في حين كان يمكن أن يشكل «تاريخ البحرين» بكل مراحله موضوعاً دراسيّاً وحقلاً أثيراً للبحث على مستوى رسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه، وهو ما لا يحدث مع شديد الأسف.

الثاني: غياب المؤسسات الرسميّة والأهلية التي ترعى الطاقات والكوادر الشبابية التي لديها ميل وحب للتاريخ وتملك القدرة والاستعداد والرغبة للتخصص والكتابة فيه، ناهيك عن غياب التحفيز المادي والمعنوي للأعمال البحثية المتميزة والغياب التام للمسابقات البحثية في مسائل التاريخ وقضايا المجتمع.

إن غياب هذه المؤسسات يعني حرمان أفواج شبابية من الباحثين والمهتمين من التدريب والتأهيل المناسب الكفيل بصقل مهاراتهم في مجالات البحث العلمي عامةً والبحث التاريخي بشكل خاص.

الثالث: ضعف التواصل المباشر بين الباحثين والمهتمين بالتاريخ يساهم في خلق حالة من السلبية وإنعدام الثقة، فمن المعروف أن الجلسات المنتظمة التي تجمع المتخصصين عادةً تؤجج الحماس وتفتح آفاقاً جديدة للتفكير في قراءة ودراسة وبحث الكثير من الكتب والموضوعات المشتركة أمام الباحثين، إن التواصل المباشر والمتواصل للمهتمين يمنح فرصاً مثلى لمعرفة الأعمال البحثية التي تجري كتابتها وهذا ما يساعد على تلافي إعادة تكرار الاشتغال في الموضوع الواحد، أو على الأقل يساعد على توحيد وتنسيق الجهود وتكاملها، بدل أن تواجه المشاريع البحثية التعثر وعدم الاكتمال وبالتالي تموت الكثير من الأفكار قبل أن يكتب لها الذيوع.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4833 - الإثنين 30 نوفمبر 2015م الموافق 17 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 8:02 ص

      بوركت وسام

      نأمل من جميع رواد التاريخ و التراث توحيد جهودهم لحفظ ما بقي بدل تناثرها في كل اتجاه في مجمع أو مركز واحد يكون منبع نشط لارتيادها لأجيالنا المقبلة ..
      دام الله جهودكم المتميزة أستاذي

    • زائر 8 | 7:23 ص

      ...

      احسنت عزيزي على الموضوع .. كنت ومازلت من المهتمين في المواضيع التاريخيه حتى انه في فتره اختيار التخصص الجامعي قبل 6 سنوات كنت ابحث عن التخصص يعلمني المزيد من تاريخ البحرين او التنقيب ولكن لم اجد هذا التخصص الا خارج البلد للاسف .. ومازالت ارى اثارا مهمله ونراسل المهتمين والمعنيين بالامر ولا حياه لمن تنادي لحمايه هذا التاريخ من الجانب الحكومي

    • زائر 5 | 1:03 ص

      شكراً لك

      بارك الله جهودكم استاذ وسام

    • زائر 7 زائر 5 | 5:37 ص

      شكرا

      شكرا لك عزيزي

    • زائر 3 | 12:14 ص

      لنا تاريخ اصيل وبسبب اصالته

      بسبب اصالة تاريخنا جعل البعض يستهدفنا كشعب في تاريخه وفي مكونه

    • زائر 1 | 11:46 م

      تاريخ عراد

      لعراد وعلمائها تاريخ عظيم لا نراه حاضرا في النشاط التاريخي الحاصل هذه الايام في وسائل التواصل الاجتماعي والندوات والمحاضرات، نسمع اسماء مساجد في عراد وعلماء ولا نعلم عنهم شيء، ياريت يكون هناك نشر لتاريخ عراد وتاريخ عوائلها وعلمائها

    • زائر 6 زائر 1 | 3:14 ص

      واجب اهالي عراد

      هذا واجب يقع على كاهل اهل عراد في المقام الاول

اقرأ ايضاً