العدد 4844 - الجمعة 11 ديسمبر 2015م الموافق 29 صفر 1437هـ

الزاكي: حظر الجمع بين الخطابة و«الانتماء السياسي» يمثل خرقاً واضحاً لأبجديات العمل الديمقراطي

الشيخ فاضل الزاكي
الشيخ فاضل الزاكي

قال الشيخ فاضل الزاكي في خطبته بجامع الإمام الصادق (ع) في الدراز، أمس الجمعة (11 ديسمبر/ كانون الأول 2015): «استمراراً لمسلسل التضييق على الوضع الديني في هذا البلد، طالعتنا الصحف هذا الأسبوع بخبر تصويت مجلس الشورى على قانون يحظر على رجال الدين الجمع بين الخطابة وبين الانتماء للجمعيات السياسية، وكما تم التصويت على هذا القانون في مجلس الشورى المعين، فإن المتوقع ألا يلقى أي عقبات تُذكر في مجلس النواب الذي لا يمثل سوى لون سياسي واحد في ظل مقاطعة شعبية واسعة للانتخابات، أنتجت غياباً كاملاً للصوت المعارض، وهو ما يفقد هذه القوانين والتشريعات أي قيمة ومصداقية».

وأضاف «مثل هذا القانون يمثل مخالفة صريحة لتعاليم الإسلام التي توجب على عالم الدين أن يمارس دوره الإصلاحي في المجتمع من مختلف المواقع ولا ينحصر دوره في زاوية ضيقة، كما يمثل خرقاً واضحاً لأبجديات العمل الديمقراطي، ويتنافى تماماً مع المبادئ العامة لكل الدساتير الوضعية في الأرض، والتي تنص على أن المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات العامة، فحتى الديمقراطيات الغربية لم تسع لسن تشريعات تحظر على رجال الدين الانخراط في العمل السياسي والحزبي أو الجمع بين العمل الحزبي وبين الخطابة الدينية، وهناك نماذج متعددة لعلماء دين انضموا إلى أحزاب سياسية في بلدان ديمقراطية، بل وقادوا تلك الأحزاب، على أن الجمعيات السياسية في البحرين وبحسب القوانين المنظمة لها والقيود المفروضة عليها لا ترقى مطلقا لمستوى الأحزاب السياسية من حيثيات كثيرة، وهو ما يجعل من سن هذا القانون ضربة قاضية لما تبقى من ديمقراطية شكلية في هذا البلد».

ونبه إلى أن «سن مثل هذا القانون يعكس للمراقب طبيعة الواقع الذي يُراد فرضه على الناس في هذا البلد، وإلى أي مدى يراد لهذا الدين ان يغدو غريبا في مجتمعنا المسلم».

وفي موضوع آخر، تحدث الزاكي عن ذكرى رحيل رسول الله (ص)، وقال: «إن الرسول (ص) لاقى من أصناف الأذى ما لاقى، وقد ذكرت لنا المصادر نماذج من الأذى الذي قاساه النبي من الكفار، فمن ذلك ما رواه المتقي الهندي في كنز العمال عن طارق بن عبدالله المحاربي قال: رأيتُ رسول الله بسوق ذي المجاز، فمر وعليه جبة له حمراء وهو ينادي بأعلى صوته: يا أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، ورجلٌ يتبعه بالحجارة، وقد أدمى كعبيه وعرقوبيه وهو يقول: يا أيها الناس، لا تطيعوه فإنه كذاب. قلتُ: من هذا؟ قالوا: غلام من بني عبدالمطلب، قلتُ: فمن هذا يتبعه يرميه؟ قالوا: هذا عمه عبدالعزّى يعني أبا لهب».

وتابع الزاكي «لاقى الرسول ما لاقى يوم أحد حتى جُرح وكُسرت رباعيته، كل ذلك وهو صابر محتسب في سبيل نشر هذه الدعوة. وكما لاقى الرسول الكثير من أصناف الأذى من مشركي قريش، فكذلك لاقى من المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة مع الأسف الكثير من أصناف الأذى، فمن ذلك قيام بعضهم بقذف عرض الرسول بالباطل حتى نزلت آية الإفك لتنفي تلك التهم الباطلة، ولعل من أشد أنواع الأذى الذي لقيه الرسول أن تخالف أوامره الصريحة وهو على فراش المرض ويُتهم في عقله، ويحال بينه وبين أن يكتب للأمة كتابا لا تضل بعده، وذلك حينما خاطب أصحابه قائلا: ائتُوني بدواة وكتف، أو أئتوني بِكتابٍ أكتُب لكُم كتابا لا تضلُّوا بعدهُ، فيقول القائل بمحضر رسول الله: إن رسول الله ليهجر، أو غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله».

وأوضح الزاكي «لم يقتصر الأذى الذي لاقاه رسول الله على حياته، بل لعل ما لاقاه بعد وفاته يزيد أضعافا مضاعفة عما جرى عليه في حياته، ولن نتعرض هنا للظلم الذي عاناه أهل بيته بعد وفاته، حيث تتبعهم حكام الجور بالقتل والتنكيل والتشريد مما هو كثير جدا، ومعروف ومشهور في المصادر ويطول المقام بذكره هنا. ونكتفي بالإشارة هنا إلى نوعين من الأذى الذي تعرض له الرسول بعد وفاته ممن يعتبرون أنفسهم أتباعا له: أولا: الافتراء والتشويه الذي تعرضت له شخصية الرسول في مصادر التاريخ، حيث أن الباحث لن يجد كثير عناء في التعرف على ذلك الكم من الروايات التي سيقت لتشويه صورة الرسول وإظهاره بصورة الشخص اللاهي العابث المتفرغ لمسابقة زوجته في الصحراء، او الشخص الذي لا يرى بأسا بحمل زوجته على عاتقه وأخذها لترى اللعب واللهو، كما انه الشخص الذي لا هم له سوى الجنس، فينقلوا عنه قيامه بالتطواف على كل نسائه في ليلة واحدة، أو تلك الروايات التي تسعى لإظهاره بصورة الرجل القليل الخبرة بشئون الحياة فيعطي أصحابه مقترحات تضر بهم وتوقعهم في البلاء، أو انه يغضب فيعبس في وجه أصحابه، كل ذلك يجعل من هذه الصورة المشوهة غير جديرة بالاتباع والاقتداء بها، خلافا لنصوص القرآن الآمرة بالتأسي برسول الله (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) أفهل سيبقى الرسول بعد كل هذا التشويه الذي تعرضت له شخصيته العظيمة قدوة واسوة للمسلمين! وهو ما يفرض علينا كمسلمين ان نراجع مصادرنا لننقيها مما دخل عليها من تزييف وافتراء طال شخص الرسول، ثانيا: الممارسات العملية الخاطئة التي يقوم بها المسلمون اليوم والتي يظنها غير المسلمين انعكاساً طبيعياً لأخلاقيات وتعاليم الرسول مما يشوه صورة الرسول في أعينهم وينفرهم منه ومن قبول دينه وتعاليمه، وهذه الممارسات على نوعين: الأول: ما يقوم به التكفيريون اليوم في أكثر من بلد، من تعد على ممتلكات الناس وهتكٍ لأعراضهم، وسفك للدماء البريئة بلا وجه حق، ومع الأسف فإن ذلك يجري بصورة همجية وبوحشية بالغة تصل حد السرف المجنون، والأنكى أن كل ذلك يتم بمرأى ومسمع من العالم كله، وهو يُمارسُ باسم الدين وبادعاء تطبيق شريعة سيد المرسلين، وتدعمه بشكل أو بآخر بعض الدول والحكومات في العالم الإسلامي، وهو تشويه واضح لصورة الإسلام وشخص الرسول في أعين العالم أجمع، وهو ما يفرض علينا كمسلمين بذل جهود مضاعفة لتبرئة ساحة الرسول وإبراز صورته الناصعة، والثاني: التخلف الواضح عن تعاليم الإسلام وأخلاقياته في سلوك المسلمين وأخلاقياتهم وممارساتهم في أكثر أصقاع الأرض، مضافا لتبلدهم وتفشي الضعف والجهل في أوساطهم، وهو وإن لم يتم باسم الدين إلا أن سعة دائرته لأغلب بلدان المسلمين لا ينفك عن ترسيخ تلك الانطباعات الخاطئة والتي يروج لها الإعلام المعادي حول شخصية الرسول وأخلاقه وتعاليمه، فكثيرا ما يكون المسلم ومن حيث لا يشعر يخدم أعداء الدين ويمارس هذا التشويه عمليا ودونما قصد».

وشدد على ضرورة أن «أن يصحح المسلم مساره ويلتزم بتعاليم دينه، ويضاعف مراقبة أعماله وسلوكه كي لا يضيف إلى وزره وزر هذا التشويه، فلابد أن يكون مقتديا بالرسول الذي خاطبه الله تعالى في سورة آل عمران بقوله: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، وقال في سورة القلم: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)».

العدد 4844 - الجمعة 11 ديسمبر 2015م الموافق 29 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 4:49 ص

      احسنت شيخنا

      هؤلاء القوم يريدون المعاملة ويه الناس على هواهم لو كانو يامنون بالله لاما عاملو الشعوب بالشر لاجل مصالحهم الى متى هاده العناد يا اصحاب الهوى الا تخافون الله وتخافون من عذابه كم بتعيشون لابد من العقاب قانتبهو الى انفسكم واعطوا الناس حقوقها لانه لايقيدكم فى هاد\\ى الدنيا اله العمل الصالح والله ياخد حق الشعوب المظلومة اللهم صلى على محمد واله محمد وثبتنا على ولايتهم

    • زائر 8 | 4:44 ص

      الربيع العربي التونسي مثالا

      نحن مع قانون منع إستغلال المنابر في السياسة والخلط بين الخطابة والانتماء السياسي فبهذه الطريقة تقوم الدولة المدنية الحديثة بعيدا عن أي تحزبات دينية وطائفية بغيضة. المعارضة البحرينية ودول العالم تمتدح تونس وربيعها العربي وهذا الفصل بين الدين والدولة احد أهم تشريعاتها الديمقراطية وسر من أسرار نجاحها التي نتمنى أن تسلكه البحرين.

    • زائر 5 | 2:21 ص

      ...

      نتمنى من وزارة الداخليه اخذ الاجراءت اللازمه لمن يتجاوز القانون .

    • زائر 12 زائر 5 | 5:20 ص

      هذا اللي فالحين فيه

      هذا اللي فالحين فيه نتمنى و نتمنى و اذا جاء المقص قربكم عالى الصراخ...لا تستعجل فالايام دول

    • زائر 4 | 1:07 ص

      نعم الرسول صلى الله عليه وسلم عبس في وجه ابن ام مكتوم لذلك نذلت سورة عبس

      سبب نزول هذه السورة باتفاق المفسرين ، أنه - صلى الله عليه وسلم - كان مشغولا بدعوة صناديد قريش ، فأتاه ابن أم مكتوم وهو رجل أعمى ، وقال : " أقرئني يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلمني مما علمك الله ، وكرر ذلك ، فلم يتفق ذلك وما هو مشتغل به - صلى الله عليه وسلم - ، وما يرجوه مما هو أعظم ، فعبس وتولى عنه منصرفا ، لما هو مشتغل به ..لذلك لا إجتهاد في نص يا ملانا العزيز ولاداع لقول ان الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعبس في وجه أصحابه صلوات الله عليه وافضل تسليما

    • زائر 3 | 10:36 م

      هم أكثر دكتاتورية

      اللي يدعون المدنية ويحاربون علماء الدين بسبب زيهم أثبتوا أنهم أكثر دكتاتورية وتعنتاً ولا ينتمون لقيم المدنية الحضارية التي تساوي بين الناس
      فعالم الدين مواطن ومن حقه أن يتحدث عن مطالبه السياسية أينما كان وعلى البعض من دعاة المدنية أن يتعلموا من الدينيين القليل من التواضع والانفتاح على الناس

    • زائر 6 زائر 3 | 2:22 ص

      يا محامي رجل الدين.

      البحرين مدنيه ولن ولن تكون اسلاميه سياسيه .

    • زائر 7 زائر 3 | 3:27 ص

      نعم

      رجل دين أو رياضة أو فن أو صحافة
      كلهم مواطنون في الدولة المدنية ومن حقهم التحدث في السياسة
      القانون هذا بيمشي على المعارضين بس أما الموالاة فالعكس بيطلبون منهم مواقف سياسية موالية مثل كل مرة

اقرأ ايضاً